هل تتحول قوة عظمى إقليمية؟

إيـران تـعـزز عـلاقـاتـهـا الاسـتـراتـيـجـيـة مـع «شـريـك إسـرائـيـل»

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 

 



أسبوع مكتظ ينتظر ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد. يوم الأربعاء، يتوقع أن يهبط في تركيا للقائه الأول مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. الحلف الجديد بين الدولتين جاء بعد سنوات من القطيعة، وبالأساس بعد عداء شديد وجد تعبيره، ضمن أمور أخرى، في أقوال سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، في العام 2017 والتي بحسبها تركيا أخطر من إيران. "لا نريد أن تحدد تركيا وقطر قائمة وجبة العشاء. الأحرى بهما إدارة دولتيهما"، كتب في حينه في رسالة بالبريد الإلكتروني لصحيفة "نيويورك تايمز".
في هذا الشهر، وقعت تركيا وإيران والإمارات على اتفاق تعاون اقتصادي مهم، بحسبه يجب أن تمر البضائع من الإمارات عبر إيران ومنها الى تركيا في مسار بري. الاتفاق، الذي اصبح يقلق مصر، التي تخاف من تقليص كبير في حجم المواصلات البحرية في قناة السويس، سيقصر فترة النقل من 20 يوما عبر القناة إلى أسبوع فقط. هذا ليس التعاون الأول الذي يوقع بين الإمارات وإيران. فقبل سنتين تقريبا، وُقّع بين الدولتين اتفاق تعاون عسكري استهدف تأمين الملاحة في الخليج الفارسي بعد أن انسحبت أبو ظبي من الحرب من اليمن وتركت لشريكتها السعودية مواصلة التمرغ في وحل اليمن وحدها. منذ ذلك الحين تتمتع الإمارات بحزام امان ضد هجمات الحوثيين على أهدافها ومطاراتها.
في الاسبوع الذي سيمكث فيه ابن زايد في تركيا ويناقش مع اردوغان سلسلة من المشاريع الاقتصادية والاستثمارات بمليارات الدولارات، يتوقع أن يزور مستشاره للأمن القومي، الذي هو بالمناسبة شقيقه، طحنون بن زايد، للمرة الاولى إيران من أجل فحص امكانية توسيع العلاقات الاقتصادية الى علاقات دبلوماسية كاملة. طحنون، الشخص القوي في الدولة والمشجع الكبير لجين جيتسو بارزيلاي، هو مبعوث محمد بن زايد للمهمات السياسية الخاصة التي تتضمن، ضمن أمور أخرى، إعداد الارضية لاستئناف العلاقات مع تركيا وصياغة اتفاق سلام مع إسرائيل وتطوير علاقات الدولة مع الصين وروسيا والولايات المتحدة ومؤخرا أيضا مع سورية. يمكن التوقع بأنه بعد زيارته طهران سيصل اليها ايضا حاكم الدولة، وبهذا ستنتهي حياة التحالف العربي ضد إيران الذي شكله محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية. ابن سلمان بالمناسبة لن يكون مصدوما من خطوات نظيره الاماراتي لأن السعودية عقدت ثلاث جولات من المحادثات مع مندوبين إيرانيين كبار في بغداد.
تعزيز العلاقات بين إيران ودول الخليج هو أحد أُسس سياسة إيران الخارجية كما أعلن عنها الرئيس الإيراني، ابراهيم رئيسي، بعد فترة قصيرة على انتخابه رئيسا. وهي لا تنفصل عن المفاوضات التي ستبدأ في 29 تشرين الثاني حول استئناف الاتفاق النووي. إيران والسعودية والامارات ودول الخليج الاخرى ستحتاج الى تعاون بينها في الوقت الذي ستعود فيه إيران الى سوق النفط العالمية. وهي المرحلة التي تريد فيها إيران إعادة زبائن كبار الى حضنها مثل الهند وكوريا الجنوبية والحفاظ على الزبون الاكبر، الصين.
