الانسحاب من الاتفاق النووي مرتبط بمنظومة العلاقات مع إسرائيل
- لم يخدم أحد إسرائيل أكثر منّي؛ فخور بهذا، وبايدن لا يفهم شيئاً
يفتح الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، النار على رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، ويعترف بأن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني كان "مرتبطاً بمنظومة العلاقات مع إسرائيل"، وفيما يلي مقتطفات من المقابلة.
كان مطار ميامي مزدحماً، وبينما في أجزاء أخرى من الشاطئ الشرقي كان الجو بارداً وماطراً كانت درجة الحرارة المتوسطة في فلوريدا في نيسان تصل إلى 27 درجة مئوية، ويتدفق الأميركيون إلى هناك لإجازة الربيع. وصلت إلى زيارة عاجلة لأقل من 24 ساعة. في مقابلة استغرقت ساعة ونصف الساعة مع جارد كوشنر في بيته على الشاطئ في ميامي بيتش. شققت طريقي شمالاً إلى درة تاج الزيارة – لقاء مع دونالد ترامب، الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة. منذ غادر البيت الأبيض، لم يعد الرئيس السابق إلى شقته في برج ترامب في الجادة الخامسة في نيويورك، وهو يقضي معظم وقته في عزبة مار آلاغو (في الإسبانية، "من البحر حتى البحيرة"- المترجم) والتي اشتراها في 1985. هذه العزبة العشرون في حجمها في الولايات المتحدة، وهي تقع على نحو ست دونمات وتضم 128 غرفة ونادياً مغلقاً. في زمن ولايته كرئيس استضاف ترامب هناك رئيس الصين، ورئيس وزراء اليابان، وزعماء آخرين.
في وقت الرحلة شمالاً تلبدت السماء وبدأ يهطل المطر. استقبلني في مدخل الطريق إلى العزبة رجل الخدمات السرية. نظر إلى جواز سفري نظرة خاطفة وسمح لي بالدخول. كان المجال هادئاً. بعد بضع دقائق من الانتظار دخل. ببدلة سوداء، قميص أبيض بلا ربطة عنق وقبعة حمراء، أصبحت رمزه مع شعار "Make America Great Again" على رأسه.
كان لطيفاً ولكنه قصير النفس. "عما يدور كتابك؟"، سأل. بدأت أشرح، ولكن بعد بضع ثوان قاطعني وبدأ في خطاب حول كل ما فعله من أجل إسرائيل، متبلاً كلامه بتهجمات على سلفه في المنصب، باراك أوباما، وعمّن حل محله، جو بايدن، في نقد حاد على الاتفاق النووي مع إيران، في الشكوى من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وبالطبع بذكر متكرر لما يسميه "سرقة الانتخابات" من قبل خصومه الديمقراطيين. وبقدر ما تواصل حديثنا هكذا ذكر المرة تلو الأخرى "الانتخابات المحاكة" وادعى المرة تلو الأخرى بأنه هو الذي انتصر فيها.
الانسحاب من الاتفاق النووي
"لم يفعل أي رئيس من أجل إسرائيل ما فعلته أنا. ولا حتى قريبا مني"، استهل الحديث وبدأ يحصي إنجازاته، مثل نقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة إسرائيل، والاعتراف بالسيادة في هضبة الجولان، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. "هذه مصيبة. الآن يعود بايدن إلى هذه الصفقة لأنه لا يفهم شيئاً. قاتل الإسرائيليون ضد الاتفاق النووي، ولم يستمع أوباما لهم". سألته إلى أي مدى كان قراره الانسحاب من الاتفاق النووي في أيار 2018 نتيجة منظومة علاقاته مع بنيامين نتنياهو. جوابه فاجأني ووفر تلميحاً لحديث سيكون فيه غير قليل من المفاجآت "كان القرار مرتبطاً بمنظومة العلاقات مع إسرائيل – وليس مع بيبي. هذه كانت مشاعري تجاه إسرائيل"، قال ترامب.
على مدى السنوات الأربع تقريباً من ولاية ترامب كان يبدو أن نتنياهو وترامب هما واحد. قريبان، منسقان ومغلقان في حلف لا ينكسر. كشفت المقابلة مع ترامب واقعاً مختلفاً. ليس واضحاً متى بالضبط، ولكن في نقطة معينة في السنتين الأخيرتين من ولايته نشأ شرخ بين ترامب ونتنياهو. لعل هذه كانت "انتخابات الكنيست في نيسان 2019 والتي لم ينجح فيها نتنياهو رغم تأييد الرئيس الأميركي المكثف. لعل هذا كان احتفال عرض خطة السلام في كانون الثاني 2020 في البيت الأبيض والذي في نهايته غضب ترامب من خطاب نتنياهو الانتخابي، ولعل هذا كان إحساسه بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يعطه الإسناد الكافي أثناء الانتخابات في الولايات المتحدة. السطر الأخير هو أن دونالد ترامب، الذي التقيته في نيسان 2021، في مار آلاغو كان مشحوناً. لقد انتظر فقط ليزيح ما في قلبه عن بنيامين نتنياهو.
