العالم يتغير من حولنا ومازلنا لا ندرك مدى اهمية هذه المتغيرات التي تقودها الصراعات الدولية بشكل مختلف عن مقدمات الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية وتختلف عن ما اعدته خطة ماريشال او كذلك سايكس بيكو وافرازاتها في منطقة الشرق الاوسط وتغيب الدولة الفارسية الايرانية عن شرطي المنطقة بسقوط شاه ايران في السبعينات من القرن الماضي ، ومحاولة اسرائيل ان تكرس نفسها شرطي المنطقة الذي لا يساويه احد ويدها الطولى التي حاولت ان تؤكدها في نكسة 1967 وانطلاق تاكيد وجودها ودولتها على ارض فلسطين من خلال توازن القوى والرعب وتقاسم النصر بينها وبين مصر في معاهدة سميت كامب ديفيد ولحقتها عدة معاهدات في الاردن واسقطت في لبنان ، ولكن هذه المتغيرات قد تعصف بكل شيء افرزته الحرب العالمية الاولى والثانية وخاصة في توازن القوى والعرب في العالم الذي تعطيه امريكا اولويات الان سواء في الحزب الديمقراطي الحاكم في امريكا بقيادة بايدن او ما كرسه من سياسات الرئيس السابق من الحزب الجمهوري الامريكي ترامب .
لا نريد ان ندخل هنا في تفاصيل كثيرة كدثت في اواخر القرن الـ20 الماضي ، وارهاصات تحدثت عنها كوندا ليزا رايس وتحدثت عنها هيلاري كلينتون واصر عليها اوباما لتعديل وتدوير للمنطقة ، حيث وصف اوباما منطقة الشرق الاوسط بانها ليست ذات حدود ودول مستقرة .
اسرائيل تعمل بكل قوتها على افشال محادثات فيينا الحالية بين امريكا والغرب من ناحية وايران من ناحية اخرى بل اصبحت اسرائيل بنظامها السياسي والعسكري تتحسس التغيير في موقف امريكا والغرب من اسرائيل واهميتها في المنطقة بعد عدة متغيرات احدثتها امريكا في المنطقة ومازالت تضع لها الرطوش النهائية منذ تدمير الدولة العراقية الوطنية التي كانت فاتحة وتبويب للتغيير في المنطقة والتي اعقبها ما يسمى الربيع العربي ، والرمال المتحركة التي لم تصنف ايديولوجيا او حزبيا او وطنيا فهي كانت في متاهة بين كل التعريفات .
ولكن من المهم ان نتحدث الان عن سياسة امريكا وقادتها الحاليين والقادمين الى البيت الابيض في السنوات المقبلة التي تعمل لمصلحة ( امريكا اولا ) فامريكا الان امام تحدي كبير ، فليست اوروبا هي التي تتحدى امريكا ، فلقد انتهى دورها وسيطرتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانفراد امريكا بالقوة الاقتصادية والعسكرية في العالم المتفوقة وان كان الاتحاد السوفيتي قديما كان له وجه من التنافس مع تلك القوة التي تقود العالم ، الاتحاد السوفيتي الذي اسقطه غزوه لافغانستان والبيروقراطية الحزبية وادوات الحصار الراسمالي الامبريالي للاتحاد السوفيتي الذي تفكك الى عدة دول التحق معظمها بالمعسكر الغربي وبالريادة والقيادة الامريكية .
الصين الان هي الشاغل الاكبر والتحدي الاكبر لامريكا في العالم وهي ما تضعه امريكا في الحسبان في كل مخططاتها المستقبلية والحالية وفي مقدمتها الجيل الخامس الذي تتخوف امريكا من نشره في دول اوروبا وفي امريكا نفسها لان التحدي الرقمي يطعن في اسس مبادئها ووجودها الديمقراطي وحرية الانسان والتعبير .
الصين تمثل الرعب للنظام الرأسمالي الان التي ستشهد العقود القادمة حسم قضايا توازن القوى وريادة العالم ولذلك عملت دوائر الابحاث والدراسات في امريكا التي تصر على ان تبقى هي الدولة الاولى في العالم على كيفية اعادة تخطيط منطقة الشرق الاوسط بما فيها افغانستان ودول في آسيا ، ولذلك كانت امريكا بقيادة بايدن مصرة على فتح طريق جديد في المفاوضات مع ايران واستبعاد اي خيار عسكري سيسرع في نتائج انهيار ربما لامريكا واوروبا وان تلك المواجهة قد تصيب الصين بخسائر فادحة ولكن الصين بجغرافيتها وايديولوجيتها ربما تحافظ على نفسها وخاصة انها الان اكتسحت فورموزا وتيوان وتتمدد اقتصاديا في دول منطقة الشرق الاوسط وافريقيا واسيا .
