مثل مشكلات كثيرة في إسرائيل، أيضاً هذه المشكلة ولدت جراء الأمور التي قمنا بكنسها ووضعها تحت البساط في العام 1948، والآن هي تنفجر في وجهنا. هذه المرة القضية هي المواطنون العرب الذين فقدوا أملاكهم في «حرب الاستقلال»، لكنهم بقوا مواطنين إسرائيليين.
كان من السهل جداً فقدان الاملاك في حينه. حددت الدولة موعداً للإحصاء، ومن لم يكن موجوداً في بيته في ذاك اليوم فان املاكه أُخذت منه. كان يكفي أن العائلة مكثت مدة أسبوع في الناصرة من أجل أن تفقد بيتها في يافا. وعند عودتها سمحت لها الدولة بالسكن في ذاك البيت، لكن بمكانة مستأجر محميّ (تدفع إيجاراً رمزياً) وليس كصاحبة بيت.
كانت هناك ايضا حالات لعائلات تم تقسيم بيوتها. احد الاخوة هرب الى لبنان ونصيبه في البيت صادرته الدولة، بل اهتمت الدولة احيانا وقامت ببناء جدار داخلي في البيت يفصل بين قسم الغائبين وقسم العائلة التي بقيت في إسرائيل. جزء من المهجرين، الحاضرين – الغائبين، تم ارسالهم لتدبر امورهم في القرى العربية التي بقيت قائمة، وسمحت الدولة لجزء آخر بالسكن في املاك الغائبين. المعنى هو عشرات آلاف البيوت والشقق التي بقيت فارغة في يافا وعكا والرملة واللد وحيفا بعد هرب أصحابها العرب منها.
إسرائيل، بشكل متعمد، لم تقم بمصادرة هذه البيوت. خشيت الدولة من أن تظهر كمن تقوم بمصادرة املاك تم تركها في الحرب، ايضا بسبب القانون الدولي الذي يمنع ذلك. ولكن ايضا لأنه في تلك السنين كان هناك الكثير من الناجين من الكارثة الذين حاولوا استعادة املاكهم التي تركوها في اوروبا. بدلا من المصادرة تم الاعلان عن هذه البيوت كأملاك غائبين، وتم نقلها لسلطة التطوير، وهي هيئة مثل القيم العام الذي كان يمكنه كما يبدو أن يحافظ على هذه الاملاك لصالح اصحابها الفلسطينيين الى أن يحل السلام.
هذا بالطبع لم يحدث. الدولة في الحقيقة قامت بابعاد الاملاك الفلسطينية عنها، لكنها في الواقع قامت بمصادرتها عن طريق سلطة التطوير. الاراضي تمت مصادرتها على الفور (تقريبا خمسة ملايين دونم، ربع مساحة إسرائيل في حدود 1949). بقيت البيوت في أيدي سلطة التطوير. وفي الثمانينيات بدؤوا في بيعها رويداً رويداً. بقي تقريباً 4 آلاف بيت مثل هذه البيوت، 1700 بيت منها في يافا.
قامت الدولة بإرسال المهجرين العرب للسكن في البيوت المتروكة في المدن المختلطة. وهي لم تمنح العائلات العربية ملكية هذه البيوت؛ لأنها لم ترغب في مصادرتها. وبدلاً من ذلك حصل المهجرون على البيوت بمكانة مستأجرين محميين مع الحق في السكن في البيت مقابل إيجار رمزي لجيلين.
الخطأ الأول الأساسي: آلاف المواطنين الذين فقدوا أملاكهم في «حرب الاستقلال»، بسبب الطرد أو الهرب، هذا لا يهم، بدلاً من اعطائهم املاكا جديدة أبقتهم الدولة في مكانة مؤقتة كمستأجرين محميين. هذا الوضع المؤقت هو الذي يشعل المدن المختلفة، لا سيما يافا، على ضوء الخوف من أن الدولة تهدد بتحويل الجيل الثالث لمهجري 1948 الى مهجرين من جديد.
سلطة التطوير، بوساطة «عميدار» وسلطة اراضي إسرائيل، تحاول في السنوات الاخيرة بيع معظم الشقق التي بقيت في يافا. الأولوية لبيع الشقق للمستأجرين المحميين انفسهم، الذين هم بالاساس عائلات عربية تسكن فيها منذ عشرات السنين. فعليا، هذا لا يحدث حقا. وحسب بيانات عميدار فانه من بين 1684 شقة، فقط 944 مخصصة للبيع، وفقط 507 شقق تلبي الحق الكامل للمستأجرين كمستأجرين محميين.
437 عائلة لا يمكنها شراء الشقق التي تسكن فيها لأنها فقدت حقها كمستأجرين محميين. 140 منها بسبب مخالفات بناء اجريت على الشقة، مثلا فتح جدار فاصل في الشقة، و277 منها بسبب أن الامر يتعلق بالجيل الثالث، الذي هو حسب القانون لم يعد له حق في الشقة.
نصف العائلات التي لها حق، والتي نقلت للسكن في يافا بعد ان صادرت الدولة املاكها الاصلية، يمكن أن تتنازل بعد سبعين سنة دون أي املاك، وبالطبع دون القدرة على شراء شقة لها في ظل الاسعار المرتفعة في يافا. ونذكر بأنه لا يوجد للعرب في يافا أي قدرة على الانتقال للسكن في مدن مجاورة مثل بات يم، والمدن العربية القريبة هي فقط الرملة واللد.
مشكلة اخرى هي أن النصف الآخر ايضا، 500 عائلة لها حق في شراء الشقق التي تعيش فيها كمستأجرين محميين، لا يمكنهم فعل ذلك بسبب اسعار السكن المرتفعة في يافا. الفجوة الاقتصادية – الاجتماعية في يافا والتي هي في الاصل حي فقير مع اسعار سكن مرتفعة، تحول شراء الشقة الى امر نظري وخيالي بالنسبة للعرب في يافا، حتى بعد التخفيضات التي تم عرضها عليهم. حسب القانون المستأجرون المحميون يجب أن يشتروا فقط 40 في المئة من الشقة (60 في المئة في الاصل لهم، مقابل الرسوم الرمزية التي دفعوها طوال السنين). هذا مع تخفيض 40 في المئة. ولكن التخفيض محدد بمبلغ 320 ألف شيكل، والذي حسب الاسعار في يافا يصبح غير ذي صلة. حسب معطيات «عميدار» فان العائلة في يافا يجب عليها أن تدفع 1.5 مليون شيقل بالمتوسط من أجل شراء الحق على شقتها. وهذا كما يبدو صفقة مالية ممتازة، لأن الشقة تساوي بالمتوسط 4 ملايين شيقل. ولكن عمليا يدور الحديث عن مبلغ خارج إمكانية هذه العائلات الفقيرة.
عن «هآرتس»