سلوك نتنياهو
"أحببت نتنياهو جداً"، استهل ترامب. "لكن كانت لنا انتخابات في هذه الدولة التي سرقت وحيكت. بسبب أناس مثل ميتش ماكونيل كانوا أغبياء وضعفاء ولم يقاتلوا في سبيل الرئيس. لم يفعل أحد لنتنياهو أكثر مني. لم يفعل أحد لإسرائيل أكثر مني. الشخص الأول، الذي ركض ليهنئ جو بايدن كان نتنياهو. ولم يهنئه فقط بل فعل هذا في فيلم فيديو"، شدد ترامب.
هدية الجولان
كمثال على الخطوات التي اتخذها من أجل نتنياهو، يذكر لي ترامب قراره الاعتراف بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان قبل بضعة أيام من الانتخابات في إسرائيل في نيسان 2019. "خذ مثالاً الجولان. هذه كانت صفقة كبرى"، قال. "أحد ما قال لي: إن قيمة هذه الصفقة هي عشرات مليارات الدولارات. مثل قطعة عقارات. روى كيف أنه في أثناء البحث مع بعض مستشاريه اتصل هاتفياً بالسفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، وطلب منه أن يعطيه محاضرة "خمس دقائق" عن هضبة الجولان وأهميتها. "أوقفته بعد دقيقة"، قال لي ترامب. "هذا مكان عال، وبالتالي فهو مهم من ناحية إستراتيجية. جلبت هذا لهم. قال لي الناس: إن هذه كانت هدية تساوي عشرة مليارات دولار". كان هذا تماماً قبل الانتخابات، قلت له. "فعلت هذا قبل الانتخابات – وهذا ساعده (نتنياهو) كثيراً. لعل هذا ساعده في أن يحقق التعادل. بمعنى أنه كان سيخسر الانتخابات من دوني وبفضلي خرج متعادلاً. ارتفع كثيراً في الاستطلاعات بعد قرار هضبة الجولان. ارتفع بـ 10 أو 15 في المئة".
ليس واضحاً هل بالفعل رفع قرار ترامب في موضوع هضبة الجولان نتنياهو بـ 10 حتى 15 في المئة في الاستطلاعات. ولكن استطلاع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، الذي أجري قبل نحو أسبوع من الانتخابات أظهر أن 66 في المئة من المواطنين اليهود فكروا مثل ترامب، وقالوا: إن الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان سيعزز مكانة نتنياهو في الانتخابات.
أكثر من كل شيء، ترامب غاضب من تلك التهنئة المصورة لبايدن والتي نشرها نتنياهو. كانت ميلينيا عقيلته هي أول من رأى الشريط ونبهته إليه. "أحببت بيبي. أنا لا أزال أحب بيبي. ولكني أحب الولاء أيضاً"، قال لي. "الشخص الأول الذي هنأ بايدن كان بيبي. فلم يهنئه فقط بل فعل هذا في شريط مسجل. كان يمكن لبيبي أن يجلس صامتاً. ارتكب خطأ رهيباً. خاب أملي منه فقط على المستوى الشخصي".
كل ما حصل نتنياهو عليه من بايدن هو الاتفاق مع إيران. هذا ما حصل عليه منه. "أنا لا أفهم كيف يمكن لليهود أن يصوتوا لبايدن أو لأوباما مع ما فعلاه لهم في الاتفاق النووي. اسمع ما أقوله لك - لو لم آتِ، اعتقد أن إسرائيل كانت ستباد. أوكي؟ أتريد أن تعرف الحقيقة؟ أعتقد أن إسرائيل كانت ستباد حتى الآن".
خمس مرات على الأقل في لقائنا كرر ترامب أن نتنياهو كان أول من هنأ بايدن والشريط والمسجل. من الواضح أنه أهين بذلك عميقاً. "الانتخابات هنا كانت موضع خلاف. وهي لا تزال موضع خلاف... وعندها جاء نتنياهو، وحتى قبل أن يجف الحبر، ليسجل تهنئة لجو بايدن؟" قال لي ترامب بإحباط. "بالمناسبة، في إسرائيل أنا الشخص الأكثر شعبية لأنهم يفهمون. أنا لا أتنافس في الانتخابات في إسرائيل وبالتالي هذا لا يهم، لكني أسمع أن نسبة شعبيتي في إسرائيل تطير إلى السقف".