الخطوات السياسية لإيران والسعودية والامارات يمكن أن تشير الى نوايا إيران بالنسبة للاتفاق النووي، الذي بدونه لا تستطيع أن تحقق المزايا لاقتصادية والسياسية التي يمكنها استخلاصها من علاقاتها المتجددة مع جيرانها. مرت خمسة اشهر على وقف المفاوضات بين الدول العظمى وإيران بسبب الانتخابات الرئاسية وبعد ثلاثة اشهر على تسلم رئيسي لمنصبه. ولكن يبدو أن الافتراض الاساسي والآخذ في التبلور في إسرائيل والولايات المتحدة والدول الاوروبية، والذي يقضي بأن إيران لن تعود للمفاوضات وهي غير معنية باستئناف الاتفاق النووي، لم يعد يقف على ارض صلبة. مصلحة إيران في العودة الى الاتفاق بقيت على حالها، وهذا لا يعني ان الاتفاقات يتوقع أن تكون سريعة وسهلة.
في هذا الاسبوع، نشر الموقع الحكومي "إيران ديلي" أقوال نائب وزير خارجية إيران، علي بكري قاني، الذي يترأس طاقم المفاوضات الإيراني، التي بحسبها فإن إيران لن تناقش الموضوع النووي والتقدم الذي تحقق في المحادثات التي كانت حتى الآن، مع الدول العظمى. هذا الموضوع اتفق عليه في السابق، أكد بكري قاني. وقال، إن المحادثات الجديدة ستتركز حول رفع العقوبات. لا يوجد في هذه الاقوال أي جديد، حيث إنه حتى قبل وقف المفاوضات السابقة في حزيران أعلن وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، والرئيس حسن روحاني، بأن الاتفاق تقريبا استكمل. حتى أن روحاني أعطى إشارات إلى أن النظام هو الذي يعيق التوقيع لأسباب سياسية كما يبدو. قيلت هذه الاقوال عشية الانتخابات الرئاسية، ويبدو أن تردد الزعيم الاعلى، علي خامنئي، كان حول هل يمنحون الانجاز لروحاني أم الانتظار حتى انتخاب وريثه. يبدو أن المواضيع التقنية المرتبطة بمكونات المشروع النووي تم الاتفاق عليها، وأن إيران لن تجمد فقط الوضع القائم الذي يشمل الخروقات الجوهرية، بل ستعود الى الوضع الذي كان سائداً عند التوقيع على الاتفاق النووي الأصلي في 2015.
حسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية فإن إيران قامت منذ ايلول بتخصيب حوالي 17.7 كغم من اليورانيوم بمستوى 60% مقابل 3.67% المسموح لها حسب الاتفاق، ويبدو أنها ايضا شغلت اجهزة الطرد المركزي من النوع المتطور في منشأة فوردو خلافا للاتفاق. المشكلة هي أن المراقبين في الوكالة لا يمكنهم التأكد من حجم التخصيب وفحص النشاطات في كل المنشآت بسبب الحظر الذي فرضته إيران على دخول المنشآت، والذي سمحت به طبقا للاتفاق مع رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، ومواصلة عمل الكاميرات. الاثنين القادم، يتوقع أن يصل غروسي الى إيران من أجل إجمال موضوع الرقابة مرة اخرى، تقريبا في اللحظة الاخيرة قبل انعقاد الوكالة الدولية للطاقة النووية، الذي يتوقع أن تناقش فيه الرقابة سوية مع منظومة عقوبات ستفرض على إيران إذا واصلت منع الرقابة المباشرة والكاملة.
حسب التصريحات العلنية، التي تصل من إيران، فإنه في مركز النقاشات القريبة القادمة ستكون مسألة الضمانات التي تطلب إيران الحصول عليها من الولايات المتحدة، والتي ستضمن بأن أي ادارة أميركية لن تنسحب مرة اخرى من الاتفاق، وأن يتم تشكيل جهاز خاص للرقابة على رفع العقوبات. هنا تكمن مشكلة دستورية أميركية، حيث إن ادارة بايدن لا يمكنها التعهد باسم رؤساء مستقبليين. يعتبر الاتفاق النووي "اتفاقا" وليس "ميثاقا" يقتضي مصادقة ثلثي اعضاء مجلس الشيوخ وينتقل بالوراثة من ادارة الى اخرى. ولكن ايضا استعداد بايدن لرفع جميع العقوبات الأميركية، التي فرضت بسبب البرنامج النووي لا يكفي إيران، التي تطالب بأن تُرفع ايضا العقوبات التي فرضت عليها وعلى شخصيات وشركات إيرانية بسبب المس بحقوق الانسان ودعم الارهاب. هنا تظهر عقبة دستورية اخرى، حيث إن الغاء العقوبات الإضافية يقتضي تشريعا خاصا لا يرتبط فقط برغبة الرئيس.
