الوفاق الاقليمي بديلاً عن النزاع تحولات الشرق الأوسط الجديدة

lvl2k20180518125429.jpg
حجم الخط

بقلم: د. أماني القرم

 

يسيطر على المشهد الحالي في الشرق الأوسط صورة لأجواء احتفالية عنوانها الوفاق الاقليمي، حيث ‏الزيارات والمصافحات التاريخية والتصريحات الايجابية بين دول إقليمية فاعلة، التنافس على النفوذ ‏والخصومة كان سمة السنوات الماضية بينهم. مسارات التهدئة الحالية متعددة ومتشابكة، وتصاحبها ‏دبلوماسية نشطة لكل دولة على حدة ، روّادها البراجماتيون: الامارات والسعودية وتركيا وايران، وبالطبع ‏مصر بنهج أكثر بطئا. والحقيقة أن هذه التحولات ليست مفاجئة، بل سبقها جهود صامتة ومؤشرات لافته ‏وجولات محادثات استكشافية منذ شهور طويلة. بدأت بعودة العلاقات بين قطر ومحيطها الخليجي من ‏ناحية، وقطر ومصر من ناحية أخرى، ثم انسحاب الامارات من حرب اليمن رافعة شعار “الانتقال من ‏استراتيجية القوة العسكرية الى خطة السلام أولا”. أعقبه تطور هام في تحسن العلاقات الاماراتية ــــ السورية ‏دبلوماسيًّا وثقافيًّا تمثّل في مكالمة هاتفية بين زعيمي البلدين، تبعتها زيارة ودّية لوزير الخارجية الاماراتي الى ‏الرئيس السوري. جدير بالذكر أنّ العلاقات الاماراتية/ السورية لا يمكن أن تأتي بمعزل عن ايران ـــــــ حديقة ‏الامارات الخلفية ــــ التي تربطها بحكم الواقع الجيوسياسي مصالح مشتركة مع الجار الايراني، برزت أهم ‏انعكاسات التهدئة في افتتاح طهران طريق تجاري يربط بين الامارات وتركيا عبر ايران . وكيف لا، ‏فالاتفاقات العشر التي وقعت قبل ايام بمليارات الدولارت إبان زيارة ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد الى ‏تركيا، توحي بأن منسوب العلاقات القادمة يحتاج الى طرق مرور جديدة. ‏
بالتوازي وبديلاً عن التصعيد المتوقع وبعد القطيعة وحروب الوكالة والهجوم على أرامكو، فإن قطبي التنافر ‏في المنطقة: السعودية وايران، شرعا بجولات من الحوارات الاستكشافية في العراق مع هدوء في التصريحات، ‏وإن كان ليس بسهولة الصعيد الاماراتي إلا أنه في أسوأ الاحوال سينتج عنه هدنة دبلوماسية.‏
تركيا من جهتها، حاضرة وبقوة في مشهد التغيير الجذري في التوجهات والسياسات نحو الوفاق مع مصر ‏والسعودية والامارات. مع ملاحظة سرعة تطور الوفاق التركي الاماراتي والسعودي قياساً بمصر، ويعزى إلى ‏حساسية القضايا العالقة بين الطرفين بالنسبة للأمن القومي لكليهما: مثل التدخل التركي في ليبيا على ‏الحدود الغربية للدولة المصرية، وملف الاخوان المسلمين، وترسيم مصر الحدود البحرية مع قبرص. تركيا لم ‏تنس اسرائيل في اطار اعادة تشكيل علاقاتها الجديدة، فبوادر حسن النية وصل صداها الى الطرف ‏الاسرائيلي مع اطلاق سراح زوجين اسرائيليين لتصويرهما احد القصور الرئاسية التركية، تبعه اتصال هاتفي ‏بين أردوغان ونفتالي بينيت. ‏
صحيح أن جميع هذه التغيرات التي عنوانها الوفاق هدفها تعزيز الاستقرار الاقليمي، ومنبعها مصالح كل ‏دولة حسب أوضاعها الداخلية وأمنها القومي، لكن هناك أسباب أخرى وجيهة دعت الى مواجهة خسارة ‏الخصام الطويل، يذكر من أهمها: الاقتصاد ثم الاقتصاد ثم الاقتصاد. فالرؤى المشتركة لنظام اقليمي جديد ‏يسيطر عليها الطابع الاقتصادي وليس السياسي. هذه الرؤى الجديدة تتطلب هدوءاً نسبيًّا وبيئة سياسية ‏مستقرة، وبنية تحتية ممتدة بين الدول للاستثمار، خاصة أن التعافي الانعزالي من اقتصادات ما بعد كورونا ‏لا يفيد، واستيراتيجية مواءمة المصالح الاقتصادية مع السياسية لابد منها. كما أن التحديات الجديدة غير ‏التقليدية التي تواجه الجميع في الشرق الأوسط مدمرة ولا يمكن مواجهتها بسلوك أحادي. فالتغير المناخي ‏السريع وموجات الحرارة العالية والزيادة السكانية والقدرات المائية المحدودة والتي تصل الى حد الجفاف، ‏تتطلب مبادرات جماعية أساسها التعاون وليس التنافس والنزاع. ولا شك أن الوفاق الاقليمي يوفر مساحة ‏للمصالح المشتركة، ووسيلة للحوارات الاستراتيجية لمواجهة التحديات، وبناء الثقة بين الأطراف المتناحرة ‏سابقا لإمكانية إدارة الخلافات السياسية. ‏
الفترة القادمة ستكون اختباراً لجدّية الوفاق