الاتفاق النووي مع إيران يضع المنطقة على مفترق استراتيجي

دان-شيفتن.jpg
حجم الخط

بقلم: دان شيفتن

 


الأشهر القادمة حرجة لأمن إسرائيل القومي، لأنه في اثنائها ستصمم القرارات الأميركية حيال ايران محيطنا الإستراتيجي لسنوات عديدة. من يفحص، في واشنطن وفي القدس، تداعيات السياسة الأميركية في الجانب النووي الضيق، يفوت الامر الاساس. فالرئيس بايدن سيحسم بين ميلين: في احد القطبين، سياسة مسؤولة، اساسها لجم الزخم الايراني للهيمنة في المنطقة وتثبيت تحالف يسمح بتوجيه مقدرات الولايات المتحدة للكفاح العالمي للصين. في القطب الثاني يدور الحديث عن الدفع الى الامام بالثورة الايرانية الى مكانة قوة عظمى في اثناء ذلك سنصل، باحتمالية عالية الى مواجهة اقليمية واسعة.
الغرب الديمقراطي بالعموم، والأميركيون بالخصوص، فشلوا المرة تلو الاخرى في فهم الظواهر الراديكالية. فالأميركيون يفترضون بان الحديث يدور عن شعارات «متطرفة» فارغة وعن زعماء «عقلانيين» سيتصرفون بشكل «عملي» عندما «يكون لديهم ما يخسرونه». هكذا أخطؤوا في فهمهم لهتلر، ناصر، كاسترو، الاسد، عرفات، شافيز واردوغان. عمى ثقافي مشابه أفشلهم على نحو منتظم في جلب الديمقراطية للعراقيين، التعددية لليبيين، التسامح مع «الاخوان المسلمين»، مساواة المرأة مع الأفغان والسلام مع الفلسطينيين. فالذكاء الايراني يُستصعب على الأميركيين بخاصة عندما يكون ممثلوهم – وزير الخارجية الأسبق جون كيري، والممثل الخاص لبايدن روب مالي، منكشفين على التلاعبات الايرانية، بسبب ميلهم الايديولوجي ومؤهلاتهم الشخصية غير المبهرة.
الاتفاق النووي سيساهم بشكل هامشي في لجم تقدم ايران في احد المواضيع الأقل حرجاً في البرنامج النووي الايراني، ولكنه سيعطي زخما دراماتيكيا لقدراتها العظمى ولعدوانها الإقليمي. في مجال التخصيب حققت ايران كامل مسعاها تقريباً. حتى لو كفت عن التخصيب الى 60 في المئة وأخرجت الى روسيا المخزون الذي جمعته، فان سيطرتها واستقلالها في العملية يسمحان لايران بالعودة الى ذلك، حين تقرر، مع الكثير من أجهزة الطرد المركزي المتطورة. ليس التخصيب، بل العناصر الناقصة في وسائل الإطلاق ومنظومة السلاح هي العائق الأساس في سعيها الى مكانة دولة حافة قادرة على الانطلاق الى ترسانة نووية. الاتفاق، عمليا، سيعطي الحصانة لتطويرها.
ان خطر الاتفاق هو في المجال الاستراتيجي، حيث يفشل الأميركيون المرة تلو الاخرى: التركيز المهووس على موضوع مرغوب ولكنه ثانوي، بشكل يفشل الهدف الاهم منه بلا قياس.
هكذا، مثلا، تسببت الولايات المتحدة في كفاحها العادل ضد «داعش» بأضرار استراتيجية جسيمة: فرضت الميليشيات الشيعية التابعة لإيران على العراق، وبنت مكانة اردوغان في سورية على حساب حلفائها الأكراد، واستدعت التدخل الروسي في سورية. في الاتفاق النووي تظهر المتلازمة ذاتها: الوسائل المخصصة للكفاح العادل ضد التخصيب، بعد ان فرت الجياد من الأسطبل، ستسهل على ايران في السياق العام تحقيق سعيها لان تكون دولة حافة، وستعزز مكانة نظام الثورة من الداخل، وستعطيه الأدوات لتحقيق تطلعه للهيمنة الاقليمية.
المسائل الأساس كانت وستبقى الاقتصاد والوعي. فرفع العقوبات سيضع تحت تصرف آيات الله عشرات ملايين الدولارات كناتج مباشر وسيفتح أمامهم الطريق لمئات المليارات من أوروبا، من الصين ومن الهند ومن غيرهم من خافوا من عقوبات أميركية ثانوية. من الواضح للجميع ان معنى الاتفاق المتحقق هو ان إيران أخضعت الولايات المتحدة، وفرضت عليها التنكر والتجاهل لأساس تهديداتها في المنطقة والسماح عمليا بتحققها. السعودية والإمارات تستعدان منذ الآن لحوار معمق مع ايران منذ الانتخابات في الولايات المتحدة، تحسبا لإمكانية الهزيمة الأميركية، اذا ما تبنى بايدن فكرة اوباما. في عهد ترامب استعدوا لإمكانية الصراع مع إيران بإسناد أميركي، فمن خلال توثيق العلاقات مع إسرائيل وفي هذه الأثناء فانهم لا يهجرون هذا الافق على امل ان يصحو بايدن.
مساهمة حرجة من الولايات المتحدة لتعزيز نظام ايات الله وسعيه الى الهيمنة الاقليمية ستؤدي تقريبا بالضرورة الى مواجهة واسعة مع إسرائيل، التي ترى في مثل هذه الهيمنة خطرا وجوديا. مواجهة كهذه تهدد باجتذاب الأميركيين مرة اخرى الى تدخل عميق وغير مرغوب فيه في المنطقة. لا يزال ممكنا وقف هذا السيناريو، اذا ما فحصوا في واشنطن المعادلة الإقليمية الشاملة، بشكل يتجاوز المجال الضيق للتخصيب النووي.

عن «إسرائيل اليوم»