كان العالم الأميركي هيو إيفريت أول من اقترح فكرة الأكوان الموازية العام 1954، ولم تجد فكرته حينها أي قبول من المجتمع العلمي، حيث ادعى وجود أكوان أخرى موازية للكون الذي نعيش فيه، وهي منبثقة منه ومتفرعة عنه، والحياة عليها تشبه حياتنا، ولكن بصور مغايرة، أي بنسخ أخرى، وبمآلات مختلفة.. أتت فرضيته للإجابة عن سؤال «عدم اليقين» الإشكالي في ميكانيكا الكم، والتي تقول، إن فوتون الضوء يتصرف كمادة وكموجة في آنٍ معا، وهذا ما أكده أيضا العالم بور، والذي أضاف، إن مراقبتنا للفوتون هي التي تفرض عليه اختيار وضع واحد
فقط (موجة، أو مادة)، كمثال توضيحي على ذلك: رؤية شخص من بعيد (ذكر وأنثى في الوقت ذاته)، وعند مقابلته عن كثب سيُجبر أن يتخذ شخصية واحدة فقط (ذكر، أو أنثى).. بينما يقول إيفريت، إنه لن يكون مجبرا على اتخاذ شخصية واحد فقط، بل إن الكون حينها ينقسم إلى كونين، وفي الكون الأول سيكون هناك شخص ذكر، وفي الكون الثاني شخص أنثى.
ولتوضيح ذلك افترض عالم آخر اسمه شرودنجر وجود قطة في صندوق مغلق مع مادة سامة قد تتناولها بعد نصف ساعة، بعد ساعة سيكون احتمال أنها حية 50%، وأنها ميتة 50%، وطالما ظل الصندوق مغلقا ستكون القطة حية وميتة في آن معا.. لكن إذا فتحنا الصندوق سنعرف بالضبط هل هي حية أم ميتة.. لكن في الأكوان الموازية سنحصل على قطة ميتة في كون، وفي كون آخر على قطة حية.
هذا يعني أن أمام كل احتمال سينقسم الكون إلى أكوان بعدد الاحتمالات الممكنة. أو أنها منقسمة أساسا وما حصل أن كل حدث اختار كونا خاصا به. ويبدو أن هذا الطرح خيالي وغير مقبول (قد يعتبره البعض هَبَل).. حتى أتت نظرية فقاعة الأكوان، أو نظرية التضخم الكوني وقدمت أدلة إضافية على وجود الأكوان الموازية، حيث تقول، إن الكون في لحظاته المبكرة جدا تضخم بسرعة فائقة جدا (تفوق سرعة الضوء بأضعاف)، وأثناء تضخمه تمزق الزمكان، ونشأت فقاعات كونية، نتج عنها عدد لا متناه من الأكوان المنفصلة.
ثم أتت نظرية الأوتار الفائقة ودعمت نظرية الأكوان الموازية. وتفترض هذه النظرية أن أصغر وحدة بناء في الطبيعة ليست الذرة، ولا حتى الإلكترون والكوارتز؛ بل هي حلقات أو خيوط على شكل أوتار فائقة الدقة، وحسب تذبذبها يتحدد سلوك المادة وطبيعتها ونوعها، وهذه الأوتار لها عشرة أبعاد (الأبعاد الأربعة الأولى هي التي نعرفها، والستة الثانية خاصة بعالم الأوتار الفائقة) وهي خارج نطاق رؤيتنا، أو قدرتنا عل تخيلها.
في عالم البعد الأول تكون الأجسام عبارة عن نقاط على خط متصل.. وفي عالم البعد الثاني تتحرك الأجسام ضمن بعدين أفقي وعامودي بمستوى مسطح، وهذه العوالم افتراضية وخيالية، وغير موجودة، بل مستحيلة الوجود، لأن ثنائية الأبعاد تعني أن ارتفاع الجسم يجب أن يكون صفرا.
العالم الحقيقي والذي نعيش فيه هو عالم ثلاثي الأبعاد. أو على الأقل نعرف فيه ثلاثة أبعاد فقط، حتى أتى أينشتاين وعرّفنا على البعد الرابع، وهو الزمن، في هذا العالم يتشابك الفضاء والزمان ببعضهما، مكونين نسيجا يسمى «الزمكان»، بحيث تتحرك الأجسام في بُعد الزمن، أي أن الحركة تحتاج وقتا، وباتجاه المستقبل، وتستحيل العودة إلى الماضي.
