قال القيادي في حركة فتح بمدينة القدس، رأفت عليان، إنَّ الشعب الفلسطيني في المدينة المقدسة والضفة الغربية وقطاع غزّة وكافة أماكن تواجده يتوق لإجراء الانتخابات العامة، التي ستُفرز قيادة جديدة تقوده لبر الأمان، لافتاً إلى أنَّ قيادة السلطة ساقت مبررات كثيرة لتأجيل الانتخابات، وهو الأمر الذي ألقى بظلالٍ كارثية على أوضاع شعبنا ومدنه ومقدساته.
جاء ذلك اليوم السبت، خلال ندوة سياسية عبر تطبيق "كلوب هاوس Clubhous" والتي نظّمتها مفوضية الإعلامة بتيار الإصلاح بحركة فتح، وتابعتها وكالة "خبر"، بعنوان "الانتخابات المحلية بالضفة فرصة للنهوض، أم مجازفة سياسية؟"، بحضور القيادي رأفت عليان، والكاتب والمحلل السياسي، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة، د. حسام الدجني، ومفوض قائمة المستقبل د. أشرف دحلان.
ورأى عليان، أنّ طرفي الانقسام لا يرغبان بإجراء الانتخابات، لإدامة سيطرة السلطة على الضفة الغربية وحماس على قطاع غزّة، مُعتبراً أنَّ إجراء الانتخابات المحلية دليلٌ على ضعف وعجز السلطة أمام استحقاق الانتخابات العامة.
وأشار إلى أنَّ المملكة الأردنية الهاشمية ضد إجراء انتخابات المجالس البلدية، وذلك بسبب البعد الجغرافي والاجتماعي الذي يربطها بالضفة الغربية، مُبيّناً في الوقت ذاته أنَّها سمحت للرئيس بتأجيل الانتخابات التشريعية، خشيةً من سيطرة حركة حماس على النظام السياسي، في ظل ضعف وانقسام حركة فتح.
وأكّد على أنَّ الشارع الفلسطيني يعيش حالةً من الإحباط، كونه يتوق لإجراء الانتخابات العامة، وليس انتخابات للمجالس البلدية التي لا ترتبط بالجانب السياسي، لافتاً إلى أنّ الكثير من البلديات في الضفة لم تُقدم أوراق اعتمادها بعد، وبعضها قدَّم قوائم تزكية.
وقال: "إنَّ القدس عبّرت عن استيائها من قرار تأجيل الانتخابات ولن تكون ذريعة لمن لا يُريد إجراء العملية الديمقراطية، كما أنَّ الحديث عن انتخابات بلدية في الواقع السياسي الراهن والمشهد المعقد ليس هو طموح شعبنا".
وتابع: "لا يوجد نية حقيقية لدى أيّ من الطرفين لإجراء الانتخابات وإنهاء الانقسام، بل يسعى كلٌ منهم لإبقاء حكمه للبقعة التي يُديرها"، مُضيفاً: "يُردد كلا الطرفين بغزّة والضفة شعارات إنهاء الانقسام، وهم في الواقع لا يسعون لإنهائه، حيث كان بالإمكان تجاوز هذه الحقبة السوداء من تاريخ شعبنا، لكّنهم تخطوا كل ذلك بإدارة الانقسام".
وأردف: "الحقيقة باتت واضحة بالنسبة لشعبنا الفلسطيني والمجتمع الدولي والعربي، بأنَّ حكام الضفة وغزّة ليس لديهم نية حقيقية لإنهاء الانقسام ويُحاولون إداراته والتهرب من استحقاق الانتخابات التي ستُفرز قيادة حقيقية تُحافظ على الإرث الوطني".
وبالحديث عن دوافع إجراء الانتخابات البلدية وإنّ كان الهدف منها قياس شعبية حركة فتح، قال عليان: "إنَّ القيادة الحالية لحركة فتح لا يوجد لديها حسابات تنظيمية لمعرفة جماهيرية الحركة، في ظل معرفتهم بانهيار شعبية فتح لأنهم جزء من النسيج الاجتماعي"، مُشيراً إلى أنَّ الشغل الشاغل لبعض القيادات هو الصراع على خلافة الرئيس عباس، والصراع مع تيار النائب محمد دحلان وكيفية القضاء عليه.
