زعماء الدول العربية، الذين أقسموا احتفاليا في الخرطوم، عاصمة السودان، قبل أكثر من خمسين سنة على أنهم أبدا لن يعترفوا بإسرائيل، ولن يتفاوضوا معها، ولن يصنعوا معها السلام، يتقلبون، الآن، في قبورهم. ست دول عربية، بينها السودان، إلى جانب مصر، الأردن، البحرين، الامارات، والمغرب، أقامت منذئذ علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وحطموا طوق المقاطعة العربية.
المغرب، المنضمة الأخيرة، تحيي، اليوم (أمس)، سنة على إعلانها اتفاق التطبيع، الذي تحقق بوساطة الولايات المتحدة. وحقيقة أن الملك محمد السادس لم يتخذ القرار إلا بعد أن تلقى وعدا أميركيا بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية لا تقلل من أهمية هذا الاتفاق وخصوصيته.
سيكون هناك من يدعون بأن الحديث بالإجمال يدور عن منْح علانية لمنظومة علاقات متفرعة تجري بين إسرائيل والمغرب منذ عشرات السنين، معظمها من تحت الرادار. فقد سبق ان فتحت ممثليات دبلوماسية في الدولتين بعد اتفاق اوسلو، وأُغلقت في الانتفاضة الثانية، وجرت زيارات متبادلة، وكانت هناك وساطة سرية من المغرب بين إسرائيل ومصر شقت الطريق للسلام مع السادات، ولكن القصة هذه المرة أكبر بكثير.
هكذا مثلا في المجال العسكري. صحيح أنه يوجد لإسرائيل تعاون أمني ايضا مع مصر، وأكثر من ذلك مع الأردن، وعلاقات خاصة مع الامارات، البحرين، والسودان، ولكن المغرب هي الدولة الإسلامية الأولى التي وقعت على مذكرة تفاهم علنية للتعاون العسكري والأمني مع إسرائيل في مجالات عديدة ومتنوعة. فالمغاربة بحاجة الى الاستخبارات والمساعدة الإسرائيلية بالسلاح، بالعتاد، بالتكنولوجيا المتطورة، وبالسايبر لضبط الحدود ومكافحة تنظيم «البوليساريو» الذي يكافح في سبيل استقلال الصحراء وتدعمه الجزائر، إيران، و»حزب الله».
وهكذا أيضا في المجال المدني. في الوقت الذي تجتهد مصر والأردن لمنع كل مظهر التطبيع في العلاقات المتبادلة، فإن المغرب، مثل الامارات والبحرين، فتحت كل الأبواب على مصاريعها. رحلات جوية مباشرة باتت نشطة منذ الآن (شركة الطيران المغربية هي الأخرى ستفتح قريباً خطاً الى إسرائيل)، وكذا زيارات للسلاح، التبادل التجاري، الثقافة، والرياضة.
ويجدر بالذكر انه في الطريق الى التطبيع الكامل للعلاقات مع إسرائيل، كان يتعين على المغرب أن يتجاوز عائقا أعلى بكثير من الامارات. وذلك ايضا بسبب العنصر الديني الاسلامي الأقوى، وكذا بسبب دوره كـ»حارس للأماكن المقدسة» في القدس ووجود معارضة اسلامية للعلاقات مع إسرائيل. ومن هنا ايضا تنبع الحساسية في الموضوع الفلسطيني.
لكن ملك المغرب، بتشجيع من الولايات المتحدة وبإلهام «اتفاقات ابراهيم» التي وقعت بين إسرائيل ودول الخليج، اتخذ القرار الصحيح لتفضيل مصلحة بلاده على كل اعتبار آخر. وزير خارجيته، ناصر بوريطة، حسم حتى قبل ان توقع الاتفاقات بالتعاون مع إسرائيل بأن المسألة الفلسطينية وان كانت مهمة، لكن ما يجري في الصحراء الغربية أهم للمغرب.
لشدة المفاجأة، فان حركة حماس بالذات، التي تخوض حرب ابادة ضد كل جهة عربية تطبع علاقاتها مع إسرائيل، بعثت الى المغرب برئيس مكتبها السياسي، اسماعيل هنية، بعد استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل. وملتزما بالخط الجديد أمر الملك محمد رئيس وزرائه أن يلتقي بهنية فقط بحكم منصبه كرئيس حزب وليس كرئيس وزراء. بالمقابل، فإن هنية، بمجرد الزيارة، أثبت بأنه حتى الفلسطينيون يفهمون انه في الواقع الجديد الذي نشأ في المنطقة بعد الربيع العربي فإن المزيد فالمزيد من الدول العربية قررت التوقف عن إخضاع مصالحها لصالح حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
عن «إسرائيل اليوم»