عهد جديد: إسرائيل أمام شبح الإبادة

زلمان-شوفال.jpeg
حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال

 

 



بينما ينصبّ الاهتمام العالمي، بما في ذلك الإسرائيلي، على فيينا والتهديد النووي الإيراني، فإن العالم في مستهل عهد جديد، بل في واقع الأمر بات في ذروته: عهد الذكاء الاصطناعي والتهديدات الوجودية التي ينطوي عليها ذلك. في الولايات المتحدة صدر مؤخراً كتاب "عهد الذكاء الاصطناعي ومستقبل البشرية"، الذي يقرّر أن ثورة الذكاء الاصطناعي مثل الثورة الصناعية في حينه، تغير أنظمة العالم في كل موضوع تقريبا.
الكتاب لهنري كيسنجر، الذي بلغ عمره 98 سنة، ولم تشوش حدة ذكائه وحسه التحليلي. يشرح الكتاب بأن قادة الأمن في الدول ملزمون بأن يتصدوا اليوم لتطورات استراتيجية وتكتيكية نتيجة الذكاء الاصطناعي والتي هي ثورة لدرجة أن العقل البشري غير قادر على احتوائها، ما يجعل من الصعب تقدير موازين القوى بين الدول والجيوش.
نتيجة أخرى: سيطرأ تغيير جذري على المفاهيم الدارجة في موضوع الردع والدفاع. وعليه، فالجيوش وأذرع الأمن التي ستتأهل بالتنسيق مع قدرات الذكاء الاصطناعي وحدها هي التي ستصل إلى مستوى أداء أقصى، إذ إنه إذا كان الخصوم المحتملون حاولوا حتى الآن الاطلاع على عقيدة القتال، التكتيك، والنفسية الاستراتيجية للطرف الآخر بوسائل تقليدية من البحث والاستخبارات، فإنه عندما يكون الخصم مزوداً بذكاء اصطناعي يجعل كل هذه الوسائل أكثر تعقيداً وإشكالية.
إضافة إلى ذلك، فإن السرعة التي يكون فيها أحد الأطراف قادراً على شن هجوم رقمي، من شأنها أن تمنع الطرف المعتدى عليه من اتخاذ وسائل دفاعية ناجعة، ما سيضطره ليشرع بسرعة الضوء تقريبا بهجوم مضاد كي يمنع شللا شاملا للمنظومات.
كما أن التهديد النووي لا يقل في الواقع الرقمي الجديد، بل يحتدم بالذات. فالتحدي الأساس منذ أن أصبح السلاح النووي من نصيب القوى العظمى الرائدة، الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا (وبقدر ما لاعبين آخرين أيضا)، هو أن المهتمين بالتخطيط الاستراتيجي في الدول المختلفة لم يتمكنوا من بلورة عقيدة نووية عملياتية واضحة، وحاولوا التغلب على ذلك من خلال خلق فصل واضح بين السلاح التقليدي والسلاح النووي، غير أن السلاح القائم على أساس الذكاء الاصطناعي القادر على العمل سواء على المستوى التكتيكي أو المتداخل مع السلاح النووي ومن شأنه أن يتسبب بإبادة جماعية، يلغي هذه الفواصل، فما بالك حين يكون صعبا أكثر العثور على مكانه وتشخيص مستخدميه؟
أحد مصادر القلق الأساس من السلاح الرقمي هو قدرته، في ظروف معينة، على العمل ذاتياً، وتحديد الأهداف دون تدخل من العقل البشري. واحد من كبار علماء الذكاء الاصطناعي في العالم، ستيوارت راسل، من جامعة كاليفورنيا، وضع مؤخراً كبار مسؤولي وزارة الدفاع البريطانية في صورة الخطر على مستقبل البشرية من تطوير سلاح رقمي غير خاضع للرقابة، وفي الولايات المتحدة صدر كتاب نيكول فرلروت، مراسلة "نيويورك تايمز" لشؤون الذكاء الاصطناعي، والذي يقرر صراحة أن العالم من شأنه أن يكون عرضة للفناء نتيجة لاستخدام سلاح رقمي غير خاضع للرقابة.
الذكاء الاصطناعي وجوانبه العسكرية ستكون في مركز الاستراتيجية الأمنية لإسرائيل أيضاً، ونتيجة لذلك فإن تطويرا دائما لمستوى البحث والتطوير لضمان تفوق الثقافة والاستراتيجية في هذا المجال سيكون مهمة وطنية عليا. فالوضع الجغرافي السياسي الخاص بإسرائيل يلزمها بأن تشمل في اعتباراتها الاستراتيجية الميول الإبادية لأعدائها، بمن في ذلك "الإرهابيون"، وإمكانية أن يتمكنوا من أن يطوروا أو أن يصلوا إلى سلاح يقوم على أساس الذكاء الاصطناعي، فما بالك أنه زهيد نسبيا ويمكن أن يستخدمه كل من لديه حاسوب واتصال بالانترنت. وبالنسبة لإيران، لا ينبغي أن نستبعد إمكانية دمج سلاح نووي بسلاح رقمي. إضافة إلى ذلك لا يمكن لإسرائيل أيضا أن تتجاهل التهديد التقليدي على أمنها، النابع من وضعها الجغرافي والديمغرافي ذي الصلة. مثلما هي الصواريخ والحوامات لا تنفي الحدود القابلة للدفاع واعتبارات المجال والأرض، فإن عهد السلاح الرقمي أيضاً يوجب اتخاذ استراتيجية متداخلة، سواء هجومية أو دفاعية.

عن "معاريف"