الفلسطينيون .. مفارقات إسرائيلية

-البرغوثي-e1574170891299 (1).jpg
حجم الخط

بقلم حافظ البرغوثي 

 

شاركت إسرائيل في مؤتمر الدول المانحة للسلطة الفلسطينية في أوسلو، بهدف إقناع المانحين باستئناف المساعدات التي توقفت منذ رفض السلطة لصفقة القرن في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، وتوقفت معها المساعدات الأمريكية والأوروبية ثم العربية. واضطرت السلطة إلى الاقتراض من البنوك شهرياً لصرف رواتب موظفيها في الضفة الغربية وغزة. وتناقصت أيضاً إيرادات السلطة من الضرائب بعد أن بدأت حكومة إسرائيل باقتطاع قرابة 15 مليوناً شهرياً من أموال المقاصة بحجة أنها تذهب لعائلات الأسرى والشهداء، كما توقفت السلطة عن الحصول عن أموال المقاصة من غزة لأن حركة حماس كانت ترفض تسليم فواتير المقاصة إليها وتتلفها، ما أدى إلى خسارة عشرات الملايين شهرياً أغلبها يبقى في الخزينة الإسرائيلية لعدم ورود مطالبة بالفواتير لها وتحول تلقائياً بموجب القانون الإسرائيلي إلى صندوق للجيش الإسرائيلي.

إضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل تقتطع شهرياً قرابة 13 مليون دولار من أموال المقاصة لتسديد فاتورة خطوط الضغط العالي من الكهرباء التي تزود غزة بجزء من الكهرباء من الشركة الإسرائيلية وتجبيها حركة حماس لخزينتها. هذا الوضع جعل سلطات الاحتلال تقلق من حراك شعبي في الضفة قد يؤدي إلى عنف وعمليات عسكرية ضد الاحتلال ومستوطنيه، واضطرت سلطات الاحتلال إلى إعادة الأموال التي احتجزتها من مقاصة السلطة واعتبرتها قروضاً، لكن المسؤولين الفلسطينيين يقولون إنها أموال الشهداء والأسرى، بمعنى أن إسرائيل قد تستعيد هذه الأموال من الضرائب مستقبلاً. ولهذا أوفد الإسرائيليون وفداً إلى مؤتمر المانحين لحثهم على دعم السلطة مالياً. والمضحك والمبكي في هذا الوضع أن إسرائيل طلبت أيضاً دعم ميزانية حكومة حماس في غزة، وكأنها هنا باتت الدولة الراعية للفلسطينيين بينما هي تريد الحفاظ على «نعمة» الانقسام لأنها تدرك أن الانقسام الفلسطيني هو السد المانع لبلورة موقف فلسطيني موحد ضد الاحتلال.

وكان رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت اتهم سلفه بنيامين نتنياهو بتمويل خزينة حماس وأحياناً من الأموال الإسرائيلية. وقد لوحظ في السنوات الأخيرة كيف أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ضغطت على حكومة إسرائيل للسماح للعمال الفلسطينيين بالعمل دون تصاريح بهدف استيعاب الأيدي العاملة ومنع تفشي الفقر، كما أن رجال الأعمال الإسرائيليين ضغطوا لهذا الهدف جراء نقص الأيدي العاملة وإبعاد العمال الأجانب في ظل جائحة كورونا، وبات عدد العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل أكثر من 180 ألفاً بعضهم يعبر الجدار الفاصل من دون تصاريح حيث يتولى الجيش الإسرائيلي توفير ثقوب في الجدار لعبورهم. وباتت الأيدي العاملة هذه أكبر مصدر دخل للسوق الفلسطينية. كما عمدت إسرائيل مؤخراً إلى منح تصاريح عمل لقرابة ثلاثة آلاف فني وخريج في مجال التقنية الحديثة وبرمجة الكومبيوتر للعمل في المشاريع المتطورة الإسرائيلية.

ولهذا أطلق وزير الحرب الإسرائيلي، بيني جانتس، حملة «بهدف حشد المجتمع الدولي للانضمام إلى جهود إسرائيل لتعزيز السلطة الفلسطينية خوفاً من انهيارها»، وفي محاولة لمنع تدهور أمني قد ينتج عن ذلك لاحقاً. وفي هذا السياق، توجه جانتس مؤخراً إلى مسؤولين في إدارة بايدن مطالباً دول العالم بتجديد تقديم المساعدة المالية للسلطة من أجل تقويتها اقتصادياً والدفع لتنفيذ مشاريع اقتصادية ضخمة. فالمساعدات الدولية للسلطة، تقلّصت من 1.3 مليار دولار في عام 2011 إلى 400 مليون دولار في عام 2020. حيث جمدت أوروبا 600 مليون يورو، واكتفت بتقديم بضع عشرات من ملايين من الدولارات كمساعدات إنسانية في ظل تفشي جائحة كورونا.

وعلى الرغم من قرار إدارة بايدن، تجديد المساعدات المالية للسلطة، أشارت إلى أن معظم هذه المساعدات (نحو 235 مليون دولار) مخصصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي أجبر السلطة على إعلان تخفيض أجور العاملين في القطاع العام بنسبة 50%. ومنذ بداية عام 2021، حولت الدول العربية 32 مليون دولار للسلطة، مقارنة بنحو 265 مليون دولار في 2019.

فالهدف الإسرائيلي هو ضمان الهدوء في الضفة من جهة، والدفع نحو خيار السلام الاقتصادي وليس السياسي وضمان ديمومة الانقسام الفلسطيني.