المقالات التي نشرت في وسائل الاعلام الإيرانية طلبت من الرئيس رئيسي مطالبة الولايات المتحدة ايضا بالاعتذار عن الانسحاب من الاتفاق النووي، وأن تدفع لإيران تعويضات عن الاضرار التي تسببت بها العقوبات التي لم يتم رفعها. تصريحات بايدن، التي بحسبها كان انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق خطأ، لا تُعتبر بالنسبة لهم اعتذارا. وبالنسبة لدفع التعويضات فإنه لا توجد للولايات المتحدة أي نية لمناقشة ذلك.
بخصوص الاشراف على رفع العقوبات فإن إيران تطالب بالتأكد من أن الولايات المتحدة لن تشكل منظومة عقوبات غير مباشرة مثل استخدام الضغط على دول ثالثة كي لا تقيم علاقات تجارية مع إيران. وبذلك تفرغ رفع العقوبات من المضمون. تخشى إيران، مثلا، من وضع في اطار المواجهة السياسية الجارية بين الولايات المتحدة والصين تفرض فيه واشنطن عقوبات على الصين اذا طبقت الاتفاق الاقتصادي بعيد المدى الذي وقعته مع إيران، والذي في اطاره ستستثمر الصين نحو 400 مليار دولار على مدى 25 سنة، في إيران. من المشكوك فيه اذا كان لإيران سبب للخوف من أن بايدن سيخرق الاتفاق الجديد عندما سيتم التوقيع عليه، وأن يفرض على إيران عقوبات غير مباشرة، لكن عدم الثقة بالولايات المتحدة لا يقل عن عدم ثقة الولايات المتحدة بإيران.
تعلمت إيران ايضا أنها لا تستطيع الاعتماد على الدول العظمى التي وقعت على الاتفاق، لا سيما على الدول الاوروبية التي رغم غضبها من انسحاب ترامب من الاتفاق لم تنجح في تأسيس آلية بديلة تقوم بتفعيل الاتفاق النووي بدون الولايات المتحدة، واضطرت الى أن توافق على شروطها. شركات دولية غادرت إيران بعد فترة قصيرة من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وآلية التمويل البديلة باليورو التي اقترحتها فرنسا، بل بدأت في تطبيقها، لم تمنح الشركات الاوروبية أي بديل أو أي حماية من العقوبات الأميركية. في الوقت ذاته، توقف الزبائن القدامى عن شراء النفط منها، حتى الصين قلصت حجم مشترياتها.
إن ازالة الشك حول نوايا إيران في العودة الى طاولة المفاوضات لا توضح حتى الآن، اذا كانت تنوي اجراء مفاوضات استعراضية وكسب الوقت من اجل زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب، أم أنها ستسرع العملية وتعمل بوتيرة سريعة وحازمة، ميزت الجولات الست من المفاوضات التي كانت بين نيسان وحزيران. الاجابة عن هذا السؤال لا تكمن فقط في الاحتياجات الاقتصادية الملحة لإيران. تعيش إيران منذ عشرات السنين تحت نظام العقوبات، من بينها أكثر من ثلاث سنوات تحت "الحد الأعلى من الضغط" الذي فرضه عليها الرئيس ترامب ولم يجعلها تنهار.
إيران، التي تطمح الى أن تكون دولة عظمى إقليمية، والتي فضّل رئيسها المشاركة في مؤتمر "دول اتفاق شنغهاي"، الذي عقد في طاجاكستان، المشاركة في لقاء الجمعية العمومية للامم المتحدة، هي التي تجري مفاوضات مع روسيا على اتفاق تعاون استراتيجي يشبه الاتفاق مع الصين، وهي تهدف الى ما هو أبعد من الظروف التي ستسمح لها بالبقاء اقتصاديا. ومن اجل أن تستطيع تجسيد طموحاتها، ليس فقط هي بحاجة الى التحرر من قيود العقوبات، بل يجب عليها أن ترفع تهديدها ايضا على الدول التي بمساعدتها تسعى الى بناء نفسها كوتد اقليمي رئيسي. هذا الاعتبار الاستراتيجي تحول الى واقعي اكثر عند دخول السعودية والامارات دائرة الدول التي تقوم بدعوة نفسها الى طهران، وهذا الاعتبار هو الذي يمكن أن يكون هو نفسه الذي يحدد الجدول الزمني للمفاوضات حول الاتفاق النووي.

عن "هآرتس"