إسـرائـيـل تـهـدد إيـران بـمـسـدس فـارغ مـن الـذخـيـرة!

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 

 


"من الباعث على اليأس والمثير للغضب أنني توقفت تقريباً عن قراءة الصحف"، قال، هذا الاسبوع، شخص يشغل منصبا رفيعا في جهاز الأمن، على خلفية التغطية الهستيرية إلى حد ما للمفاوضات حول المشروع النووي الإيراني. وسائل الاعلام في إسرائيل ليست هي المتهمة الوحيدة بهذا الوضع. فقد اعتمدت هي ايضا على سلسلة تصريحات دراماتيكية لشخصيات رفيعة. هكذا تولد هنا الانطباع المضلل الذي بحسبه فإن المحادثات في فيينا ستنتهي بالتأكيد بنتيجة سيئة لإسرائيل، التي تقريبا من المؤكد ستهاجم المنشآت النووية الإيرانية لوقف هذه المؤامرة. عملياً، الوضع يختلف بشكل واضح. أولا، وضع المحادثات حاسم، لكنه غير نهائي (إسرائيل بشكل عام متناقضة حول نتائجها المرغوب فيها). ثانيا، التهديد بالهجوم لم يعد يثير الانطباع الشديد في العالم، لا سيما بعد كشف الخلافات الداخلية الحادة هنا حول التخلي عن الخيار العسكري ضد إيران في السنوات الاخيرة.
هجوم جوي إسرائيلي على إيران، وهو أمر يخضع، الآن، لنقاش مهني حاد، ربما كان احتمالية واقعية قبل عقد. الآن، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي بتحديث الخطط العملياتية، كما يبدو ستنقضي بضع سنوات قبل أن يتم فحص هذا الأمر بجدية، وحتى عندها ستكون ثمة حاجة لكي يتم بعناية فحص احتمالات النجاح أو المخاطرة بأن يقود الهجوم الى حرب اقليمية، التي ستتعرض فيها الجبهة الداخلية في إسرائيل لضرر غير مسبوق من قبل "حزب الله". بكلمات أخرى، المسدس الذي تلوح به إسرائيل تقريبا هو فارغ من الذخيرة في هذه الاثناء.
بين تسلم إدارة بايدن لمهامها في كانون الثاني الماضي والانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران، جرت ست جولات محادثات بمشاركة إيران والدول العظمى، تناولت العودة الى الاتفاق الذي وقع عليه في العام 2015 والذي انسحبت منه ادارة ترامب في العام 2018. بعد سنة تقريباً بدأت إيران في خرق منهجي للاتفاق، بصورة تقربها، الآن، من إمكانية انتاج القنبلة. فترة التوقف في المفاوضات منذ الصيف الماضي جاءت من آلام ولادة تغيير الحكم في طهران. الرئيس الجديد والمتشدد، ابراهيم رئيسي، أخذ وقته. عندما جاء مندوبو إيران الى فيينا تبين أنه أُملي عليهم خط متشدد. انتهت المحادثات دون اتفاق، وتم عقدها مرة أخرى، أول من أمس، لكن النقاش انتهى مرة اخرى بعد ساعة.
في وسائل الإعلام هناك خلط بين مراكمة كمية كافية من اليورانيوم المخصب لإنتاج قنبلة وبين استكمال العملية، بما في ذلك تركيب القنبلة كرأس نووي متفجر على صاروخ بالستي. انسحاب أميركا من الاتفاق وما حدث بعده قرب إيران اسابيع من الهدف الاول، إذا قررت تنفيذه وتخصيب يورانيوم بمستوى اعلى. في إسرائيل يتحدثون عن استعدادات إيرانية لبدء التخصيب بمستوى عال (90 في المئة)، لكن في هذه الاثناء ليس ثمة خطوات فعلية. تحقيق الهدف الثاني، الرأس المتفجر، يمكن أن يستغرق سنة أخرى أو سنتين. ربما سترغب إيران في الاكتفاء بمكانة دولة حافة نووية، بصورة تحسن قوة مساهمتها للمدى البعيد دون المخاطرة بمواجهة أشد مع الدول العظمى.