اللعبة الامريكية :
اللعبة الامريكية الان التي تعمل عليها امريكا والتي تثير حفيظة اسرائيل والتي عبر عنها رئيس وزراء اسرائيل بينيت ومن قبله نتنياهو حيث اظهر بينيت انه اكثر تطرفا ً بموقفه تجاه ايران وذكر ان هناك اكثر من 200 عملية اثرت في البرنامج النووي الايراني قامت بها اسرائيل ويتحدث عن استيطان وانهاء النظام السياسي الفلسطيني وبقائه كمؤسسات امنية تخدم الوجود الاسرائيلي فيما يسمى الارض التاريخية لدولة يهودا والسامرة ، هكذا هو الموقف الاسرائيلي الذي قال بينيت عنه انه لن يعترف بأي اتفاق نووي مع ايران وسيعمل على اجهاظ المشروع النووي كما صرحت بريطانيا ايضا ً .
اللعبة الامريكية الحادثة الان هي تقسيم منطقة الشرق الاوسط الى قوتين اقليميتين في ظل توجه انسحاب كامل للقوات الامريكية في المنطقة بعدما وضع ترامب اسس العلاقات في المنطقة بما يسمى التطبيع ولكن بالتاكيد ان اسرائيل لن تكون على راس احدى تلك القوتين ، فلم تعد اسرائيل هي ذات الاهمية الاستراتيجية لامريكا والغرب بعد التسويات الجيوسياسية وماهية الانظمة في المنطقة وهذا ما يرعب اسرائيل اذا ما تيقظ الجانب الفلسطيني الى كيفية التعامل مع هذه المتغيرات في كيفية انسحابه بكل الاتفاقيات التي تعترف بوجود اسرائيل ولا تحقق الحقوق الفلسطينية وحق العودة وماهية النظام السياسي على الارض الفلسطينية ، هذا هو المهم.
القوتين الرئيسيتين في المنطقة :
1 - ايران التي تعترف بوجودها امريكا وتيقنها منذ تدميرها الدولة العراقية بان هناك قوة اقليمية صاعدة تسمى ايران او الدولة الاسلامية وتمتلك سلاح استراتيجي ، لها نفوذ كما قال نائب رئيس البرلمان السابق في اكثر من اربع دول او عواصم عربية ، امريكا تستعجل توثيق اتفاق مع ايران باعتراف بانها قوة اقليمية ملتزمة تحقق شرطية مصالحها ومصالح امريكا في المنطقة .
2 – تركيا التي غيرت من استراتيجيتها في المنطقة سواء في شمال العراق او في سوريا او ليبيا حتى تونس وقطر والسودان والتي تقع في مناطق استراتيجية في مواجهة الانتشار الايراني في المنطقة مما دفع رئيس تركيا اردوغان الى المبادرة في تسوية الخلافات في البحر المتوسط والاحمر وفي ليبيا وربما في الخليج في تقارب استراتيجي مع مصر والامارات الذي يزمع زيارتها في الايام القادمة ، والاتفاقيات التي ابرمت اقتصاديا حيث ستتزعم تركيا ايضا كما استقرء القطب الاخر في معادلة المنطقة ويبقى نجاح التسويات التي تقودها تركيا مع دول المنطقة رهن الاعتراف بالقوة الاقليمية لمصر التي تمتلك ربما تاسع جيش في العالم، حيث لمصر مصالحها ايضا في منطقة الخليج وشمال افريقيا والشرق العربي .
اذا ما يهمنا في هذا المقال وبالتحليل والمنطق ومجريات الاحداث والمتغيرات في العالم فان المنطقة العربية ستقع تحت فضائين ، فضاء ايراني وفضاء تركي وربما ينهض الفضاء المصري ليكون موازي للتركي والايراني ، هذا يتوقف على ماهية النظام الدولي الجديد .
ونؤكد هنا ان السياسة الفلسطينية المتبعة منذ عدة عقود اصبحت سياسة واهية فاشلة تؤكد وتوطن لوجود اسرائيل كقوة امنية في المنطقة وهذا الخطأ بعينه الذي ترتكبه النخب الفلسطينية ، فالقضية الفلسطينية امام هذه التحولات تحتاج الى برنامج جديد ينفض عن كاهلة كل البرامج السابقة ، فالمنطقة تتغير تماما بقواها والعالم يتغير بقواه وامريكا تبحث عن مصالحها ولم تضحي بها من اجل اسرائيل ، فهناك الرعب كل الرعب من الصين والتحولات المرافقة لنهضتها في العالم .