أما عن إجراءات نخب القدس ومفكريها وأحزابها للضغط على القيادة الفلسطينية ودفعها نحو الانتخابات، أجاب عليان: "القدس لديها أولويات تجعلها في آخر حسابات القيادة سواء بغزّة أو الضفة، حيث يقود أهلها معارك يومية وتصعيد لمواجهة تهويد المدينة المقدسة وأحيائها واستهداف المسجد الأقصى".
واستدرك: "الإعلام لا يُسلط الضوء على قلب الحدث في القدس، كما أنّ المدينة المقدسة لديها أولويات أكبر من فرض الانتخابات، ورغم ذلك قالت كلمتها بأنّها تُريد انتخاب قيادة جديدة تُعزز نضالها"، مُردفاً: "المفكرون والكتاب قالوا كلمتهم في تأجيل الانتخابات، لكّن ازدحام الأولويات بالنسبة للقدس أكبر من فرض الانتخابات، في ظل عمليات التطهير العرقي الإسرائيلية".
وأكمل: "السلطة الفلسطينية وضعت قيادات كرتونية لمدينة لقدس، لتسويقهم بأنّهم مرجعيات وطنية وهذا غير صحيح، لأنّ المدينة المقدسة يُمثلها نماذج نضالية وحرائر وأشبال، ولا يعنيها المسميات ولا يُعطي أبناء القدس اعتبارات لتلك المناصب، في ظل سعيها الجاد لانتخاب قيادة فلسطينية جديدة ترسم استراتيجية واضحة بمجالات الصحة والتعليم والشباب والإسكان".
وختم عليان حديثه، بالقول: "إنَّ الشعب الفلسطيني قدّم كل ما عليه من استحقاقات لقياداته، فالتزام بالحرب والسلم وبكل ما طُلب منه، وهو الآن بحاجة لانتخابات شاملة تُنهي حالة الركود الراهنة، لمنع الاحتلال من إحكام مخططات التهويد والاستيطان وإطالة أمد حصار قطاع غزّة".
من جانبه، قال د. حسام الدجني: "إنَّ الانتخابات المحلية استحقاق دستوي ومن الطبيعي إجرائها، كونها تُجرى كل أربع سنوات، لكن بصيغة توافقية تشمل كل الوطن"، مُوضحاً أنَّ عدم اكتراث شعبنا بهذه الانتخابات نابع من إيمانه بأنّ مشكلته السياسية غير مرتبطة بها، وأنّ المخرج الوحيد من الأزمات الراهنة هو الانتخابات العامة.
وأكمل: "بعض القوى طلبت إجراء الانتخابات المحلية بيومٍ واحد، لكّن حماس أكّدت رفضها التفرد بالقرار"، لافتاً إلى أنّ إجراء هذه الانتخابات له أهداف خارجية لإرضاء الاتحاد الأوروبي، الذي أوقف الدعم عن السلطة لحين بدء العملية الديمقراطية، فجاءت هذه الانتخابات لإرضاء المجتمع الدولي وتأكيد سير العملية الديمقراطية.
كما اعتبر الدجني، أنَّ الانتخابات البلدية ليس لها أفق سياسي وغير مرتبطة بالواقع السياسي، ولذلك قاطعت الفصائل هذه الانتخابات، في ظل رغبة الجميع بإجراء انتخابات عاملة وشاملة.
ونوّه إلى أنَّ ذهاب الرئيس لإجراء هذه الانتخابات ليس من باب استفزاز حماس، وأيضاً رفض الأخيرة ليس الهدف منه استفزاز الرئيس، أو الرغبة بتعزيز انفصال شقي الوطن عن بعضهما، لكّن خلاف الرؤى والبرامج على إدارة العملية السياسية هو العائق الأكبر في وجه كلا الطرفين.
وبيّن أنَّ "حماس قدَّمت في مارس الماضي ورقةً للجانب المصري، تحدثت بها أنّها تُريد إصلاح النظام السياسي من أعلى إلى أسفل، وذلك لكي تضمن وجودها ضمن مكونات النظام السياسي ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية".
واستدرك: "الجميع يُدرك أنَّ المصالحة هي الملاذ الآمن لإنهاء التناقض الحالي، في ظل قيادة الاحتلال لديمومة الانقسام كونه أحد المصالح الاستراتيجية له"، مُشدّداً في الوقت ذاته على أنَّ المجتمع الدولي لا يبذل ما بوسعه للدفع نحو إنهاء الانقسام.
