بريطانيا “العظمى” التي لم تصبح عظمى الا من خلال احتلالها العالم تقريبا في قاراته الخمس ، ما زالت تتماهى مع تاريخها الاسود بحق شعوب الكوكب ، بما في ذلك القتل حد الابادة وسرقة ثروات الغير وسن القوانين العنصرية والفاشية ، بما في ذلك قوانين الطواريء والذي يعد الاعتقال الاداري الذي تمارسه اسرائيل اليوم ضد المناضلين الفلسطينيين احد أهم مكوناته اللاانسانية.
تطاول هذه الدولة على فلسطين وشعبها، لم يبدأ باستعمارها “انتدابها”، ولن ينتهي باعتمادها حماس منظمة ارهابية ، بل عندما بلغت من التجبر والتوحش والتنصل من قيم الانسانية حد ان تمنح فلسطين لأعدائها، ما فعلته امريكا ترامب بمنح القدس كلها عاصمة ابدية لهم.
إن ما اعلنته مؤخرا ضد حركة حماس ، اعلنته مسبقا ضد كل حركة فلسطينية مقاومة لكيانها الذي سعت لاقامته قبل ما يزيد على مئة عام ، وبدلا من ان تذهب لاعادة تقييم موقفها المعّر والمخزي بمناسبة مرور مئويته الاولى ، تتمادى وتوغل اكثر وأكثر في محاربة تطلعاتنا، انها باختصار تريدنا مستسلمين ، تريدنا ان نذعن لارادة هذا الكيان الاحلالي العنصري ضاربة بكل قيم الحضارة والحرية والتمدن والتقدم التي تتلمظ بها قولا ، وتتنصل من حده الادنى إزاءنا، فعلا.
ما لا تعرفه بريطانيا، انها بمثل هذا القرار، انما منحت حماس، ورقة أخرى نحو التفاف الشعب الفلسطيني وشعوب الامة حولها، ذلك ان هذه الشعوب لها تجربة مباشرة مع هذه الدولة المستعمرة، فقد قيل انها كانت تعاقب بالاعدام من تجد بحوزته رصاصة او بندقية ، وها هي اليوم تخرج حركة مقاومة خارج قوانينها فتحكم على كل من والاها بالسجن اربعة عشر عاما.
انها دعوة لحماس ان تستمر في نهجها الصحيح ، لطالما ان بريطانيا العظمى تراه خاطأ ، انها دعوة ان تواصل حماس تطوير مواقفها الايديولوجية ، وبقدر ما تعمق انها حركة تحرر وطني، تنأى اكثر فأكثر عن تيارات مشبوهة لتحقيق اهداف مضروبة، ان تعمّق فهم “الدين لله والوطن للجميع”، الذي لطالما رفضه الاخوان والظلاميين. أن تتعظ بأن سنيّتها لم تشفع لها عند النظام العربي السني، بل ان الشق الشيعي هو الذي دعمها وسلحها وموّلها. ان تدع الكلاب تعوي على قافلة المظلومين وهي تغذ الخطى منذ مئة عام ، لكن عليها ادراك ان ليس بريطانيا وحدها من يعكف على وقف المسير واستكمال النبح، لا ولا بقية اصحاب العيون الزرق في القارة العجوز، بل هناك عربا يلبسون زيّنا ولهم سحنتنا ويتكلمون لغتنا ويقرأون في قرآننا وانجلينا ويؤدون الصلاة في اوقاتها ، انما هم ينبحون ايضا، واحيانا كثيرة ما يعلو صوت نباحهم على نباح الاخرين. و على حماس ان لا تتفاجأ بمن يمكن ان يقوم باستنكار العملية في القدس، وإن لم يستنكرها علنا فقد يستنكرها سرا. و أخيرا، أن تسأنس ونحن معها بما قاله المتنبي قبل اكثر من ألف سنة: لك يا منازلُ في القلوب منازلُ / أفقرتِ انتِ وهن منك أواهلُ* واذا اتتك مذمتي من ناقص/ فهي الشهادة لي بأني كاملُ.