حسب نظرية الأوتار الفائقة، يوجد بعد خامس، وهو بُعد الاحتمالات الممكنة، ويخضع لقانون السببية، أي أن لكل شيء سببا ومسببا، وكل فعل هو ناتج عن فعل سبقه، وهنا توجد فقط الاحتمالات التي تم اتخاذها، وتختفي الاحتمالات التي لم يتم اختيارها.
البُعد السادس: بُعد فضاء الإمكانيات المحتملة، ويمكن فيه التنقل بين الأزمنة.. أي رؤية الاحتمالات التي كانت ممكنة، ولم تحصل. وهذه الأبعاد الستة الأولى خاصة بكوننا، وهي مجرد نقطة في البعد السابع، حيث الأكوان المتعددة، ولكل كون قوانين فيزيائية مختلفة، وشروط مبدئية مختلفة، في البعد الثامن نرى جميع الأكوان كشبكة مسطحة ببعدين.
حسب قوانين الفيزياء المعروفة فإن السفر في الزمن نحو الماضي أمر مستحيل.. فبالإضافة للعائق الفيزيائي (بحسب قوانين النسبية) لدينا أيضا المعضلة الفلسفية الأشهر، وهي معضلة قتل الجد.. ومختصرها أنه لو تمكن شخص من العودة إلى الماضي، وقابل جده وقتله، حينها لن ينجب والده، وبالتالي لن يأتِ هو نفسه!
لكن فرضية الأكوان الموازية لها رأي آخر، حيث تقول بإمكانية التنقل بين الأزمنة، وفي ردها على استحالة السفر للماضي، فذلك لأن قوانين الفيزياء التي نعرفها تفترض أن خط الزمن متصل، وبالتالي أي متغير بسيط على هذا الخط سيؤدي إلى سلسلة تغيرات مستقبلية، مثل تأثير الدومينو، أو أثر الفراشة، بينما الزمن ليس خطا متصلا يشمل كل أجزاء الكون بالتساوي، بل لكل شخص، ولكل جسم زمنه الخاص به (وهذا أيضا حسب النظرية النسبية) فالأزمنة هنا منفصلة، وبالتالي الأكوان متعددة.
فإذا أراد شخص ما تغيير حاضره ومستقبله، أن يصبح ثريا مثلا، فعليه السفر في البعد الخامس والعودة إلى الماضي وتغيير خياراته السابقة، كأن يختار استثمارا مربحا، وهنا لأن خط الزمن متصل، فإن هذا التغيير في الماضي سيضمن له تغيير المستقبل. ولكنه لو سافر في البعد السادس، أي إلى كون مواز آخر، فما عليه إلا اختيار العالم الذي تعيش فيه شخصيته الثرية أصلا، أي التي اختارت الاستثمار أساسا.
تبدو هذه الفرضية مجرد ترف فكري، وهي لحد، الآن، غير مثبتة بأدلة قطعية، فيزيائيا قد تكون مستحيلة، لكنها رياضيا ممكنة، بل ومنطقية جدا.. ولا يعني عدم تبنيها من المجتمع العلمي، أو تعذر إثباتها بأدلة دامغة أنها نظرية فاشلة، أو خاطئة.. فكثير من الفرضيات رُفضت بداية، واحتاجت سنوات عديدة حتى برهن عليها علماء آخرون.
إذا اقتنعنا بأجزاء منها، من الممكن تخيل عوالم مدهشة: أن يكون لك عدد من النسخ موزعة في كواكب أخرى، ستجد نسخة منك ثرية في كوكب، وبائسة في كوكب آخر.. في عالم آخر اخترت مهنة أخرى، وسافرت إلى بلد بعيد، وكونت عائلة مختلفة، وفعلت ما كنت تشتهي فعله، ولم ترتكب أخطاءك الفادحة.. وما لا حصر له من الاحتمالات.
ماذا ستقول حين تقابل إحدى شخصياتك الأخرى؟ هل ستقنعها بتبني خيارات معينة؟