واستطرد: "لا يوجد أمامنا سوى خيار الانتخابات، لإفراز قيادة شابة تُفكر بشكل مختلف لبناء نظام سياسي فلسطيني موحد يكون بمقدوره مواجهة المشروع الصهيوني".
وبالحديث إنّ كانت حماس تتخوف من خسارة الانتخابات المحلية بغزّة، وهو السبب الرئيس لرفض إجرائها، أوضح الدجني، أنَّ "حماس ستكون الرابح الأكبر من أيّ انتخابات مهما كانت النتيجة، وأيّ نتيجة ستحصل عليها في الانتخابات التشريعية ستكون هي الكاسبة"، مُشيراً إلى أنّه في ظل قانون التمثيل النسبي لن يفوز أحد ليشكل حكومة بمفرده.
ونبّه إلى أنّ حركة حماس ليس لديها توجه للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وتعتبر أنّها ستكون اللاعب المدلل بهذه العملية، كما أنّها لم تُمانع في الحوارات السابقة الإبقاء على الرئيس محمود عباس كرئيس توافقي، مُستدركاً: "إذا خسرت حماس الانتخابات المحلية بغزّة فإنّ ذلك سيُخفف من الأعباء الملقاة على عاتقها".
وبسؤاله عن أسباب عدم السماح بإجراء الانتخابات المحلية والاتحادات والنقابات بغزّة، قال الدجني: "إنَّه تم السماح بإجراء انتخابات نقابة المحامين أكثر من مرة وفازت بتلك الانتخابات حركة فتح، وأيضاً نقابة المهندسين أجرت انتخابات بالتوافق وفازت بها حماس، كما أنَّ بعض الجامعات أجرت انتخابات لمجالسها لكن لم يُشارك بها الجميع، بسبب الخلاف على القوانين وهو ما يحول دون إجرائها".
وعن كيفية حلّ قضية الأذرع العسكرية في حال إجراء الانتخابات، أجاب الدجني: "طرحت تساؤلاً على قائد حماس بغزّة يحيى السنوار حول كيفية التعاطي مع سلاح المقاومة في حال أُجريت الانتخابات وفي ظل أنّ السلطة مكبلة باتفاقيات أمنية، فقال لي السنوار أنّه إذا وافق الرئيس على تشكيل مجلس وطني يُعبر عن الجماهير في الداخل والخارج، فإنّني سأضع مقدرات وعناصر كتائب القسام وسرايا القدس ضمن إطار جيش التحرير الوطني الفلسطيني، ليأتمر باستراتيجية وطنية تحررية".
وأنهى الدجني حديثه، بالتأكيد على أنَّ الانتخابات حق دستوي كفله القانون الفلسطيني الأساسي، ما يستوجب انتزاع هذا الحق بجهود الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وأيضاً عبر حلول تُقدمها نُخب القدس لإيجاد بدائل لإجراء الانتخابات هناك في حال رفض الاحتلال، من أجل سحب هذه الذريعة من الرئيس عباس.
من جهته، قال مفوض قائمة المستقبل، د. أشرف دحلان: "إنَّ الانتخابات المحلية لها سياقات غير مرتبطة بممارسة العملية الديمقراطية، ولا تعكس رغبة الفلسطينيين في التداول السلمي للسلطة على المستويين السياسي والمحلي".
وأشار إلى أنَّ هذه العملية تتعلق بصورة السلطة أمام المجتمع الدولي، مُؤكّداً على أنَّ قرار إجراء الانتخابات المحلية في الضفة ليس حلاً، بل يُعمق الانقسام ويعمل على إدامته لفترة أطول.
وأضاف: "قرار الرئيس عباس بإجراء الانتخابات البلدية وتجاهل التشريعية والرئاسية، يعكس عدم رغبته بمشاركة الكل الوطني في الانتخابات العامة، وما يؤكد ذلك إجراء انتخابات البلديات المصنة (ج)".
وتابع: "الانتخابات المحلية تُعمق الانقسام، كون الحالة الفلسطينية نادرة، وأنَّ قوانين الانتخابات يتم التعامل معها في سياق التوافق، ودليل ذلك توافق الفصائل في القاهرة على قانون الانتخابات، ما يعني أنّ الانتخابات يتم تكييفها ضمن رؤى سياسية".
