صورة نتنياهو أمام المحكمة..

ناحوم-برنياع.jpeg
حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع



المكان المحفوظ لنتنياهو في المحكمة هو كرسي منفصل، في الجانب اليمين من القاعة، خلف محاميه. من هذه الزاوية لا يمكن تصويره إلا من الخلف فيما أن منصة القضاة تعلو فوقه. وعليه، عندما دخل القاعة توجه بالذات يساراً إلى الزاوية اليسارية الخلفية. فهو يفضل أن تلتقط له الصور وقوفاً، من الأمام، وهو يهمس في أذن محاميه من خلف الكمامة، فهو يوجد في القاعة ولكنه ينتمي إلى مكان آخر، مكان يتحكم به. متهم بالكمامة: اللقاء في المحكمة قاس لكل إنسان، لكن في حالة نتنياهو هو قاس على نحو خاص. فالانتقال من مكانة الحاكم كلّي القدرة إلى مكانة المحكوم من الآخرين واضح عليه. لغة جسده أرادت أن تبث الثقة، التحكم، لكن القسم المكشوف من وجهه بث غضباً، احتقاراً، ومهانة.
جلب معه ابنه أفنر، ابن العائلة الوحيد الذي لم يضره حتى اليوم. قرار حكيم، من كل النواحي. في بنطال أبيض، وقميص أسود وبلحية على الموضة، كان أفنر الابن الطيب، الابن الذي جاء ليطهر بحضوره أباه. عندما نهض ليعانق أباه عناقاً شجاعاً، كرجل لرجل، كلاهما وظهره إلى الإعلام المنفعل، اكتملت الخطوة.
عضوا كنيست من «الليكود»، أمير أوخنا، وجليت ديستل أتبريان، جلسا من خلف الأب وابنه. وبعد ذلك انضم إليهما شلومو كرعي. عندما بدأت المحاكمة وقف الوزراء في حينه حوله، أمام الكاميرا، فتبنوا في واقع حضورهم الخطاب منفلت العقال الذي ألقاه ضد جهاز القضاء. وقد تعلموا الدرس. ونقل غيابهم الرسالة: لا نعمل عندك، في حملتك الشخصية، لا في الكنيست، ولا في المحكمة، ولا في التظاهرات من أجلك في الشارع.
الشارع هو في هذه اللحظة ملك البيبيين. أول من أمس، كان نحو 20 منهم يلبسون القمصان «أنت رئيس وزرائنا»، مع صورة الزعيم، مجهزين بمكبرات الصوت شديدة القوة وبوابل هائل من الشتائم، تجاه نير حيفتس، بينيت، ومراسلي التلفاز. هنا وهناك انتقلوا إلى العنف. عرب شرق القدس اجتازوا بسياراتهم المفترق بعد أن أغلقوا النوافذ. «لن تسير وحدك»، هتفوا بانتظام. مع مؤيدين كهؤلاء، لعله من الأفضل السير وحيداً. فضّل نتنياهو الخروج من بوابة جانبية.
نير حيفتس، خادم كل الأسياد الذين يقفون إلى المحاكمة في هذه المحكمة، كان يفترض أن يبدأ، أول من أمس، شهادته. أثارت المنشورات الأولية حول شهادته توقعات كبرى، قد تكون أكبر مما ينبغي، فالشاهد الملكي حيفتس لا يمكنه أن يعطي إلا ما لديه، وما لديه نعرفه.
لكن حيفتس لم يشهد، أول من أمس. وكان السبب إسورة واحدة، غالية على نحو عجيب، وبضع حلي أخرى تلقتها سارة نتنياهو زعماً من أرنون ميلتشين وجيمز باكر، من المحسنين للعائلة.
