أوصوا بإعادة بناء النظام السياسي

حقوقيون: غياب الأفق وتأجيل الانتخابات نتج عنه تفاقم حالة الاحتقان السياسية والمجتمعية

حقوقيون: غياب الأفق وتأجيل الانتخابات نتج عنه تفاقم حالة الاحتقان السياسية والمجتمعية
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

قال الناشط الحقوقي الفلسطيني، خليل أبو شمالة، إنَّ أحداث العنف المجتمعي التي تشهدها محافظات الضفة الغربية، نتاج طبيعي لضعف السلطة الفلسطينية، وعدم وجود أفق سياسي لدى الجمهور الفلسطيني، بالإضافة إلى عدم احترام الاحتلال للاتفاقات الموقعة معه، وزيادة نفوذ الدول المانحة وتمتعها بعلاقات قوية مع "إسرائيل".

جاء ذلك اليوم الثلاثاء، خلال ندوة سياسية عبر تطبيق "كلوب هاوس Clubhous" والتي تابعتها وكالة "خبر"، بعنوان "الاحتقان السياسي والاجتماعي في الضفة الغربية أسباب وتداعيات"، بحضور الناشط الحقوقي الفلسطيني خليل أبو شمالة، ورئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، د. صلاح عبد العاطي.

وأضاف أبو شمالة: "إنَّ تراجع تمويل السلطة انعكس سلباً على سلوكها، وهو الأمر الذي أوصل الحالة الفلسطينية إلى أفق مسدود بالمسار السياسي مع غياب ثقة المواطنين بالقيادة السياسية".

وأشار إلى أنَّ قمع الحريات وإطلاق يد الأجهزة الأمنية على حساب سيادة القانون، جعَّل السلطة ومؤسساتها في حالة ضعف وسقوط بأعين المواطنين، ودليل ذلك حالات عدم احترام القانون وتفويض وزيادة نفوذ مؤسسات الأمن على القضاء.

وتابع أبو شمالة: "تأخر قرار القضاء في قضية اغتيال الناشط نزار بنات، يُظهر هيبة الأجهزة الأمنية على المؤسسات القضائية، وبالتالي المواطن بات يشعر أنّ الحق يؤخذ بالقوة وليس بالقانون، وشاهد الجميع محاولات تبرير السلطة لحادثة الاغتيال عبر سلوكها القمعي والتأخر في محاسبة المتهمين بارتكاب الجريمة".

وأردف: "العائلات اتجهت لحسم خيارها بالحصول على الحقوق بمعزل عن القانون، بسبب ضعف الأجهزة الأمنية وتراجع تنفيذ القوانين"، مُضيفاً: "قضيتنا الوطنية تمر بأصعب مراحلها، لكن السلطة والقيادة الفلسطينية والفصائل لما يفعلوا ما يلزم لمواجهة الحالة الراهنة".

ولفت إلى أنّ حملات الاعتقالات "الإسرائيلية" والتهجير والإعدامات الميدانية والتهويد، لم تكن شفيعة لدى القيادة الفلسطينية لإنهاء الانقسام وتوحيد الموقف والبرنامج السياسي.

وتساءل: "كيف سينظر الاحتلال والعالم لمجتمعنا حينما تكون حركة فتح وهي قائدة النضال الفلسطيني مشتتة ومنقسمة؟"، مُؤكّداً على أنَّ انفصال النظام السياسي في الضفة عن غزّة، يؤدي لمخاطر كبيرة تُدمر النسيج المجتمعي والبرنامج الوطني السياسي.

ونوّه إلى أنَّ زيادة نسب الفقر والبطالة في قطاع غزّة والضفة الغربية، وزيادة الميلشيات، والعائلات التي ترى نفسها قادرة على مواجهة السلطة، أدى لصراعات نتج عنها وقوع ضحايا وقتلى.

