من المعروف أنه يوجد في إسرائيل ميل لتقديس الجهات الأمنية والإيمان بها بشكل كامل والتقليل من توجيه الانتقادات لأفعالها. ركزت الأبحاث التي فحصت مستوى ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة، على هذا الصعيد بشكل عام، على النظرة للجيش الإسرائيلي، الذي هو بقرة مقدسة بشكل خاص، وللشرطة، التي تعتبر في نظر الجمهور أقل مصداقية.
لكن «مؤشر الأمن» لمعهد بحوث الامن القومي فحص في السنوات الأخيرة درجة الثقة المحددة للجمهور اليهودي بـ «الشاباك» و»الموساد». الباحثات وجدن أنه في 2020 و2021، مثلا، كانت نسبة الثقة بـ «الموساد» في أوساط اليهود في إسرائيل تشبه نسبة الثقة العالية بشكل خاص بالجيش الإسرائيلي (84 في المئة)، ونسبة الثقة بـ»الشاباك» قريبة من ذلك (78 في المئة). في حين أن نسبة الثقة بالشرطة هي أقل بكثير (34 في المئة).
سبب الثقة الكبيرة بالجيش واضح. لأنه توجد هنا روح وطنية وخدمة الزامية في اطارها تعني الثقة بالجيش الإسرائيلي في الواقع الثقة بنفسك وعائلتك وأصدقائك. ومعظم الإسرائيليين غير قادرين على أن يوجهوا الاتهام لأنفسهم. ولكن ماذا عن «الموساد» و»الشاباك»؟ تمت الإشارة في مؤشر الأمن الأخير إلى أنه «من المثير أن الجمهور يظهر الثقة الأعلى بجهاز الأمن، بالتحديد تجاه الأجهزة المخفية عن العين».
هذا في الحقيقة «غير مثير»، هذا مفهوم ضمناً. فطالما أننا نطلع بصورة اقل على النشاطات السرية لهذه الهيئات، بذلك نتخيل أنها موثوقة أكثر. أو بكلمات أخرى، كل إسرائيلي اصطدم بشرطي يعرف أن الأمر لا يتعلق بهيئة مثالية، على اقل تقدير، في حين أن الإسرائيلي الذي لم يصطدم في أي يوم مع رجل من «الموساد» أو «الشاباك» يتخيل أنه هناك لا يوجد بالضبط نفس الاشخاص، بل سلالة خاصة من الإسرائيليين الساميين الذين لا يخفقون. ولكن بين حين وآخر يحدث شيء دراماتيكي، يضعضع هذه الثقة العمياء. على سبيل المثال، عندما تبين أن «الشاباك» فوت فرصة كبيرة عندما لم يمسك بمجرم مدان حاول التجسس لصالح ايران داخل منزل وزير الدفاع. فشل ذريع وواضح كهذا من الأسهل اعتباره فشلا. وإن كان عدد من المراسلين الذين يقومون بتغطية أخبار هذه المؤسسة حاولوا أن يخففوا ذلك بصورة مصطنعة («اجراءات الإحباط السريعة والفورية اوقفت نوايا هذا الشخص!»، لقد قاموا ببيع الرد بـ»حماس»). هذه الدعابة لم تساعد «الشاباك»، الذي اضطر الى الاعتراف بفشله.
اعتراف «الشاباك» الصريح هذا بالفشل المدوي لا يعطى بالطبع عندما يدور الحديث عن إخفاقات ضد فلسطينيين. عندها من المحظور طرح أسئلة صعبة. لم نشاهد أي ندم كهذا على الخطأ، مثلا في قضية إلغاء لائحة الاتهام ضد عرب من سكان يافا، ممن أثبت توثيق بكاميرات الحماية أنهم لم يكونوا في ساحة الحدث أبدا، حيث اعترفوا بالتورط فيه كما يبدو اثناء التحقيق معهم في «الشاباك».
أيضاً في قضية الإعلان عن المنظمات الفلسطينية الستة لحقوق الإنسان كمنظمات «إرهابية» يتم طرح أسئلة صعبة من تفاصيل مواد التحقيق في «الشاباك»، التي ارتكزت عليها وزارة الدفاع. على سبيل المثال، المحكمة العسكرية في معسكر عوفر قالت إن شاهدة رئيسية، كما يبدو، وهي مواطنة إسبانية تمت إدانتها بتجنيد الأموال، التي تم تحويلها للجبهة الشعبية، لم تكن تعرف على الإطلاق أو لم تكن لها أي علاقة بنشاطات هذه المنظمات الستة، مثلما نشرت مؤخرا هاجر شيزاف («هآرتس»، 15/11). حاولت إسرائيل الادعاء على اساس ملفها بأن المنظمات التي اعلن عنها منظمات «ارهابية» عملت بالطريقة ذاتها، في حين أن هذه المرأة لم تعمل أبدا فيها ولم تعرف النشطاء فيها. وهذا هو فقط طرف جبل الجليد.
إذا وضعنا جانبا للحظة التقديس الوطني لـ «الشاباك»، وقمنا باضاءة الزوايا المظلمة في عمله، التي على الأغلب لا نعرف عنها بما فيه الكفاية، فستظهر العيوب. قضية رجل النظافة الذي اراد التجسس في بيت الوزير غانتس يمكن أن تذكرنا مرة أخرى بأن «الشاباك» بعيد عن أن يكون مقدساً، وأن الثقافة التنظيمية هناك لا تختلف في الحقيقة عن الثقافة التنظيمية التي نستخف بها عندما يدور الحديث عن الشرطة. كفى لتقديس «الشاباك».
عن «هآرتس»