في اليوم العالمي لمكافحة الفساد... أين دور الشباب؟

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

يصادف في التاسع من كانون الأول من كل عام ما يعرف بـ"اليوم العالمي لمكافحة الفساد"، حيث تم اعتماد هذا اليوم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك من اجل التوعية حول مكافحة الفساد، وكذلك للتذكير بأهمية الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد والتي تم توقيعها في 31 تشرين الأول من العام 2003.
وفي هذا العام، يتم الاحتفال من أجل "تسليط الضوء على حقوق الجميع ومسؤولياتهم في التصدي للفساد، بمن فيهم الدول والمسؤولون الحكوميون والموظفون المدنيون وموظفو إنفاذ القانون وممثلو وسائل الإعلام والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والجمهور والشباب".
وفي إطار حملة مكافحة الفساد هذا العام التي تقودها الأمم المتحدة وتستمر لمدة 6 أسابيع، يتم التركيز كل أسبوع على قطاع أو موضوع محدد فيما يتعلق بمكافحة الفساد، ومنها القطاع الخاص، وجائحة كورونا، والتعاون الدولي، والرياضة، والتربية والشباب والنوع الاجتماعي، حيث تهدف الحملة إلى تبادل المعلومات حول الممارسات الجيدة والأمثلة على منع الفساد ومكافحته في جميع أنحاء العالم من خلال تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الفساد، واسترداد المصادر المسروقة وإعادتها، وتطوير حلول مبتكرة، فضلا عن تعزيز موضوع الوقاية بالتعليم، والاستفادة من مشاركة الشباب في مكافحة الفساد.
والفساد متنوع ومتشعب ومتراكم، وحسب تعريف الأمم المتحدة، الفساد هو ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة تؤثر على جميع البلدان، حيث يقوض الفساد المؤسسات الديمقراطية، ويبطئ التنمية الاقتصادية، ويسهم في الاضطراب الحكومي، ويؤدي إلى انتشار الواسطة والمحسوبية على حساب الكفاءة والمهنية، وفي المحصلة يراكم الجهل والتخلف وتطبيق القوانين، ومنح الحقوق وبالأخص لفئات هشة أو ضعيفة، مثل المرأة وذوي الإعاقة.  
والفساد، وبأنواعه، من استغلال السلطة ومن رشوة واختلاس، ومحسوبية وواسطة، هو من اهم معيقات التنمية والتقدم بكافة أنواعه، ونلاحظ أن معظم الدول، سواء في محيطنا العربي أم العالم قامت بإنشاء هيئات أو اطر أو أجهزة لمكافحة الفساد، وباتت أي عملية تغيير سياسي في أي بلد تنادي أولا بمكافحة الفساد، سواء أكان سياسيا، أم اقتصاديا، أم فساد التعليم، أم احتكار الأسعار، أم المتاجرة بالأغذية والأدوية الفاسدة.  
وفي بلادنا، بينت دراسة نشرت قبل فترة، أن الواسطة والمحسوبية هما من اكثر أنواع الفساد تفشيا في مجتمعنا الفلسطيني، وبالأخص في القطاع العام، أو حتى في قطاع المجتمع المدني والأهلي والمؤسسات غير الحكومية. وللعمل على مكافحة هذه الظاهرة، فهذا يتطلب وقتا وعملا وجهدا والاهم، العمل على ترسيخ ثقافة الاقتداء بمن يملك المنصب الأعلى والمسؤولية الأكبر والقدرة الأقوى، ويتطلب بث الوعي، وتطبيق القانون على الجميع، وفي العلن، وبالنزاهة والشفافية، وبالتالي إزالة الانطباع عند الناس أن من تتم محاسبتهم أو ملاحقتهم أو محاكمتهم هم الصغار أو الضعفاء أو الفقراء، أو الذين لا يوجد لهم حماية أو دعم.
