يصادف يوم غد الاثنين يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني حيث تُقام الفعاليات والندوات من قبل أنصار الشعب الفلسطيني تأييدا ً لحقوقه. وقد تم اختيار هذا اليوم لأنه يصادف ذكرى قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29 تشرين ثاني 1947. وهو القرار الوحيد الذي أعطى الشرعية الدولية لإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، لأن وعد بلفور المشؤوم الذي صدر هو الآخر في الثاني من نفس الشهر عام 1917 عن وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر جيمس بلفور في رسالة للزعيم اليهودي البارون روتشيلد، لا يمت للشرعية الدولية بصلة.
ومع أن الذكرى هي ذكرى قرار التقسيم إلا أن الخطاب السياسي الفلسطيني ما زال يتمحور حول حل الدولتين. وقد تلقيت دعوة لحضور اجتماع سينعقد في المقاطعة برام الله مساء الغد مع وفد من الإسرائيليين المعارضين للاحتلال المؤيدين لحل الدولتين سيقومون بهذه المناسبة بزيارة المقاطعة للإعراب عن تأييدهم لحقوق الشعب الفلسطيني.
وهنا لا بد من تناول نقطتين رئيسيتين ولو باقتضاب شديد.
الأولى هي التحاور مع الإسرائيليين والثانية هي فحوى الخطاب السياسي الفلسطيني.
أما بالنسبة للحوار مع الإسرائيليين فإنني أعتقد بأن هناك خلطا ً على الجانب الفلسطيني بين التطبيع مع الاحتلال وبين النضال المشترك مع القوى الإسرائيلية المؤيدة للحقوق الفلسطينية والتي تقف بصراحة ووضوح ضد الاحتلال والاستيطان وتعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على ترابه الوطني.
فسواء كان الحديث عن قرار التقسيم أو الدولتين أو الدولة الواحدة فإن اليهود هم شركاء في ذلك بحكم وجودهم ولا يمكن أن يتحقق أي من الحلول المفترضة الثلاثة إلا بمشاركة اليهود أو الإسرائيليين. ولذلك فإننا بحاجة الى حوار داخلي معمق للتوصل الى رؤية واضحة تحدد الفرق بين النضال المشترك مع القوى التقدمية في إسرائيل ضد الاحتلال والاستيطان والعنصرية، وبين التطبيع مع الاحتلال ودور المقاطعة والرفض لإحباط وإفشال أي شكل من أشكال التطبيع سواء على الصعيد المحلي أم الإقليمي أم الدولي.
وأما بالنسبة للخطاب السياسي الفلسطيني فإنني أعتقد بأن المرحلة التي نعيشها اليوم قد تجاوزت إمكانية حل الدولتين بالمفهوم التقليدي الذي يردده الخطاب السياسي الرسمي الفلسطيني وهو: ”إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران 1967 جنبا الى جنب مع دولة إسرائيل تعيشان في سلام ووئام”.
فالواقع على الأرض يؤكد بأن ذلك لم يعد ممكنا ً بسبب تفشي الاستيطان كالسرطان في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 بحيث لم يبق هناك مكان لإقامة الدولة فلسطينية بالمواصفات التي يتضمنها الخطاب السياسي الفلسطيني، وخاصة اذا ما أدركنا استحالة وجود زعيم في إسرائيل يستطيع إقناع الإسرائيليين بإخلاء المستوطنات طوعا ً وبدون وسائل تضطرهم لذلك سواء كانت فلسطينية أو دولية ، والاثنتين غائبتين أو مغيبتين.
وأمام هذه الحقيقة فإن على القيادة الفلسطينية أن تشطب من خطابها السياسي أي ذكر للصيغة المذكورة أعلاه وأن تعيد صياغة خطابها السياسي على أساس تبني المطالبة بقرار التقسيم وهو القرار الذي ما زال يحظى بالشرعية الدولية والذي نُفذ شق واحد منه وهو إقامة دولة إسرائيل وبقي الشق الثاني المتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية.
والمطالبة بقرار التقسيم يجب أن تصر بوضوح تام على المطالبة بالحدود الجغرافية التي حددها القرار المذكور دون أية محاولة للتكييف بين مفهومه وبين الواقع القائم على الأرض.
ونحن بحاجة الى إرادة سياسية لدى القيادة للتمسك بإصرار بحدود الدولة الفلسطينية حسب قرار التقسيم لا سيما أن في طيات هذا القرار حل مقبول لإخلاء المستوطنين من خلال إعطاء مهلة محددة لليهود في الدولة الفلسطينية وللعرب في الدولة اليهودية للاختيار بين البقاء حيث هم وقبول أن يتحولوا الى مواطنين في تلك الدولة بكل ما يعنيه ذلك من حقوق والتزامات أو الرحيل الى الدولة التي ينتمون عرقيا ً أو دينيا ً إليها.
والتحدي الذي أمام القيادة الفلسطينية اليوم هو: هل هي قادرة على التعامل مع المرحلة كما تمليه هذه المرحلة أم أنها ستظل أسيرة الكليشيهات التي اهترت منذ زمن بعيد، وعلى رأسها أسطوانة حل الدولتين الذي أكل عليه الزمن وشرب.
فليكن اللقاء مع الإسرائيليين في المقاطعة غدا ً نقطة الانطلاق نحو مرحلة جديدة، مرحلة النضال المشترك مع القوى التقدمية الإسرائيلية من أجل العودة الى قرار التقسيم بحذافيره، فإن لم يكن ذلك ممكنا ً فإن الخيار الوحيد الذي يبقى أمام الجميع هو العودة للنضال المشترك من أجل العيش في دولة مدنية ديمقراطية واحدة يتمتع جميع مواطنيها بحقوق متساوية دون تمييز أو عنصرية. دولة مواطنيها.