في مرحلة معينة من الحديث اضطررت لأعدل ترامب، وأشرت إلى أن نتنياهو لم يكن الأول الذي هنأ بايدن. فقد أعلنت قنوات التلفاز الأميركية عن انتصار بايدن في الانتخابات في منتهى السبت، 7 تشرين الثاني. بعد دقائق من ذلك نشر زعماء ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، كندا وآخرون بيانات تهنئة للرئيس المنتخب. أما نتنياهو فانتظر حتى الصباح في الغداة كي ينشر تهنئة مكتوبة، وكذا الشريط الذي يغضب منه ترامب حتى اليوم.
هذا لم يساعد في تهدئة غضب الرئيس السابق، الذي وصل حتى إلى شتائم حادة تجاه نتنياهو. "كان هذا مبكراً. أوكي؟ تعال نصُغ هذا على النحو التالي – هنأه مبكراً جداً. مبكراً أكثر من معظم زعماء العالم. أنا لم أتحدث معه منذئذ. " Fuck him" قال ترامب.
على مدى ولاية ترامب في البيت الأبيض كان نتنياهو يخضع لتحقيقات جنائية على شبهات خطيرة بالفساد. ترامب هو الآخر كان يخضع للتحقيقات – بداية على الاشتباه بالتعاون مع روسيا في التأثير على الانتخابات في 2016، وبعد ذلك في محاكمة التنحية بالكونغرس حول ضغوطه على رئيس أوكرانيا للشروع في تحقيق ضد ابن خصمه السياسي، جو بايدن. في اليوم الذي عرض فيه ترامب خطته للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، رفعت النيابة العامة إلى المحكمة المركزية في القدس لائحة الاتهام ضد نتنياهو في مواد الرشوة، الغش وخيانة الأمانة. بعد أسبوع من عرض الخطة بدأ مجلس الشيوخ بالبحث في تنحية ترامب، الإجراء الذي انتهى بقرار الأغلبية الجمهورية في صالحه.
"هل حصل مرة في أثناء لقاءاتكما أو مكالماتكما الهاتفية أن سألت نتنياهو عن التحقيقات الجنائية ضده؟ سألت. "لم أتحدث في أي مرة معه عن هذا، عما يحصل مع هذا حقاً؟" أجاب ترامب. في هذه النقطة يسعى لأن ينتقل إلى حديث لغير الاقتباس. على نحو 20 دقيقة سأل عن الملفات ضد نتنياهو، وعن تفرعات التحقيق وعن فرصه في المحاكمة. رويت له عن لوائح اتهام نتنياهو. عن السيجار والشمبانيا. عن المفاوضات التي أدارها مع ناشر "يديعوت" نوني موزيس، ضد صاحب الكازينو وناشر "إسرائيل اليوم" شيلدون أدلسون وعن صفقة الرشوة لـ"بيزك" – "واللا". عندما قلت: إن نتنياهو قد يدخل السجن لم يصدق ترامب ما تسمعه أذناه. ذهل لسماع أن المفتش العام للشرطة والمستشار القانوني للحكومة، اللذين عينهما نتنياهو، هما اللذان أدارا ضده التحقيقات ورفعا لائحة الاتهام بموجب ذلك.
اتفاقات إبراهيم
في مرحلة معينة، حين انتقل الحديث إلى مجال الثرثرة، طلب ترامب أن أطفئ جهاز التسجيل. وحين عدنا للحديث لغرض الاقتباس، رويت له عن التأثير الذي كان لاتفاقات إبراهيم عن الجمهور العربي في إسرائيل، والذي أيد الخطوة أكثر بكثير من ممثليه في الكنيست. هذا أضر بالأحزاب العربية في الانتخابات وجعل من الصعب على المعارضة سد طريق نتنياهو، رويت له. "أنقذت له قفاه. أعتقد أن هذا ما فعلته"، قال ترامب مبتسماً. "يا رجل، هذا مضحك جداً". مر حتى الآن نحو ساعة ونصف الساعة منذ بداية حديثنا، وسعى مساعدو ترامب إلى الإنهاء. "السطر الأخير من ناحيته هو أن أحداً لم يفعل لإسرائيل أكثر مني – وأنا فخور بأني فعلت هذا. أنا فخور جداً... لنرَ، قد تكون لي ولاية ثانية. لنرَ ما سيحصل". أتعتزم التنافس مرة أخرى، سألت. "لنرَ ما سيحصل. أنا لا أخطط لأي شيء".
