الملف النووي الإيراني حاضر بقوة في المشهد الإسرائيلي

nTx3Z.jpg
حجم الخط

بقلم: راسم عبيدات

 

الملف النووي الإيراني حاضر بقوة في المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية،وكذلك في وسائل الإعلام والصحافة وعلى مستوى المحللين السياسيين والعسكريين والخبراء ومسؤولي مراكز الدراسات والأبحاث الإستراتيجية…بإختصار دولة تعيش ” الفوبيا” الإيرانية… جولات مكوكية للقيادات الإسرائيلية من بينت ومرواً بغانتس ولبيد وكوخافي ورئيس دولتهم يتسحاق هيرتسوغ حتى قادة الأجهزة الأمنية في زيارات مستمرة الى أمريكا ودول اوروبا الغربية بريطانيا وفرنسا والمانيا وحتى روسيا،من اجل تحشيد ودعم هذه الدول لصالح موقف هذا ” الحمل الوديع” وحمايته من مخاطر القنبلة النووية الإيرانية …..التهديدات الإسرائيلية لطهران لم تتوقف لا قبل العودة للجولة السابعة من مفاوضات فينا في عهد الرئيس الأمريكي بايدن بين طهران وال 4 +1 والمشاركة الأمريكية غير المباشرة،ولا خلال تلك الجولة ولا بعدها….اسرائيل لن تسمح لإيران بإمتلاك السلاح النووي لا الان ولا مستقبلاً …والكلام لرئيس “الموساد” الإسرائيلي ديفيد برنياع ….ومثل تلك التهديدات و”العنتريات” سمعناها من بينت وغانتس وكوخافي ولبيد وغيرهم من قادة دولة الإحتلال الحاليين،ومن قبلهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو …وبأن اسرائيل غير ملزمة بأي اتفاق دولي مع طهران حول برنامجها النووي،وانها ستعمل عسكرياً لوحدها ضد البرنامج النووي الإيراني ،وعملت على زيادة الميزانية العسكرية المخصص لتنفيذ عمل عسكري ضد المنشأت والمحطات النووية الإيرانية الى خمس مليارات دولار أمريكي من أجل شراء حوامات عملاقة وطائرات حربية حديثة من طراز (أف 35) وقنابل تزن الأطنان لكي تخترق التحصينات والخرسانات المسلحة التي تحمي المنشأت النووية على مسافات عميقة تحت الأرض ..الخ،وكذلك المزيد من الذخائر للقبب الحديدية …اسرائيل تدرك تماما بأنها لا هي ولا أمريكا ولا دول أوروبا الغربية الان بقادرة على فرض شروطها على طهران ، فالبدائل التي تهدد بها اسرائيل باللجوء للخيار العسكري ومحاولة جر أمريكا اليه الآن بعد إنسحابها المذل من أفغانستان،في ظل أخطار واولويات وتحديات تواجهها مع الصين وروسيا ليس بالوارد،فهي تدرك بأن التورط في حرب مع طهران ليس بالمضمون النتائج …وهي عندما انسحبت من الإتفاق النووي مع ايران في عام 2018 ،وشددت العقوبات الإقتصادية والمالية والسياسية على طهران،وأطلقت يد اسرائيل،بل وشاركت معها في حروبها وأعمالها العدائية الأمنية والعسكرية والسيبرانية ضد طهران،من تخريب للمنشأت النووية الإيرانية،كما جرى في منشأة “نطنز” الى اغتيال العديد من العلماء النوويين وفي المقدمة منهم ابو القنبلة النووية محسن فخري زاده واغتيال القادة العسكريين،بمشاركة أمريكية ،كما حدث مع قائد “فيلق القدس” وزعيم الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني…لم تجد نفعاً مع طهران في التوقف عن تطوير برنامجها النووي والتقدم فيه،سواء لجهة نصب أجهزة طرد مركزية حديثة وزيادة ورفع نسبة التخصيب لليورانيوم من 20% الى 60%،وكذلك العقوبات الإقتصادية والمالية، لم تسهم لا في تململ الشعب الإيراني ولا في زعزعة استقرار النظام،بل استطاعت القيادة الإيرانية أن تتخطى الكثير من العقوبات الإقتصادية،من خلال تطوير صناعاتها النفطية ومشتقاتها،ولعل الإتفاقية الإستراتيجية الإقتصادية والسياسية التي عقدتها مع الصين لمدة 25 عاماً وتضمن لها مبادلة نفطها وغازها بسعر متفق عليه مقابل قيام الصين بتنفيذ مشاريع في ايران بقيمة 450 مليار دولار ،تتضمن تجديد بناها التحتية وبناء شبكات كهرباء ومحطات بتروكيماوية وشبكات طرق وإقامة صناعات متطورة في الكثير من المجالات،أسقط فاعلية العقوبات الأمريكية على ايران.