ولكي تنجح عملية مكافحة الفساد، يجب أن تركز على الشباب، حيث معروف أن المجتمع الفلسطيني، هو مجتمع شاب، وحسب الإحصائيات الفلسطينية الحديثة، فإن نسبة الأشخاص في فلسطين من الأعمار 15 سنة واقل تبلغ حوالي 40% من السكان، بينما تبلغ نسبة الأشخاص بين أعمار 15 إلى 29 عاما حوالي 30%، وهذا يعني أن الاستثمار في هذه النسبة الهائلة من الشباب في بلادنا يعتبر الاستثمار الأهم، حيث يمكن تصور التأثير الإيجابي المتواصل لذلك، في مجالات الاقتصاد والسياسة والتعليم والتربية والقيم والممارسة العادية في الحياة، وهذا يعني ازدياد الوعي بضرورة الإبلاغ عن الفساد من قبل جيل الشباب.
وتنبع أهمية توعية وتدريب وتثقيف وبناء الشباب الفلسطيني في مجال مكافحة الفساد، في بناء جيل من الشباب من خلال ترسيخ مفهوم مكافحة الفساد وبأنواعه وبالأخص ممارسات الواسطة والمحسوبية، ما سيؤدي ولو على المدى المتوسط أو البعيد إلى تحقيق ما يتطلع له الشباب من بناء مجتمع على أسس النزاهة والمحاسبة ووضع الكفاءة المناسبة في الموقع المناسب.
والاستثمار المستدام في الشباب في مجال مكافحة الفساد يعني اتباع الأساليب الصحيحة لذلك، من الناحية النظرية ومن خلال الممارسة العملية، سواء أكان ذلك من قبل الجهات الرسمية الفاعلة في مجال مكافحة الفساد في بلادنا، أم من قبل الهيئات الأهلية التي تعمل في مجال مكافحة الفساد، وهذا يعني التوعية والتثقيف والتدريب وبأسلوب واضح وبسيط يظهر الإيجابيات لمكافحة الفساد، بدءا من التجمعات المحلية والمدارس والجامعات والأطر المختلفة، وهذا يعني تبيان سلبيات الفساد وتداعياته والمعاناة التي يسببها ومن خلال الأمثلة.
والاستثمار المستدام في الشباب الفلسطيني لمكافحة الفساد يعني ازدياد الوعي بضرورة الإبلاغ عن الفساد سواء أكان من قبل الأفراد أم من الهيئات، وعلى الأفراد أم على المؤسسات.
وبالإضافة إلى العمل على إزالة الخوف عند المواطن أو الشاب للإبلاغ عن الفساد، فالعمل مطلوب كذلك من اجل تطبيق القانون وبسرعة، والابتعاد ولو تدريجيا عن الواسطة التي ما زالت تستشري في أجسادنا ونمارسها في حياتنا، وهذا كله يتطلب زيادة التواصل مع الشباب.   
ولا يوجد هناك شك، أن عملية مكافحة الفساد معقدة وطويلة وشاقة، لأن الفساد بحد ذاته، هو ممارسة وتصرف متشعب ومتجذر ومتنوع، بل واصبح في العديد من المجتمعات والبلدان، أسلوب حياة، ونمطا من التعامل، واصبح وسيلة من اجل الحصول على الفائدة والمصلحة والربح، ومن أشكاله أو أنواعه، وبالإضافة إلى الواسطة والمحسوبية، استغلال النفوذ، وعدم النزاهة، والاستهتار بالمصادر العامة، والالتفاف على الحقوق والكفاءة وعدم الاستقامة والجدية في العمل، وهدر الأموال العامة دون حق، والاتجار بالأغذية والمواد الفاسدة.
ففي بلادنا، يواصل المستهلك متابعة فساد يقلق الجميع، وهو فساد الأغذية، وعدم صلاحيتها، أو عدم سلامتها، وكذلك ارتفاع الأسعار والتلاعب بها، وقد يكون ذلك لأسباب كثيرة، ولأهداف متعددة، ولكنه في المحصلة يسبب الضرر للمستهلك وللمجتمع، والمطلوب تطبيق القانون وبحزم على من يمارس هذا النوع من الفساد، الذي يتلاعب بحياة وبجيوب الناس، ومحاسبة الفاسدين في هذا المجال يعطي الثقة اكثر للمستهلك للإخبار عن الأغذية الفاسدة، وللتواصل بشكل انجع مع الجهات ذات العلاقة.
