لم يسبق أن كانت إسرائيل ناضجة لحل الدولتين كما اليوم!

نتنياهو
حجم الخط

في هذه المرة كان هذا وزير الخارجية، جون كيري، الذي دفع بنيامين نتنياهو ليعرب من جديد عن تأييد علني لفكرة الدولتين. فقد صرح قائلا ان «الحل هو دولة فلسطينية مجردة تعترف بدولة يهودية».

وتفيد التجربة بانه لا تكفي تصريحات نتنياهو لاستخلاص التزامه بها، ولكن السياق الذي ولد فيه تصريحه – كرفض لبديل الدولة ثنائية القومية، يمكن أن يفيد بنشوء وارتقاء حل الدولتين ويشهد على مستقبله.

بشكل فظ يمكن أن يقال إنه في الخمسين سنة الاخيرة وُضع على طاولة عمل دولة اسرائيل حل سياسي واحد لمشكلة «المناطق» المحتلة والسكان الفلسطينيين الذين يعيشون فيها: حل الدولتين. وانقسمت الخريطة السياسية بين مؤيديه ومعارضيه.

وبشكل فظ يمكن القول ان اليسار أيد واليمين عارض. وحتى عندما كان ممكنا احصاء مؤيدي حل الدولتين على كف يد واحدة، لم يسبق أن عُرض الى جانبه حل سياسي آخر.

فكرة «بلاد اسرائيل الكاملة» عبرت عن تطلع ورؤيا، ولكن ليس عن حل سياسي حقيقي للمشكلة الفلسطينية. الخمسون سنة الاخيرة اثبتت بان النظر في حل سياسي دون وضع بديل امامه لا يؤدي الى أي مكان.

مع او بلا صلة، تنطلق مؤخرا في اليسار المزيد فالمزيد من الاصوات ضد فكرة الدولتين. فالطرف اليساري من الخريطة السياسية بدأ يتعاطى مع حل الدولتين كفكرة أكل الدهر عليها وشرب، سواء انطلاقا من التفكير بانه لم تعد توجد الظروف الجغرافية السياسية التي تسمح به أم بسبب عدم ايفائه ظاهرا بمعايير أخلاقية (لأنه عنصري، لأنه من بقايا الاستعمار، لأنه يحافظ ويخلد مظالم النكبة وما شابه).

ومن اليسار بدؤوا يفكرون بصيغة حل سياسي جديد لدولة كل قومياتها.  والآن، عندما هجره رأس حربة اليسار واعلن عنه كفكرة الامس؛ عندما تجري صياغة بديل سياسي يتمثل بدولة ثنائية القومية، يلقي بظلال على حل الدولتين ويلونه بالوان محافظة – يمكن لليمين الاسرائيلي أخيرا ان يتبناه.

دون ثقل الوزن الاخلاقي، دون قرع أجراس العدل الكونية، بل ببساطة بصفته الحل الاقل سوءاً من بين الحلول المقترحة. الى مساعي الدفع بفكرة الدولتين الى مركز الخريطة السياسية انضم نفتالي بينيت. بينيت هو الآخر بدأ بصياغة حل سياسي، يقوم على اساس فكرة الدولة الواحدة، مع فارق فقط عن رؤيا المساواة للجميع التي يتبناها اليسار، وفي هذه الحالة يدور الحديث عن ابرتهايد رسمي.

ورويدا رويدا يهاجم بينيت نتنياهو من اليمين وعمليا يدفعه ليفهم بان خياره هو بين دولتين وبين دولة واحدة، وان عليه أن يلتزم بواحد من البديلين. «منذ خطاب بار ايلان ونحن نسمع: أنا مع دولة فلسطينية، شريطة ان تكون مجردة. وهذا الاسبوع ايضا كرر رئيس الوزراء ذلك. إذاً، هكذا: لا يوجد شيء كهذا.

لا توجد «دولة فلسطينية مجردة»»، كتب بينيت، الشهر الماضي، على الفيسبوك. إذا واصل بينيت محاولاته فرض التنكر لحل الدولتين، على نتنياهو، فانه قد يكتشف بانه بدلا من تقريبه لنتنياهو، فانه يدفعه عميقا نحو هذا الحل. يبدو بينيت كمن لم يستوعب التغيير في السياسة الدولية، والتي من ناحيتها تعد خريطة الامكانيات المبسوطة امام اسرائيل ثنائية القطب: إما دولة واحدة ثنائية القومية، او دولتان للقوميتين. بلا أي ابرتهايد. وكما هو الحال دوما، في نهاية المطاف هذه هي الاطراف التي تعرف المركز.

مع هجر فكرة الدولتين من جانب اليسار المتطرف لصالح حل دولة كل قومياتها والسعي الى دولة أبرتهايد واحدة من جانب اليمين المتطرف؛ وفيما تكون الخريطة السياسية مطالبة بان تنتظم بالنسبة لهذين البديلين، وليس مع أو ضد حل واحد ووحيد – يبدو أن اسرائيل لم يسبق لها ابدا أن كانت أكثر نضجا لحل الدولتين. عن «هآرتس»