كم ضربة على الرأس يجب على المرء أن يتحمل قبل أن يقول: آخ!؟ وكم طعنة في القلب يجب على المرء أن يتلقى قبل أن يقول: آخ!؟ وكم صخرة على الصدر يتحتم على المرء أن يحمل قبل أن يقول: آخ!؟ وطبعا، لا أتحدث عن تلك الضربات والطعنات والصخرات التي تنهال، تباعا، على الرأس والقلب والصدر على امتداد السنة الأخيرة أو السنتين الأخيرتين أو السنوات القليلة الماضية، وإنما أتحدث عن الموت الذي أطاح بحيوات أحباء أثيرين عندي في الشهر الذي شهد مولدي (تشرين الثاني/ نوفمبر) فحسب، وفقط في بضع من السنوات! وطبعا، لا أنا ولا روحي، بقادرين على تجاوز الألم الذي خلفه رحيل أحباء أثيرين آخرين قبضت أرواحهم سواء في الأشهر التي سبقت، أو تلت، شهر (تشرين الثاني/ نوفمبر) طوال الفترة السابقة.
اليوم، تحديدا، أتحدث عن رحيل الصديق الذي عشقته على مدى «أكثر من نصف ما مضى من عمري»… الدكتور (زيد الكيلاني) الذي ارتقت روحه مع ذكرى ميلادي (9/11) قبل عامين، ويا لها من مفارقة حارقة. ومنذئذ، لم يفارق خاطري، لا الدكتور زيد ولا ذكراه. وكان قد سبقه إلى العالم الآخر الحبيب الدكتور (محمود السمرة)… الذي لطالما وصفته بعبارة «زميلي وصديقي وأخي وحماي» في آن معا، حيث كانت روحه قد صعدت في عام أسود وفي يوم كالح (10/11) من العام 2017، أي بفارق يوم واحد من تاريخ ميلادي، وما زال الدكتور محمود وذكراه مقيمين في أعماق نفسي رغم انقضاء السنوات.
وتشاء الصدفة الموجعة، وأيضا بفارق يوم واحد من تاريخ ميلادي، لكن قبل أيام معدودات، أن يضرب «الموت الطازج» زميلا من زملاء الجامعة الأميركية في بيروت، وصديقا لاحقا لطالما أسرني بأخلاقه الحضارية وبعطائه المتميز «الهادئ حد الصمت» (فاروق القصراوي) الذي ارتقى يوم 10/11/2021.
وفي نطاق فسحة زمنية قوامها يوم/ يومان على التوالي عن ذكرى ميلادي 9/11، غادرت عالمنا (وعالمي بشكل خاص) روحان ارتبطت حياتي بهما لسنوات مديدة (زمالة، وصداقة، وأخوة، ورفقة درب متحالفة ومتباينة): أولاهما روح الشهيد (ياسر عرفات–أبا عمار) الذي مضى بفعل يد غادرة متأسرلة (ما نزال ننتظر في ذكراه السابعة عشرة أن نعرف هويتها وإن كنا نعرف يد سيدها الآمر: أرئيل شارون).
وثانيتهما، روح الدكتور (صائب عريقات) ذائع الصيت في عالم «الاشتباك التفاوضي» مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بخاصة، ومع دول الغرب بعامة.
وأخيرا وليس آخرا، وعلى بعد أسبوع واحد (واحد فقط) من ذكرى «عيد ميلادي»، فاضت روح «الأثير على عقلي وروحي»… الدكتور (حاتم الشريف) وذلك يوم (16/11) أي قبل عام كامل كان – حقا – عاما طويلا طويلا طويلا! ومنذئذ، وذكرى د. حاتم، حبيب الأمس واليوم والغد، مقيمة في قاع النفس… والحزن الكاسح عليه أيضا – في تلافيف خلايا الدماغ–مقيم.
واليوم، تقتلني الحيرة، إذ أجد نفسي ممزقا بين قول (المتنبي) المعبر عن الصمود:
ما عشت من بعد الأحبة سلوة ولكنني للنائبات حَمول
أو قول (كامل الشناوي) السوداوي:
عدت يا يوم مولدي عدت يا أيها الشقي
الصبا ضاع من يدي وغزا الشيب مفرقي
ليت يا يوم مولدي كنت يوما بلا غد
فهل من مسعف لي من حيرتي الطاغية؟
حقا، هم قد «فارقوا الحياة»، غير أن الحزن عليهم لا يزال – بقوة – على «قيد الحياة»!