وأكّد دحلان، على أهمية التوافق على المشروع الوطني الفلسطيني برمته، قبل إجراء أيّ انتخابات سواء محلية أو تشريعية أو رئاسية، من أجل أنّ تكون العملية الانتخابية ترجمة لاتفاقٍ سياسي.
وأكمل: "ما يحدث يؤسس لبناء مشاريع سياسية جديدة وشكل جديد للحالة الفلسطينية"، مُنبّهاً إلى أنَّ القوى الخارجية تستثمر ما يحدث لتمرير مشاريع جديدة، في ظل محاولة كلا الطرفين إبقاء الوضع الحالي بغزّة والضفة.
وأردف: "الرئيس يسعى لإبقاء سيطرة السلطة على الضفة ضمن مقاييس الحكم التي تُرضيه، ويجري إدارة مشروع للسلطة وليس صراعاً مع الاحتلال، وفي غزّة لا يوجد خيارات أمام حركة حماس سوى إدارة الحكم بطريقتها منذ 14 عاماً"، لافتاً إلى أنَّ طرفي الانقسام يرفضان إعادة صياغة النظام السياسي.
واعتبر أنَّ إجراء الانتخابات المحلية لا يُشكل أساساً لبناء مشاريع سياسية، وهو أحد أشكال استمرار الحالة الراهنة، حيث يدور الكل الوطني حول نفسه ولا يملك أيّ طرف حلاً للوضع الراهن، ودليل ذلك قبولهم بتأجيل الانتخابات.
وعن تأجيل الانتخابات بسبب القدس، قال دحلان: "إنَّ قائمة المستقبل أعلنت منذ اللحظة الأولى أنّه إذا كان الرئيس جاد بإجراء الانتخابات، فإنّه يمكن البحث عن بدائل لملف القدس، عبر إجرائها في مقر الأمم المتحدة أو الكنائس والمساجد، لكّنه تم وضع القدس ذريعةً لتأجيل الانتخابات لأنّ الرئيس يُدرك بأنّ حظوظه ليست كبيرة في أيّ انتخابات قادمة".
وشدّد على أنّه لن يكون بمقدر أيّ طرف أنّ يحصل على الأغلبية في أيّ انتخابات قادمة، وستحتاج الأطراف بعضها لتشكيل حكومة فلسطينية، مُضيفاً: "حركتا فتح وحماس لم تعودان قطبي العمل السياسي في فلسطين، وكان لدى تيار الإصلاح فرصة ليكون الحصان الأسود بهذه العملية، لكّن الواقع هو أنّ الرئيس لا يرغب بإنهاء الانقسام أو فقدان سيطرته على السلطة".
كما بيّن أنَّ قائمة المستقبل بادرت لدعوة القوائم المستقلة لتشكيل مجلس تنسيقي للتحدث عن مطالب أساسية تتمثل بالضغط على الرئيس ليعود عن قرار إلغاء الانتخابات واستكمال العملية الانتخابية، لكّن هذا المجلس ليس باستطاعته بإمكاناته البسيطة مواجهة الرئيس بالضفة الغربية.
واستطرد: "بعثنا رسائل لدول العالم تُطالب الضغط على الرئيس لإجراء الانتخابات، وحصلنا على وعود بدون أيّ إجراءات جدية وحقيقية تُنهي الوضع الراهن وتُعيد استكمال العملية الديمقراطية، نظراً لعدم رغبتها بتجربة بدائل للرئيس، ويُفضلون خيار سلطة قمعية ومتفردة على إيجاد حراك سياسي حقيقي".
واختتم دحلان حديثه، بالقول: "إنَّ كافة الشرعيات في فلسطين انتهت منذ زمن، ولا يوجد شرعية لأيّ سلطة أو حكومة أو تشريعي، والجميع مُطالب بالبحث عن سُبل إجراء الانتخابات وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، والتوافق على كيفية إدارة الصراع مع الاحتلال"، مُشدّداً على عدم وجود أيّ حل يُنهي الوضع الراهن بمعزل عن الانتخابات، وعلى الشعب الفلسطيني ممارسة كل ضغط ممكن لإجرائها.