معركة أوسع
في إسرائيل ينتظرون. فشل جولة المحادثات الجديدة يمكن أن يؤدي فيما بعد الى تغيير تدريجي في موقف الادارة الأميركية. إذا تبين للرئيس بايدن أنه لا يستطيع اعادة إيران الى الاتفاق الاصلي، وأن مقاربة "أقل مقابل أقل"، أي اتفاق محدود مقابل رفع جزئي للعقوبات، غير واقعية لأنها ستفيد النظام في إيران، قد يوافق على اعادة النظر في الخيارات الاخرى. هذا ما سيحاول أن يقوله وزير الدفاع، بني غانتس، في لقاءاته في نهاية الأسبوع في واشنطن. إسرائيل معنية بعقوبات أكثر شدة، الى جانب إعطاء إشارات أميركية تدل على وجود تهديد عسكري، مثلا، مهاجمة قواعد مليشيات شيعية في أرجاء الشرق الاوسط. الادارة، كما يتبين حتى الآن، تميل الى الإجابة بالسلب.
في الجيش الإسرائيلي يتغلغل، بتأخير معين، الادراك بأن الحديث لا يدور فقط عن نضال ضد المشروع النووي، بل ايضا عن منافسة استراتيجية طويلة المدى مع الإيرانيين. هذه معركة معقدة، وهي غير محددة الزمن، وليس بالضرورة أن يكون هناك حسم واضح في نهايتها. لا تميل إسرائيل الى التفكير بمفاهيم أو فترات زمنية كهذه. ولكن إيران دولة عظمى إقليمية، دولة ضخمة تعمل استنادا الى وعي تاريخي قوي ونظرة مختلفة للزمن. على مدى العقود الأخيرة أظهر النظام المتطرف والوحشي في طهران تسامحا استراتيجيا وقدرة مواجهة مدهشة مع ازمات واوضاع معقدة. المعركة ضد إيران واسعة وهي تمس طبيعة النظام، والميزان العسكري، والسعي للنفوذ الاقليمي (من خلال دعم الارهاب والتآمر). في النهاية هو يمس بطموحاتها النووية التي يمكن أن يرجح تحقيقها الكفة لصالح إيران.
على هذه الخلفية فإن التبجح في إسرائيل بنية اسقاط النظام غير واقعي. من المحتمل أن يكون بالامكان المساعدة في إضعافه. ولكن اذا انهار النظام في النهاية فإن هذا الأمر سيحدث نتيجة عمليات داخلية. ورغم أن خطط القصف جمدت، كما قلنا، إلا أن إسرائيل لم تجلس حقا بهدوء امام إيران في السنوات الاخيرة. في الـ 15 سنة الأخيرة نشر أن العمليات ضد إيران تضمنت اغتيال علماء ذرة، وتفجيرات في منشآت نووية، وهجمات سايبر، وهجمات بحرية ضد سفن إيرانية، وهجمات جوية واسعة على قواعد مليشيات تؤيد إيران في سورية، وضرب منهجي للقوافل التي تهرب السلاح من إيران لـ"حزب الله"، على الاغلب عبر الأراضي السورية.
ما الذي أدى من بين كل هذه الخطوات الى نتائج مهمة؟. شخصيات رفيعة في الإدارة الأميركية طرحت، مؤخراً، ادعاء مهما على "نيويورك تايمز". حسب رأي هذه الشخصيات فإن التفجيرات في نتناز، التي نسبت لـ"الموساد"، حثت إيران على التبكير في عملية التخصيب في المنشأة الاخرى في بوردو، وتحسين الدفاع عن أجهزة الطرد المركزي بحيث لن تنجح إسرائيل حقا في إعاقة تقدم المشروع (بعد الاحداث في نتناز سمعت هنا تقديرات حول تأخير المشروع سنتين وربما عشر سنوات). في حرب السايبر إسرائيل لها تفوق بارز على إيران، لكن حتى الآن ما زالت هي نفسها معرضة للاصابة، كما تم الاثبات، مؤخراً، في الهجمات التي أصابت المستشفيات في البلاد ومواقع تجارية كثيرة. يبدو أن المعركة البحرية تم تجميدها بعد أن اكتشفت إسرائيل أنها تجد صعوبة في توسيع قدرتها على الحماية بحيث تشمل السفن المدنية التي بملكيتها عند ابحارها قرب الخليج الفارسي.
تتعقد الصورة اكثر عندما نصل الى الهجمات في سورية، في إطار المعركة بين حربين. يدعي الجيش الإسرائيلي بتحقيق نجاح كبير في عمليات القصف الموجهة ضد تمركز إيران في سورية. بقي عدد رجال الحرس الثوري في سورية اقل بكثير مما كانت تأمل إيران، وعدد من قواعد المليشيات الشيعية تم نقلها الى الشرق، ودُمّر جزء كبير من السلاح. لولا تدخل إسرائيل لكان الوضع أخطر بكثير. في المقابل، هناك فقط نجاح محدود لتهريب المعدات لتحسين دقة الصواريخ وايضا منظومات الدفاع الجوية المتطورة للبنان.
يبدو أن "حزب الله" يوجد على عتبة القدرة لانتاج ذاتي كبير لمنظومات زيادة الدقة على اراضي لبنان. اعتبر هذا التطور في السابق خطاً احمر. في العام 2022 ستزداد المعضلة الإسرائيلية. فهل يجب علينا مهاجمة مواقع الإنتاج والمخاطرة بنشوب حرب؟ وفي المقابل، هل الأزمة السياسية والاقتصادية الكبيرة في لبنان لا تفرض ضبطاً كبيراً للنفس على مجال عمل "حزب الله"؟

عن "هآرتس"