لن أطالبَ المدرسين المضربين عن التدريس في مدارس الأونروا في غزة، يوم الاثنين 29-11-2021 بأن يقتبسوا من اليابانيين طريقة إضرابهم واحتجاجهم على مشغليهم، لأن المسافة الحضارية بيننا وبينهم أكبر من أيِّة مقارنةٍ، ولكنني سأظلُّ مقتنعاً بأن نجاح الإضراب يُقاس بمقدار تأثيره على الجهة المسؤولة عن التشغيل، ولا يُقاس نجاحُه بمقدار أضراره على المُضربين أنفسهم!
نعم، إنَّ اليابانيين يُضربون، ولكنهم حين يُضربون لا يُغلقون مصانعَهم، بل ينتجون أضعاف الإنتاج المقرر لهم، أي يَخرجون عن النظام اليومي المتبع، يملؤون مخازن الشركة بهذا الإنتاج الزائد، ما سيشكل ضغطا على تسويق منتجات الشركة، بدون أن تخسر.
استحدث اليابانيون نمطاً ثانياً من الإضراب، تمثل ذلك في إحدى الشركات اليابانية، عندما قرر موظفو الشركة أن يُضربوا عن العمل، فوضعوا على أيديهم في يوم الإضراب الأول شريطا أحمرَ، ولم يتوقفوا عن العمل، وهددوا أن يُبدلوا الشريط الأحمر بشارةٍ سوداء إذا لم تُلبَ مطالبُهم!
هناك نوعٌ يابانيٌ ثالثٌ استحدثه عمالُ شركة الحافلات لنقل الركاب، ريوبي، في أوكاياما، قرروا أن يُضربوا، فامتنعوا عن تقاضي ثمن التذاكر من راكبي الحافلات، وهكذا استفادوا من عطف الجمهور مع مطالبهم الوظيفية!
أما النوع الياباني الرابع فهو أيضا نوعٌ فريد، عندما قرر عمالُ شركة من الشركات اليابانية الكبرى أن يُضربوا ويعتصموا، ولكن عقب انتهاء دوامهم الرسمي، حتى لا يؤثروا على الانتاج!
كنتُ أتمنى أن يحتشد المعلمون ويعتصموا في ساحةٍ عامة، ويعلنوا مطالبهم، ولكن في يومٍ عطلة، ليحصلوا على تأييد شعبيٍّ منقطع النظير!
لا يجب أن نُغير مسار النضال الوطني الفلسطيني، إلى صراعٍ داخلي يخدم مخطط الاحتلال الهادف إلى اغتيال مستقبلنا، كما أن التخلص من الأونروا هو مخطط إسرائيلي منذ زمن بعيد، بدأ المُخطط، بمؤسسة "يو أن ووتش" المختص بالبحث عن أخطاء الأونروا، هناك أيضا مؤسسة خاصة، يرأسها الصحافي، ديفيد بيدن، قنَّاص أخطاء الأونروا، هو مستشار الحكومة الإسرائيلية في ملف الأونروا، هو المحرض الأول على عدم تمويلها، بثَّ سمومَه في كل محافل العالم؛ نشرَ أنَّ الأونروا تُوظِّف (الإرهابيين) في مؤسساتها، أنتج عشرات أفلام الفيديو عن التحريض في مدارسنا، وأن مدارس الأونروا في غزة تحولت إلى مراكز لإطلاق الصواريخ، وأن المعسكرات الصيفية لطلاب مدارس الأونروا تهدف لتدريب الأطفال على قتل الإسرائيليين بالسلاح، مع العلم أنَّ كل مخططات هذا المحرض لم تنجح نجاحا كاملا حتى الآن، غير أنَّ هدفَه النهائي، كما قال في لقاء صحافي؛ أن يتولى الفلسطينيون أنفسُهم تصفية الأونروا!
كنتُ أظنُّ أننا استفدنا من طقوس الإضرابات في الانتفاضة الأولى في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، ولا سيما في قطاع التربية والتعليم، حين أفسدتْ الإضراباتُ المنسوبة للنضال جيلا فلسطينيا كاملا، ما تزال أعراضُ فسادِه واضحةً حتى اليوم!
لا تنسَوْا، أن التعليم هو أهم أُسس النضال الوطني الفلسطيني، المعلمون كالجنود في المعركة، هل يجوز للجندي أن يُضرِبَ عن حمل السلاح وخوض المعركة احتجاجا على عدم موافقته على قرارات القيادة العسكرية؟!
أو أن يحتجَّ صاحبُ بيتٍ على البلدية بسبب ارتفاع الضريبة المفروضة عليه سنويا، فيعمد إلى هدمِ بيتِه الوحيد، تراث أجدادِه، ليبيتَ هو وأطفاله في العراء؟!
تذكروا، كان التعليمُ الفلسطينيُ في القرن الماضي فخراً وطنياً فلسطينياً وعربياً، وثروةً معرفية، ومصدرَ الدخل الفلسطيني الرئيس الأكثر ثراءً ورفعة!