وأكمل أبو شمالة: "بعد هذه السنوات من التجربة والسقطات الكبيرة التي وقعت بها السلطة، كان أخطر نتاجاتها الانقسام السياسي والجغرافي، حيث لم يعد لدينا نظام سياسي موحد أو عنوان واضح أو مجلس تشريعي"، مُعتبراً أنّ كل ذلك نتج عنه إطلاق العنان للأجهزة الأمنية لتتصرف كيفما شاءت، والجماعات المسلحة لتتصرف أيضاً وفق رؤيتها، وتكمن الخطورة في هذا الأمر أنّ الجميع سيدفع ثمن عدم تنفيذ القانون.

واستدرك: "الرئيس محمود عباس أعلن عن استحقاق مدته عام، لإقامة الدولة الفلسطينية وإجبار العالم لإسرائيل على احترام السلطة وتنفيذ الاستحقاقات، لكن لا يمكن تخيل قدرة السلطة على التنفيذ دون وجود مجتمع له عناوين واضحة وغير منقسم على ذاته".

وشدّد على أنَّ قدرة الشعب الفلسطيني والقيادة والتنظميات على مواجهة ما يجري، تتلاشى بسبب حالة الانقسام، مُتابعاً: "لا يُمكن لأي قيادة أنَّ تُحقق إنجازاً وهي تنتهك حقوق الإنسان، أو أنّ تُحقق الانتصارات في ظل عدم سيادة القانون".

ورأى أنّه لا يُمكن تخيل شكل مواجهة تُحقق إنجازات سياسية، في ظل فقدان دور مؤسسات فلسطينية سيادية مثل المجلس الوطني ومنظمة التحرير والسلطة، وأنّ يكون عنوان هذه المؤسسات هو المجلس التشريعي الذي كان يأمل الجميع أنّ يتم إجراء انتخاباته، لكنّ ما حدث كان متوقعاً وهو التأجيل بدون موعد مُحدد.

واعتبر أنّ الحالة الفلسطينية استطاعت على مدار سنوات الثورة، حشد حالة من التضامن مع الشعب الفلسطيني على مستوى العالم، لكن فقد شعبنا هذ التضامن بسبب الانقسام، حيث يقول العالم "كيف نتضامن معكم وأنتم منقسمون على أنفسكم".

وأوضح أنّه لم يعد أمام السلطة خيارات كثيرة، فإما أنّ تتجه لاحترام سيادة القانون دون تمييز، أو الفلتان والفوضى التي ستؤدي حتماً لانهيار السلطة وإطلاق يد الاحتلال وأعوانه ليعيثوا بالمجتمع الفلسطيني دماراً.

واستطرد أبو شمالة: "مظاهر الفلتان دفعت محللين إسرائيليين وتقارير دولية، للحديث عن انهيار وشيك للسلطة الفلسطينية وضرورة مساعدتها لضمان بقائها، وهو ما يُظهر ضعف صورتها أمام المجتمع الدولي الذي يُطالب بإجراء الانتخابات، وتحدث علانيةً عن تداعيات استمرار الانقسام الخطيرة وأيضاً التحذير من خطورة الفلتان الأمني".

ونبّه إلى أنّ العقيدة الأمنية لدى أجهزة الأمن تغيرت من عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات عن الرئيس الحالي محمود عباس، في ظل أن الأخير لا يؤمن إلا بخيار المفاوضات لاستعادة الحقوق الفلسطينية، وهو الأمر الذي زاد من تغول الاحتلال على حقوق وأراضي شعبنا.

وختم أبو شمالة حديثه، بالقول: "نحن أمام غياب كامل لاحترام السلطة التنفيذية للمؤسسات القضائية، حيث تُصدر الأخيرة أحكاماً لا تلتزم بها الأولى، وما نريده هو إنهاء الحكم البوليسي والتوجه لبناء مؤسسات وطنية قوية، بتطبيق الدستور والقانون الفلسطيني".

من جهته، قال رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، د. صلاح عبد العاطي: "إنَّ حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي المتزايدة في الأراضي الفلسطينية، خاصةً في الضفة الغربية، ازدادت حدتها بعد قرار تأجيل الانتخابات، حيث تزايدت بعد القرار حالات الاعتداء وتغول السلطة التنفيذية على التشريعية والقضائية".

