بقلم: رامي مهداوي
شاءت الأقدار أن أشتري ضمة بصل أخضر من أحد محلات الخضراوات والفواكه، صعقني سعر ضمة البصل الخضراء التي لا يصل حجمها سبع بصلات بمبلغ 5 شيكل، وهذا المحل لا يعتبر من المحلات التي يتم وصفها بأنها صيدلية_ وصف يطلق على محلات الخضراوات والفواكه التي تبيع بأسعار باهظة الثمن لدرجة الخيال_ . سعر ضمة البصل كسعر الأسهم في البورصة.... وربما يقفز سعر ضمة البصل بشكل أسرع من السهم في البورصة، ما أعرفه أن سعر ضمة البصل 2 شيكل أو الضمتين 5 شيكل فقط لا غير. في مدينة رام الله تجد الأسعار مسعورة بشكل دائم تنهش جسد المواطن في أبسط احتياجاته، هذه الأسعار تنهش أجسادنا ونحن في حالة صمت دون أي فعل رافض سوى بعض الحملات في العالم الافتراضي "الإلكتروني" أو حملات كان الهدف منها إعلاميا وترويجيا لبعض الشخصيات.
تبنت الحكومة مبدأ الاقتصاد الحر حسب ما نص عليه القانون الأساسي في مادته 21، حيث يتم تحديد أسعار السلع والخدمات بحرية وبموافقة بين البائع والمستهلك، ويعتمد هذا النظام الاقتصادي على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والمبادرة الفردية، والذي تكون فيه قوى العرض والطلب خالية من أي تدخل من قبل الحكومة، بالتالي فإن الحكومة لا تتدخل في الأنشطة الاقتصادية وتترك السوق يضبط نفسه بنفسه، ولكن يبقى هناك حيز للدولة والقطاع العام ليلعب دورا في تنظيم الحياة الاقتصادية.
ويتماشى تبني الحكومة لسياسة اقتصاد السوق الحر مع رؤية المجتمع الدولي الذي اتجه إلى العولمة وتحرير السوق، وهذا التوجه جسدته الحكومة أيضا برغبتها في التوجه نحو منظمة التجارة العالمية التي تدعو إلى تحرير السوق من أي عوائق جمركية وغير جمركية ما عدا بعض التسهيلات التي تقدّم للدول النامية والأقل نموا، وقد عكسته الحكومة في توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية التي اعتمدت على مبادئ منظمة التجارة العالمية والتي فتحت السوق الفلسطيني أمام المنتجات الأجنبية دون ضوابط تراعي حاجة السوق الفلسطيني.
وهذا يطرح تساؤلا أمام المنتج والمستهلك عن قدرة السوق الفلسطيني الصغير والهش بالتوجه نحو العولمة، حيث يعتمد تبني الحكومة لهذا النظام وسياسة العولمة على قدرتها على تطوير سياسات واستراتيجيات تتعلق بتنمية الاقتصاد الفلسطيني بالإضافة إلى تطوير أدوات تهدف إلى تنفيذ هذه السياسات.
هناك العديد من العوامل التي تحول دون القدرة على المواءمة مع هذه السياسة، حيث طورت الحكومة العديد من الاستراتيجيات إلا أنها غير مطبقة لعدم جاهزية البنية التحتية المؤسساتية، وما زالت الحكومة عاجزة عن تطوير أدوات تتماشى مع سياساتها وتضمن تطبيقها على أرض الواقع ومن ضمنها الأدوات المتعلقة بإخفاقات السوق التي تؤدي إلى عدم الفاعلية المطلوبة لضمان التحويلات بين البائع والمستهلك، وبالإضافة إلى عدم ضبط السوق الذي تحكمه المصالح التجارية للقطاع الخاص الذي يتطلع إلى زيادة أرباحه دون الأخذ بالاعتبار البنية الاقتصادية الهشة والبنية التحتية الاجتماعية الضعيفة للمستهلك الفلسطيني.