وقبل فترة، كان الفضل لاكتشاف ومن ثم إتلاف كمية كبيرة من الأغذية الفاسدة، يعود لوعي ويقظة احد المواطنين، ولو لم يتم ذلك لوصلت هذه الكمية إلى أفواه المستهلكين. وقبل ذلك قام احد المواطنين بالإبلاغ عن أدوية منتهية الصلاحية والتي كان من الممكن أن تصل إلى المرضى ومن ثم تضاعف المرض بدل من الشفاء منه، وهذه أمثلة عن أهمية تشجيع المواطن للإبلاغ عن الفساد وبأنواعه، وهي بالطبع ليست بديلا لما من المفترض أن تقوم به الأجهزة الرسمية للحد من الفساد، ولكنه عنصر مكمل ومهم، بل أساسي لنجاح حملات مكافحة الفساد وبأنواعه في مجتمعنا.
وأشارت إحدى الدراسات إلى أن حوالي 70% من المواطنين الذين تم استطلاع آرائهم سيبلغون عن الفساد في حال معرفتهم به، ورغم ذلك، إلا أن التصرفات والوقائع وأنماط التعامل، تؤكد الحاجة لمواصلة ولتعزيز عملية مكافحة الفساد، وربما إلى تغيير في فلسفة أو في خطط مكافحة الفساد. ومن ضمنها التركيز على أكثر أشكال الفساد عندنا، وهي الواسطة والمحسوبية، حيث أن مكافحة ثقافة الواسطة والمحسوبية يحتاج إلى وقت والى جهد والى طاقات والى مصادر، ومن المفترض اعتبارها أولوية في أي خطة لمكافحة الفساد، لأن أمور الفساد لا تنتهي بالانتهاء من قبول الواسطة، ولكن تستمر من خلال نتائجها أو ما يترتب عليها، سواء أكان ذلك من خلال الحصول على المنصب أم الموقع غير المناسب، أم الحصول على الخدمة غير المستحقة، أم الحصول على شيء كان من المفترض أن يحصل عليه كمواطن آخر.
ولكي تنجح أي خطة وطنية فلسطينية لمكافحة الفساد بشكل مستدام، فإنها تحتاج إلى أن تعتمد على ثقافة المتابعة والتقييم والمراقبة والشفافية والوضوح، وبأن تتم في إطار الاستدامة، أي لا تنهار أو تنتهي نتائج الخطة في مجال مكافحة الفساد مع انتهاء الخطة، وبأن يتواصل التأثير دون الحاجة إلى تدخل أو دعم جديدين، وبأن يكون هناك تركيز على الاستثمار المستدام في البشر، وما لذلك من تواصل آثار هذا الاستثمار، وفي مختلف الأصعدة في مجال مكافحة الفساد، وبأنواعه، من الفساد الإداري، والفساد المالي، مرورا بفساد الأغذية والأدوية، إلى الفساد المتعلق بتلويث البيئة من مياه وهواء وأراض واستخدام مبيدات خطيرة وما إلى ذلك.  
وبالإضافة إلى دور الأجهزة الرسمية في مكافحة الفساد، فإن هناك دورا مكملا لمنظمات المجتمع المدني، كإطار يسلط الضوء وينشر الوعي ويقدم الدراسات وربما الأدلة، وكذلك هناك لوسائل الإعلام دور مهم في عملية مكافحة الفساد برمته، وبالأخص حين القيام بذلك بشكل موضوعي بعيدا عن التهويل أو التزويق أو الإثارة المقصودة أو غير المقصودة.
ومع الانتهاء من الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد، فإن الفساد كان وسوف يبقى من اهم معيقات التقدم والتنمية، في أي مجتمع أو بلد والأمثلة على ذلك كثيرة، ودون شك فإن المواطن الفلسطيني وبغض النظر عن مكان تواجده أو عمله هو الأهم في عملية مكافحة الفساد.