وأشار إلى أنَّ السلطة قطعت كل أشكال التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني بعد اغتيال الناشط نزار بنات، واتجهت إلى الفوضى وتعيينات غير مناسبة في في السلطتين المدنية والتنفيذية، لزيادة نفوذ بعض الجماعات أو الأشخاص، مُستدلاً على ذلك بمحاولات عقد المجلس الوطني في الصيغة الشكلية له، وتعطيل العملية الانتخابية، وتفشي الفساد بتقارير أثبتتها مؤسسات تتبع السلطة، وغياب معايير الحكم الرشيد.

وأضاف: "كل مؤسسات السلطة دون استثناء يوجد بها مؤشرات فساد وإهدار للمال العام"، مُعتبراً أنَّ حالة الاحتقان الراهنة تتمظهر في اعتقالات أبناء تيار الإصلاح والجهاد الإسلامي وحماس والشعبية والحقوقيين، وتغول السلطة التنفيذية على مفاصل الحياة، وفرض عقوبات جماعية على غزّة، والمساس بالخدمات الصحية ومرضى السرطان الذين لا يحصلون على حق الوصول للعلاج.

وأكمل: "سياسية التنسيق الأمني تجعل من السلطة وكيلاً أمنياً للاحتلال، وبالتالي فإنّ الأجهزة الأمنية تنقض على المعارضين في صيغة اعتقالات، مع غياب المحاكمة العادلة، وهو الأمر الذي يجعل السلطة قمعية وليست ذكية تُرضي خصومها".

وتابع: "السلطة تتغول على الحقوق والحريات، مع غياب قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين"، مُردفاً: "الأجهزة الأمنية التي تُمارس القمع بحق المواطنين، تختفي مع أيّ اقتحام إسرائيلي، وتنقض على سلاح المقاومة".

واستدرك: "أصبحنا نعيش حالة احتقان في ظل تعاطي السلطة بصيغة استسلامية مع الحالة النضالية الفلسطينية، وتحولها لأداة في يد الاحتلال، وهو ما يُنذر بحالة صراع على ما تبقى من هذه السلطة".

وأردف: "الأيام القادمة قد تحمل غضباً شعبياً على السلطة التي فشلت في خدمة المشروع الوطني وتطلعات المواطنين، وبالتالي وأمام هذه المعطيات لم يعد أمام الحالة الفلسطينية إلا الوحدة وإجراء الانتخابات العامة، ولحين ذلك سنستمر في الدفاع عن الحقوق والحريات لوقف مظاهر الفساد وسوء الإدارة، وهذه المعارك لا تقل أهمية عن مواجهة الاحتلال".

وقال عبد العاطي: "إنَّ تحقيق تطلعات شعبنا بالأمن والحكم الرشيد، تتطلب تغييراً في الأشخاص والسياسات، وهو الأمر الذي يصعب تطبيقه في الوقت الراهن، ما يستوجب غضباً شعبياً يُنهي اعتداءات السلطة على سيادة القانون".

ورأى أنّ الواقع الراهن لم يشهد تحقيق أيّ إنجازات سياسية، في ظل توقف مسار المفاوضات، ورفض بينيت لقاء الرئيس عباس، داعياً إلى أهمية التحول من التفاوض العدمي إلى التفاوض وفق قرارات الشرعية الدولية والمطالبة بتطبيق حل الدولتين.

وأكّد على ضرورة عدم ملاحقة الخلايا العسكرية النشطة، لأنّ ذلك يتقاطع مع الاحتلال وأهدافه، لافتاً إلى ضرورة إنقاذ المشروع الوطني من سياسات المصالح الشخصية، مع عدم وجود أفق لمصالحة فلسطينية حقيقية، وقدرة الاحتلال على تنفيذ أهدافه في القدس والضفة، وفي غزّة التي يتعامل معها بمبدأ الأمن مقابل الحياة.