اسرائيل وقياداتها العسكرية والأمنية والسياسية تدرك تماماً بانها عالقة في عنق الزجاجة بالنسبة للملف النووي الإيراني،وتفاضل خياراتها بين السيء والأسوء،فكلا الخيارات بالنسبة لها صعبة وسيئة سواء عادت ايران الى الإتفاق النووي او عقدت معها أمريكي اتفاق مرحلي او لم تعد ايران للإتفاق النووي….فعودة ايران الى الإتفاق النووي ،يعني تحرير الكثير من ودائعها المالية المجمدة بعشرات ان لم يكن مئات المليارات من الدولارات،ورفع القيود عن تعاملاتها المالية والمصرفية،وهذا يعني عوائد مالية واقتصادية ونمو وإزدهار اقتصادي،والأهم تعزيز وترسيخ لدور ايران الإقليمي ولمحورها في المنطقة،حيث ستوجه طهران جزءا من تلك العائدات المالية،لدعم حلفائها ومحورها في المنقطة في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان واليمن. أما خيار عدم عودة طهران للإتفاق النووي، والتي لم تعد طهران في ظل القيادة الجذرية ” المتشددة” لإيران برئاسة الرئيس ابراهيم رئيسي،والذي يتماهى في موقفه مع مواقف المرشد الأعلى علي خامينائي،فقد اصبح الفرز واضحا بعد التخلص من القيادة الإصلاحية،التي قال الجناح الجذري في القيادة الإيرانية أنها أضاعت خمس سنوات من الوقت في الوصول لإتفاق نووي غير مجد لطهران.

القيادة الإيرانية الحالية،والتي تتجمع فيها السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية بالإضافة الى البرلمان وقيادة الحرس الثوري في يد الجناح الرايدكالي الإيراني…تبدو غير متعجلة العودة للإتفاق النووي مع امريكا بدون رفع شامل للعقوبات الأمريكية عن ايران،ولذلك هم يستغلون هذا الوقت في تطوير برامجهم النووية ورفع نسب التخصيب،حتى اذا ما فشلت المفاوضات والعودة للإتفاق النووي،يصبحون على أعتاب الدولة النووية،او قد تتغير الفتوى بعدم انتاج السلاح النووي الى إنتاجه وعدم استخدامه كسلاح ردعي لحماية ايران من مخاطر العدوان عليها،وعنصر توازن في حقها بإمتلاك برنامج نووي في عالم لا يعترف إلا بمعادلات القوة.

عودة طهران للإتفاق النووي،يعني إنفراج في كل ملفات المنطقة،في سوريا ولبنان والعراق واليمن وفلسطين،وكلفة تسوية عالية غير قادرة اسرائيل على دفع ثمنها، وعدم عودة طهران تعني تسخين في كل ملفات المنطقة وتهديد وجودي لدولة الإحتلال،وعدم قدرتها بمفردها على شن حرب على طهران وتدمير محطاتها ومنشأتها النووية،دون أن تدفع أثمان كبيرة قد تطال وجودها …ولذلك يبقى الخيار الوحيد أمام دولة الإحتلال،إما ان تتعايش مع ايران كدولة نووية ،وتتجه الى الدول الكبرى أمريكا ودول اوروبا الغربية لكي توفر لها مظلة نووية،كما طرح المعلق الأمني الإسرائيلي يوسي مليمان،في تغريدته على موقع جريدة هارتس العبرية.لأن كل “عنترياتها” وتهديداتها بشن حرب وعدوان على طهران،هي شيكات بلا رصيد قال ذلك رئيس وزراء الإحتلال الأسبق يهود اولمرت،والمستويين الأمني والعسكري في دولة الإحتلال والعديد من الخبراء وقادة مراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية وألامنية والعسكرية حاليين وسابقين.