ما الذي يدفع الفتيان الفلسطينيين إلى عمليات الطعن؟.. السؤال الممنوع إسرائيلياً!

C619D187-8362-4CA4-8F52-0E435A743C9F-e1548772995239.jpeg
حجم الخط

بقلم: نير حسون



في الخطاب العام الإسرائيلي توجد قاعدة غير مكتوبة تقول إنه محظور محاولة معرفة الدوافع والظروف الشخصية للفلسطيني الذي ينفذ عملية.
تواجه أي محاولة كهذه بردود غاضبة؛ لأن مجرد طرح مسألة الدافع مبرر للعنف ودعم لـ"الإرهاب".
حسب النظرية الدارجة فإن العنف الفلسطيني – من إطلاق الصواريخ من قبل كتائب "شهداء الأقصى" وحتى الطفلة التي تحاول طعن عابر سبيل بمقص – ينبع من مصدر واحد ووحيد وهو الشغف الوراثي القاتل، والذي لا يوجد له تفسير ودون دافع ودون مبرر. ولكن عندما تقوم فتاة ابنة 14 سنة (بسبب أنها قاصر يحظر نشر اسمها، رغم أن وسائل الإعلام الإسرائيلية والفلسطينية تكون ملتزمة أقل بهذا القانون عندما يدور الحديث عن قاصرين فلسطينيين) بأخذ سكين مطبخ، وتقوم بطعن جارتها اليهودية في الحي الذي تحوّل رمزاً لنضال الفلسطينيين ضد الاستيطان نكون ملزمين بطرح سؤال ما الذي قادها للقيام بهذا الفعل؟
عائلة الفتاة أصلها من حيفا، ووالد جدها كان ميكانيكي دبابات في الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية. وُلد جدها في حيفا، ونزح منها مع عائلته في العام 1948 خلال النكبة. وصلوا الى قرية العوجا في الغور، وهناك سكنوا في الحقول والأراضي المفتوحة، كما قال الجد للمراسلة إيلانا هامرمان قبل تسعة أشهر. في العام 1956 فازت العائلة و27 عائلة اخرى في قرعة أجرتها الأمم المتحدة والحكومة الأردنية. وحصلوا على بيت صغير بني من أجل اللاجئين الفلسطينيين في الشيخ جراح. وفي المقابل، تنازلوا عن بطاقة اللجوء التي كانت تساوي منافع كثيرة.
تقريباً في الوقت الذي غادرت فيه عائلة الفتاة بيتها في حيفا، غادر ايضا آخر اليهود بيوتهم في الشيخ جراح. مع ذلك، في المكان الذي تسكن فيه العائلة لم يكن في أي يوم بيوت لليهود، فقد كان المكان قطعة أرض فارغة اشتريت من لجان الطائفة اليهودية في القدس من أجل تسهيل الوصول إلى قبر شمعون الصدّيق.
جد الفتاة كان الشخص الأول في الحي الذي طلب منه إخلاء بيته لصالح اليهود. كان هذا في العام 1964، قبل 33 سنة من ولادة الفتاة المتهمة. عندما كانت الفتاة ابنة سنتين نجح المستوطنون في إخلاء ثلاث عائلات من البيوت المجاورة. قضت كل حياتها في ظل الخوف من الإخلاء، والحاجة إلى تجنيد الموارد للتقاضي في المحكمة ومواجهة العنف في الشوارع والتظاهرات المضادة.
في السنة الماضية ازداد التوتر في الحي. واجهت 14 عائلة تقريبا خطر الاخلاء الفوري. نشاط مكثف للسكان ونشطاء من اليسار الإسرائيلي واهتمام دولي، كل ذلك حوّل الحي رمزاً. جاءت عشرات طواقم التلفاز من ارجاء العالم إلى جلسات استئناف العائلات في المحكمة العليا. واحتل هاشتاغ "أنقذوا الشيخ جراح" لأسابيع رأس قائمة الاهتمامات في تويتر في الشرق الاوسط.
في أيار الماضي، في اطار نشاطات في المدرسة، رسمت المشتبه فيها علما فلسطينيا صغيرا على خدها. وعندما عادت إلى الحي رفض رجال الشرطة السماح لها بالدخول إلى بيتها. كان هناك يهودي يمر من هناك قام بشتمها فبصقت عليه. قام رجال الشرطة باعتقالها، وقضت ساعتين في مركز الشرطة إلى أن تم إطلاق سراحها.
قبل شهر كان يجب على العائلات إعطاء ردها على اقتراح الحل الوسط الذي طرحه قضاة المحكمة العليا. وحسب هذا الاقتراح كان سيتم اعتبار سكان الحي مستأجرين محميين، ويمكنهم البقاء في البيوت في السنوات القريبة القادمة. في المقابل، كان يجب عليهم إيداع أجرة شقة منخفضة لجمعية اليمين "نحلات شمعون"، التي اشترت الأرض في المكان. كان الكبار يميلون للموافقة على الحل الوسط لضمان سكنهم في المكان في السنوات القريبة القادمة، لكن الشباب عارضوا بشدة بذريعة أن الدفع سيشكل اعترافا بملكية المستوطنين، وطالبوا باستمرار النضال. انتصر الشباب وأبلغ السكان المحكمة بأنهم يرفضون هذا الاقتراح. مؤخرا ازداد مرة اخرى التوتر في الحي. فقد تم إحراق سيارة لمستوطن، وتم ثقب إطارات 12 سيارة فلسطينية. في عيد الانوار أطفأ السكان الفلسطينيون شمعدان العيد الذي وضعه المستوطنون في الشارع.
أول من أمس، حسب رواية الشرطة، خرجت الفتاة من البيت وهي تحمل سكين مطبخ طويلة، وانتظرت جارتها موريا كوهين (26 سنة) التي كانت تمشي مع أولادها في الشارع، وغرست السكين في ظهرها. أُصيبت كوهين بجروح طفيفة، وبعد بضع ساعات تم نقلها إلى البيت. وقال جيران الفتاة إن الامر يتعلق بفتاة هادئة ليس لها مشاكل خاصة. اليوم كان من الصعب ايجاد أي من الجيران الفلسطينيين يصدق بأنها حقا نفذت العملية. هم يطلبون مشاهدة كاميرات الحماية. المحامي محمد محمود، الذي يمثلها، قال إنها تنفي أنها طعنت.
على بعد بيتين من بيت عائلتها تسكن عائلة الكرد. في الاسبوع الماضي ظهر ابن العائلة محمد الكرد (23 سنة) امام جلسة لكامل اعضاء الامم المتحدة في اطار احياء يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني. خطابه كان شديدا وهجوميا. فقد دعا إلى مقاطعة إسرائيل وفرض عقوبات عليها. إلى جانب العدوانية، أظهر الكرد خيبة أمل كبيرة عندما قال: "عندما كان عمري 11 سنة عدت من المدرسة وكان أثاث بيتنا في الشارع". "كان يوجد رجال شرطة وجنود ومستوطنون. صرخ الجيران. في ذاك اليوم اقتحم مستوطنون بيتنا وأخذوا جزءاً منه. كانت حياتي دائما على شفا فقدان البيت... ما الذي يمكن أن أقوله غير ما قيل؟ كم من الفلسطينيين وقفوا هنا على هذه المنصة طوال عقود وتحدثوا عن خرق الوعود (للمجتمع الدولي) وتجاهل قرارات الأمم المتحدة؟ كم حاولوا وصف الوحشية؟".

عن "هآرتس"