ترامب يتصل
في ساعات المساء من 19 تموز 2021 رن هاتفي. وكان على الخط الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب. أراد أن يواصل الحديث الذي بدأنا به قبل ثلاثة أشهر من ذلك في عزبته في فلوريدا. "ألو؟ أهذا باراك؟ هي، كيف الحال؟ كيف إسرائيل؟ ماذا يحصل في إسرائيل؟" سأل فور بدء الحديث بينما يحاول الحديث بلهجة إسرائيلية. "هيا نتحدث لعشر دقائق. أكثر من هذا لا يوجد ما يضاف. هذا ليس موضوعاً معقداً. الاتفاق النووي رهيب. العودة إلى الاتفاق النووي ستكون رهيبة".
في لقائي مع ترامب في مار آلاغو، في نيسان 2021 هاجم نتنياهو بحدة. في ذاك الوقت كان انعدام اليقين السياسي عظيماً، ولم يكن واضحاً إذا كان ممكناً تشكيل حكومة أم أن إسرائيل تسير إلى انتخابات خامسة. أما حديثنا الهاتفي في تموز 2021 فجرى بعد التحول السياسي.
كيف تشعر بالنسبة لنتائج الانتخابات في إسرائيل وحقيقة أن نتنياهو لم يعد رئيس وزراء؟ سألت ترامب.
في ضوء أقواله عن نتنياهو في لقائنا السابق، اعتقدت أنه سيشمت برئيس الوزراء السابق. لكن لمفاجأتي، نبرته تجاه نتنياهو كانت أكثر لطفاً. "أتدري، كان هو في المنصب لزمن طويل"، قال لي ترامب. "هو شخص أستطيبه، ولكنه كان في المنصب لزمن طويل. الناس غضبوا منه جداً حين كان الأول الذي اتصل لتهنئة بايدن". ذكّرت ترامب أنه كان هو أحد الأشخاص الذين غضبوا. "نعم، إذا كنا نريد أن نكون نزيهين، فإني لم أتحمس لهذا"، قال. "لا أحد، باستثناء رئيس وزراء إسرائيلي واحد أو اثنين فعل من أجل إسرائيل أكثر من الرئيس دونالد ترامب. انظر الجولان. الناس لم يتحدثوا عن هذا لأنهم اعتقدوا أن هذا ليس للبحث. والقدس والسفارة التي بنيتها بالثمن الأدنى الممكن وفي مكان أفضل من ذاك الذي كان لنا، ولم يفكر أحد باستخدامه. لكن الأمر الأكبر الذي فعلته لم يكن الجولان أو القدس، بل إنهاء الاتفاق النووي مع إيران. هذا هو الأمر الأكبر الذي فعلته".
اتفاقات إبراهيم كانت الإنجاز الأكبر لترامب في مجال السياسة الخارجية. كانت هي الموضوع الوحيد في الإجماع بين الديمقراطيين والجمهوريين في أثناء ولايته. كيف تعتقد أن الناس سيحاكمون الاتفاقات بعد 50 أو 100 سنة؟ سألته. "أعتقد أنهم سيحاكمونها بشكل إيجابي جداً"، قال. "لم يعتقد أحد أن هذا ممكن. جلب الإمارات، التي هي دولة قوية وزعيمة في المنطقة، ليطبعوا العلاقات مع إسرائيل. كان هذا أمراً رائعاً. لو انتهت الانتخابات بالشكل الذي كان ينبغي لها أن تنتهي عليه فإنني أعتقد أننا كنا سنكمل الصفقة لأننا كنا سنضيف دولاً كثيرة". لا أعرف إذا كان بايدن يمكنه أن يضيف دولاً. لا أعرف إذا كانت لديه القدرة على ذلك. سألته ما هي النصيحة التي كان سيعطيها لبايدن عن اتفاقات إبراهيم. "كنت سأقول له التقِ مع دول كثيرة – وهم سيوقعون لك على الاتفاق مثل الكعك الطازج الذي يباع بسرعة"، أجاب ترامب. "هم تعبون من الحروب. المنطقة ممزقة بشكل تراجيدي على مدى الكثير من السنوات قبل الكثير من تدخل الولايات المتحدة في المنطقة".
تدخل مساعدو ترامب مرة أخرى في الحديث وذكروه بأنه ينتظره أناس للقائه. "آمل أن أراك قريباً في إسرائيل"، قلت له. "أترقب ذلك"، أجاب. "أطلعني عما يحصل بالكتاب. إلى اللقاء".
عن "يديعوت"