إسرائيل بعد «اتفاقيات إبراهيم».. من عشيقة سرية إلى لاعب مركزي

ايلي زيسر.jpeg
حجم الخط

بقلم: ايال زيسر

 


من يوم الى يوم، تتضح شدة التغيير الذي احدثته "اتفاقات ابراهيم" في علاقات اسرائيل مع العرب. من الخطأ ان نرى فيها مجرد اتفاق آخر، يضاف الى اتفاقات السلام التي وقعت عليها اسرائيل حتى الآن. فهذه خطوة اختراقية للطريق أحدثت انفجارا حقيقيا في منطقتنا.
لانور السادات، الرئيس المصري، الذي تحل هذا الشهر الذكرى الـ 44 لزيارته التاريخية الى القدس سيبقى دوما الحق الاول كمن شق، مع مناحم بيغن، سور العداء الذي فصل بين اسرائيل والعرب. فاتفاق السلام مع مصر، وبعده مع الاردن كانا بالتالي اتفاقين مهمين ابعدا خطر الحرب واحلا هدوءا واستقرارا على الحدود. ولكن سلاما حقيقيا لم يكن هنا وذلك لأن بنود التطبيع التي كانت فيهما لم تتحقق ابدا، وبقي السلام باردا بل حتى مجمدا. سلام الحكام والمصالح.
في "ايام اوسلو البهيجة"، حين كان يخيل ان شيئا ما تغير في نهج العالم العربي من اسرائيل، طرح شمعون بيرس كوزير الخارجية في حكومة رابين ضم اسرائيل الى الجامعة العربية، كمتساوية بين متساوين. وتجدر الاشارة الى أن اقتراحه لم يلقَ اي جواب، والدول العربية لم تتكبد على الاطلاق عناء الرد عليه. كل هذا تغير مع التوقيع على "اتفاقات ابراهيم". هذه اصبحت مصدر الهام، واكثر من ذلك خلقت نموذجا جديدا لعلاقات اسرائيل مع العرب – علاقات فيها حميمية وتعاون واسع – يحل محل النماذج الناقصة لعلاقات اسرائيل مع مصر والاردن.
ولكن اهميتها الحقيقية تكمن في انها حولت اسرائيل من عشيقة يخفي الجميع علاقاتهم معها أو من مجرد لاعب آخر بين كثيرين على لوحة الشطرنج الشرق اوسطية الى لاعب محور مركزي في كل تطور في المنطقة.
في الاشهر الاخيرة، طلبت مصر من اسرائيل ان تساعدها في ايجاد حل للازمة التي نشبت مع اثيوبيا في مسألة سد النهضة. كما ان اسرائيل تساعد القاهرة في صراعها ضد ارهاب "داعش" في شبه جزيرة سيناء. في السودان تساعد اسرائيل في تسوية الخلاف بين الجيش وبين الحكومة ويتبين ان نفوذها في الخرطوم كبير بل واكثر من نفوذ واشنطن التي طلبت من القدس ان تساعدها في جهودها لاعادة الاستقرار الى الدولة.
في المغرب، زار في الاسبوع الماضي وزير الدفاع بني غانتس ووقع على سلسلة اتفاقات امنية. اعطت المغرب علانية للزيارة، وتأمل في ان تساعدها اسرائيل في التصدي لتهديدات الارهاب وللضغط الدولي في مسألة الصحراء. اما في ليبيا فيعرب المرشحون في الانتخابات لرئاسة الدولة عن تأييدهم للتطبيع مع اسرائيل، وابن احدهم، الجنرال خليفة حفتر، زار البلاد.
وهكذا فقد انقضت الايام التي ادارت فيها القوى العظمى الكبرى وقررت مصيرها. فهذه فقدت كل اهتمام بها، ويخيل أن الدول العربية ايضا تتخذ جانب الحذر من الاعتماد عليها مثلما في الماضي لغرض امنها. كما أنه انقضت الايام التي كانت فيها الجامعة العربية جهة موحدة ومكبلة، اطارا للبحث ومحفلا لاتخاذ القرارات التي تلزم كل الدول العربية. كما أن ايران وتركيا، اللتين سعتا قبل عقد بأن تقودا المنطقة، تكتشفان بأنه لم يعد احد يريدهما أو يثق بهما.
لقد خلق كل هذا لاسرائيل فرصة تمكنت من استغلالها. ومثلما في الايام الطيبة التي شهدتها في افريقيا، تصبح دولة محور يرغب الجميع في قربها ويسعون للاستعانة بها. في واقع الامر اصبحنا منارا اقليميا للاستقرار وقوة اقتصادية وتكنولوجية، لرفاه دول المنطقة.

عن "اسرائيل اليوم"