ويظهر انحياز الحكومة للقطاع الخاص في تخليها عن المبادرة الاقتصادية ضمن مفاهيم القطاع العام، وترك الزمام للقطاع الخاص بتعزيز ثقافة الاستهلاك على حساب الانتاج وثقافة الترفيه التي أدت إلى تعظيم وتنامي الظاهرة الاستهلاكية لدى المجتمع الفلسطيني، وأطلقت هذه الظاهرة العنان لرفع أسعار الخدمات والسلع ذات الطبيعة الترفيهية امام المستهلك، الذي لا يعتبر هذه السلع والخدمات ككماليات وإنما أصبحت كضرورات لحياته.
واكتفت الحكومة بسن قوانين لا تفعّل على أرض الواقع، وقد كان ذلك جليا في قانون الاتصالات الذي نص على إنشاء الهيئة المستقلة لتنظيم الاتصالات لضمان التنافسية وعدم الاحتكار، وحتى تاريخه لم يتم إنشاء هذه الهيئة، أو من خلال قانون حماية المستهلك الذي لا يعطي الحق بالتحكم بالأسعار والاكتفاء بالرقابة فقط على إعلان الأسعار، بالإضافة إلى عدم التطبيق الفاعل للإجراءات العقابية.
من ناحية أخرى لا بد من التطرق إلى ارتفاع أسعار السلع المرتبط بزيادة التكاليف المترتبة على منتجي السلع والخدمات في ظل الهيمنة الاسرائيلية على الموارد الطبيعية وتحكمها بالمعابر، وهذه التكاليف التي يتكبدها المنتج يتحملها المستهلك في نهاية المطاف على شكل ارتفاع هائل في الأسعار وأثر ذلك على إضعاف القدرة التنافسية للمنتج الفلسطيني أمام المنتجات المستوردة.
هذه العوامل مجتمعة ومع غياب دور الحكومة الفاعل في ضبط السوق الفلسطيني أصبحت ظاهرة ارتفاع الاسعار السمة المميزة وخاصة في مدينة رام الله التي يبدو فيها تنامي الظاهرة الاستهلاكية، وأصبح الاحتكار هو ميزة هذا النظام الذي زاد الغني غنى والفقير أصبح اشد فقرا.
وقد أظهرت بيانات صادرة عن جهاز الإحصاء الفلسطيني أن الرقم القياسي العام لأسعار المنتج سجل ارتفاعاً بنسبة 2.07% خلال شهر آب 2015 مقارنة مع شهر تموز 2015 ليبلغ 22% منذ عام 2007، وسجل المنتج المستهلك محليا والمنتج للسلع المصدرة من الإنتاج المحلي ارتفاعاً، وشهدت أسعار السلع المنتجة من نشاط الزراعة ارتفاعاً بنسبة 6.09%، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الخضروات الطازجة والمجففة، بينما سجلت الأرقام القياسية ارتفاعا في أسعار تكاليف البناء للمباني السكنية، وتكاليف الطرق، وتكاليف إنشاء شبكات المياه، وتكاليف إنشاء شبكات الصرف الصحي، ويظهر التباين في متوسط سعر الاستهلاك حيث يختلف في الضفة الغربية عنه في قطاع غزة والقدس.
لا تكمن المشكلة في نوع أو طبيعة النظام الاقتصادي السائد فحسب، بل في الأشخاص القائمين على إداراته وتوجيه، فما زالت الحكومة تستطيع التدخل أولا بوضع سياسات تتواءم مع الواقع الفلسطيني المحاصر وتبني اقتصاد صمود للشعب الفلسطيني، بدلا من تبني سياسة تنمية اقتصادية لا يوجد بها موارد لتحفيز وتعزيز هذه السياسة ثم اتخاذ اجراءات للاعتماد على الاستثمار في تطوير المنتجات المحلية وإجراءات صارمة لمواجهة الظواهر التي تتفشى بالمجتمع الفلسطيني.
للتواصل:
بريد الكتروني mehdawi78@yahoo.com
فيسبوك RamiMehdawiPage