ونوّه عبد العاطي، إلى أنّ استمرار الحالة الراهنة يعني عدم تحقيق أيّ إنجازات لمصلحة المشروع الوطني أو المواطنين، مُشدّداً على أنَّ حالة الاحتقان الحالية قد تؤدي لعنفٍ لا يُحمد عقباه، وهو الأمر الذي يستدعي إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية.

واستطرد: "الأوضاع الراهنة لا يُمكن تفسيرها إلا بعدة اعتبارات، من بينها أنّ السلطة صاحبة مصلحة في بقاء حالة الفوضى الحالية، لتجعل المواطنين يُغلبون الأمن على أيّ اعتبارات أخرى، وبالتالي حينما تفشل في تنفيذ القانون تتجه الحالة الفلسطينية إلى ثلاث أشكال، الأول هو سلطة الأجهزة الأمنية وهو الشكل الحاضر في المشهد الحالي، والثاني سلطة الأمن والجيش وهي أنّ العسكر أو الجيش يتحكم في كل أشكال الحياة وتُصبح السلطة للعسكر، والثالث عندما تحتل الصورتين حالتنا فيصبح لكل عائلة جيش تحمي نفسها به، طالما لا يوجد استقلال قضاء، وفي ظل انعدام الأمن وفوضى السلاح التي يُشجعها أقطاب ذات مصلحة".

ولفت إلى أنَّ تجارة السلاح في الضفة مصدرها الاحتلال وهو الأمر الذي نفذه الاحتلال في الداخل المحتل 1948، لذلك لا بد من التحاور بين سلاح السلطة والمقاومة وعدم استخدام هذا السلاح في المشكلات العائلية، لأنَّ هذه الفوضى تدفع نحو مزيدٍ من تدمير المشروع الوطني، كون السلطة غير قادرة على ضبط الأمن، وربما يعيقها جملة من الاتفاقات الأمنية، وعدم قدرتها على الوصول لمناطق محددة، لكنّ المؤسف قدرتها على الوصول لهذه المناطق بالتنسيق مع الاحتلال مثل ما حدث مع نزار بنات.

وأضاف: "لم يعد التنسيق الأمني من أجل منح الفلسطينيين مزيد من الأراضي أو المدن أو خدمة المواطنين، بل اتجهت السلطة إلى الشراكة مع الاحتلال، ومثال ذلك حينما قدمت السلطة طلباً لإسرائيل لقطع الكهرباء عن غزة، فتوجه الاحتلال في حينها إلى المحكمة العليا، وقال إنّه لا يستطيع قطعها عن المواطنين المدنيين، وسمح لنفسه بتخفيض 50% من القدرة الكهربائية".

ورأى أنّ مؤسسات حقوق الإنسان ستكون فاعلة في حال وجود سلطة قضائية تضمن الحريات، وأخرى تنفيذية تُطبق القوانين، مُشيراً في ذات الوقت إلى أنَّ مؤسسات المجتمع المدني لعبت دوراً مُهماً في تخفيض حدة الصراعات والحفاظ على الحقوق وفضح الانتهاكات.

وتابع: "تراجع دور مؤسسات المجتمع المدني سببه الكثير من الإجراءات ومنها القمع وغياب التمويل، وهو أمر يخدم السلطة التي لا تريد أيّ معارضين لها، وتسعى لتحويل هذه المؤسسات إلى حكومية أو شبه حكومية، لكّن هذا الأمر غير مقبول نظراً لأهمية تلك المؤسسات في متابعة القضايا الحقوقية".

وختم عبد العاطي حديثه، بالقول: "إنَّ النظام السياسي الفلسطيني في حالة انهيار، وهو لا يشبه بشكله الحالي أيّ من النظم المعروفة سواء التشريعة أو الرئاسية أو غيرها، وغير موجود في كل كتب القانون، ما يتطلب التحول الديمقراطي الحقيقي لإجراء الانتخابات بمشاركة كافة القطاعات بما فيها الشباب والنساء، لبناء جبهة داخلية يكون بمقدورها مواجهة الاحتلال".