تشهد التغييرات الكبيرة في المنطقة العربيّة نوعاً من التحوّل الكبير، ليس فقط في نظريّة الأمن الإسرائيليّة وتوابعها من نظريّات القتال، بل أيضاً في النظرة إلى نوعيّة الأسلحة المطلوبة لمواجهة المرحلة الجديدة.
وبعدما ركّز العقد الأخير على الذراع الطويلة جداً بعد رفع مستوى الخطر الإيراني إلى المستوى الوجودي، يجري التركيز حالياً على أخطار أقلّ حدّة وأقرب مدى، من بينها أخطار الأصولية الإسلامية في المحيط، فضلاً عن المخاطر على إمدادات الطاقة.
وأشارت تقارير نشرتها الصحف الإسرائيلية، مؤخراً، إلى أنَّ السلاح الذي يُعتبر الأعلى تكلفة في تاريخ الجيش الإسرائيلي، أي الغواصات الألمانيّة من طراز "دولفين" (تكلفة الواحدة منها نصف مليار دولار على الأقل)، لم تعد الأكثر حاجة. فبعد إبرام القوى العظمى الاتفاق النووي مع إيران، والأهم أنّه بعد ظهور حجم القيود التي تكبّل إسرائيل من التصرف باستقلالية في هذا الشأن، ازداد الحديث عن الحاجة للتخلّص من بعض هذه الغواصات.
وأشار المعلّق العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، إلى أنَّ الخطة المتعدّدة السنوات لتسليح الجيش الإسرائيلي، تشهد تعديلاً كبيراً جرّاء الرغبة في التوفيق بين قيود الميزانية، وتغيّر طابع الأخطار المحيطة. وأوضح هارئيل أنَّ رئيس الأركان الحالي، الجنرال غادي آيزنكوت، يعمل على إحداث ثورة فعلية، خلافاً لأسلافه، وقد بدأها قبل نهاية عامه الأول في منصبه. ويضيف أنَّه، بحسب ما نشر المتحدث باسم الجيش، فإنَّ آيزنكوت لا يريد الإبقاء على الغواصات الألمانية التي تمّ شراؤها أو التعاقد على شرائها بالطريقة السابقة.
كذلك أوضح أنَّ الجيش الإسرائيلي سيكمل، في العام 2019، تسلّم الغواصات الألمانية من طراز "دولفين"، بحيث يغدو قوام هذه القوة ستّ غواصات في سلاح البحرية الإسرائيلي. لكن من الواضح أنَّ خطة آيزنكوت تقضي بعدم الاحتفاظ بأسطول من ستّ غواصات. لذلك تقرَّر، من الآن، التخلي عن الغواصة الأولى التي تمّ التزود بها في العام 1999 والسعي لبيعها.
ومعروف أنَّ هذه الغواصات صُمّمت بطريقة خاصة لإسرائيل، إذ يقال إنَّها تحوي منصات لإطلاق صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس حربية نووية. وعدّلت هذه الغواصات، في ذلك الوقت، في نظرية الحرب بالنسبة إلى إسرائيل، إذ باتت تتيح لها إمكانية توجيه الضربة النووية الثانية باستخدام الغواصات التي تكون تبحر في المياه العميقة.
ومثّلت هذه الغواصات، السلاح الاستراتيجي الأنجع لدى إسرائيل ضمن رؤية تبلورت بعد حرب الخليج الثانية. ويقول الجيش حالياً إنَّ صيانة كل غواصة وحمايتها، باتا يشكّلان عبئاً مالياً كبيراً. لذلك توصّلوا إلى قناعة بعدم الحاجة إلى أسطول كبير من ستّ غواصات، وصاروا يقولون إنَّ خمس غواصات كافية.
وفي كل حال، يؤكّد هارئيل أنَّ سلّم أولويات الجيش الإسرائيلي تغيّر في السنوات الأخيرة، إذ سيركّز، في السنوات المقبلة، على المنظومات وعلى الحرب القريبة من الحدود، سواء مع الفلسطينيين أو مع منظمات إسلامية في سوريا وسيناء، و "حزب الله" في لبنان.