على قضية الحلي سأشهد لاحقاً. بداية سأروي عن آثارها على المحكمة، أول من أمس. فقد اشتكى المحامون من أنهم لم يعرفوا شيئاً عن المعلومة الجديدة التي تقدمت بها هداس كلاين مساعدة ميلتشين وباكر. وأن المادة أعطيت لهم، أول من أمس، فقط. يحتاجون زمناً لدراستها. ليئات بن آري، المدعية العامة، حاولت أن تشرح. وكانت الشروحات متعثرة. والانجراف الخطابي للمحامين كان مبالغاً فيه.
«هذا حدث عنيف ونحن بمثابة أغبياء»، اشتكت ميخال روزين – عوزير محامية الألوفيتشيين. «عيوننا مغمضة، قلبوا عالمنا». «حدث عنيف داخل حدث عنيف»، دقق زميلها، جاك حن. «هذا ليس مجرد عنيف – هذا عنيف مؤسساتياً»، هتف بوعز بن تسور، محامي نتنياهو.
أساس الادعاء كان تسريب قصة الحلي لوسائل الإعلام. في هذا الشأن كان ظاهراً إجماع عام: أعلنت بن آري، باسم فريق الادعاء: «صدمنا بقدر لا يقل عنكم. هذا خطير جداً».
القضاة هم أيضاً صدموا، بكل ما لديهم. «ماذا سيحصل في سياق المحاكمة إذا كان هذا ما يحصل في بدايتها»، اشتكى القاضي موشيه بار – عام.
لعلي مخطئ، ولكنهي فهمت الدراما في المحاكمة، أول من أمس، بشكل مختلف بعض الشيء. الصراع ليس على براءة المتهمين أو حقوق محاميهم. الصراع هو على التحكم. من يقود في محاكمة نتنياهو ومن يقاد، من يقرر جدول الأعمال ومن يجر وراءه. تتنافس أربع جهات على التحكم: النيابة، الدفاع، القضاة، الإعلام ومسربوه. جاك حن كاد يقول هذا: «نحن المحامين لن نقف على خشبة المسرح. توجد لنا وظيفة. ماذا، فهل سنتدحرج في سياق الحركة؟ لن نسير في مسار المذبح». هم يؤمنون بأن من سيتحكم بتقدم المحاكمة سيؤثر على نتائجها. هم ليسوا الأوائل.
والآن، إلى الحلي. الإسورة التي قُدمت، زعماً، لسارة نتنياهو هي من إنتاج بوتشيلدي، مصنع تأسس في ميلانو، إيطاليا، في 1919. وهو يختص بحلي الذهب والفضة الغالية وفي الحفر الفني، وإحدى العلامات التجارية المحببة لدى أغنياء العالم. إذا كانت حقيقة في شهادة هداس كلاين – ولماذا لا تكون حقيقة؟ فهي الشاهدة الوحيدة في المحاكمة التي لا غبار عليها - فإن الإسورة اشتريت بثمن 45 ألف دولار. هذا ما تكلفه سيارة محترمة في إسرائيل في 2015.
يحتمل ألا يكون لهذا معنى قانوني دراماتيكي، ولكن من ناحية جماهيرية هذا يقول الكثير. معظم الإسرائيليين لا يعرفون الكثير عن السيجار والشمبانيا، ولكن إسورة بـ 45 ألف دولار تقول لهم غير قليل. هذه ليست هدية يمكن لموظف عمومي أن يتلقاها من صديق.
وفقاً لما نشر، فإن بن تسور إياه، الذي كان في حينه محامي هداس كلاين، أشار إليها ألا تعطي المحققين معلومات لم يسألوها عنها. المشورة إشكالية: إذا لم يكن للشاهدة ما تخفيه فلماذا يعرض عليها أن تسكت. وهي تضع انتقال بن تسور من الزبونة كلاين إلى الزبون نتنياهو في ضوء غريب قليلاً.
يتبين أن لانتقال محام من طرف إلى طرف آخر ثمناً. من يدري إذا كانت كلاين ستطرح قصة الحلي إذا كان بن تسور لا يزال محاميها.

عن «يديعوت»