وفي سياق تعديل القوة، من المقرّر أن تتخلّى إسرائيل قريباً عن سرب من طائرات "إف 16" من الطراز الثاني الذي تسلّمته قبل حوالي 30 عاماً. وسبق لإسرائيل أن تخلّت عن أسراب من طائرات "الفانتوم" شكّلت في السبعينيات العمود الفقري لسلاح الجو الإسرائيلي.
وفي سياق الطائرات الحربية أيضاً، نشر أمس أنَّ سلاحَي الجو الإسرائيلي والأميركي يديران في الشهور الأخيرة حوارات بشأن شراء سرب من الطائرات المتملصة من الرادار والقادرة على الهبوط في مسار عمودي مثل المروحيات والإقلاع من مسار قصير من دون الحاجة إلى مدرج مطار. وهذه الطائرة من طراز "اف ـ 35"، لكنّها من نوع يسمى B STOVL تصنعها شركة "لوكهيد" الأميركية. ويشكّل محرّك هذه الطائرة ومنظوماتها، آخر صرخة تكنولوجية في ميدان الحرب الحديثة.
ولكن ما يهم في سبب اختيار هذه الطائرة عن سواها، هو قدرتها على أن تعمل في أوقات التوتّر بحيث تهبط وتقلع في أماكن سرية حتى داخل مناطق معادية. وإضافة إلى ذلك، فإنَّ من بين الدوافع للتفكير بشرائها، هو واقع أنَّ المستقبل ليس للحروب في جبهات بعيدة، بل في محيط قريب من ناحية، وامتلاك قوى محلية، خصوصاً "حزب الله"، صواريخ قادرة على تعطيل المطارات الحربية الإسرائيلية. وتقول إسرائيل إنَّ لدى "حزب الله" أكثر من 130 ألف صاروخ، بينها صواريخ "سكود" القادرة على إصابة كل نقطة في أرض فلسطين.
وتتوقّع إسرائيل أنَّ المرحلة التالية من تسليح "حزب الله" ستركّز على امتلاك صواريخ ذات دقّة إصابة عالية، وأنَّ مثل هذه الصواريخ تشكّل خطراً فعلياً على أسراب الطائرات ومدرجات الإقلاع في القواعد الجوية الإسرائيلية المختلفة. وبحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، فإنَّ "حزب الله" سيحاول ابتداء الحرب المقبلة بصلية من ألف صاروخ تحاول ضرب قواعد وأسراب ووحدات الرقابة الجوية. ومؤخراً أجرى الجيش الإسرائيلي مناورات للتدرب على تفعيل المطارات وسلاح الجو، في ظلّ التعرض لأكبر صلية صواريخ ممكنة.
ومعروف أنَّ إسرائيل تعاقدت على شراء 34 طائرة من طراز "أف ـ 35"، ولكن مختلفة عن الطائرة الجديدة، وتملك القدرة على شراء 17 طائرة أخرى.
ولا ينتهي الحال عند هذه النقطة. فالخوف على منصات استخراج الغاز من عرض البحر في حقلي لفيتان وتمار، يشكّل هاجساً كبيراً. وسبق لرئيس الحكومة الإسرائيلية أن كشف النقاب عن أنَّ محطات إنتاج الطاقة في إسرائيل سبق أن تعرّضت لصواريخ سواء في حرب لبنان أو في الحرب على غزة، ما يستدعي العمل على تكثيف حماية حقول الغاز البحرية.
وفي هذا الإطار، تعمل إسرائيل على نشر منظومات قبة حديدية على سفن من أجل توزيعها في حالات التوتر قرب حقول الغاز بقصد حمايتها. ومؤكّد أنَّ إسرائيل تقصد بذلك على وجه الخصوص، "حزب الله" و "حماس" لأنهما يمتلكان قدرات صاروخية مؤثرة.
تقديم وترجمة حلمي موسى