صحافيو سماعات الهواتف!

توفيق أبو شومر.jpg
حجم الخط

بقلم: توفيق أبو شومر

منذ أيامٍ قليلة وردتني المكالمة الهاتفية التالية من أحد الإعلاميين:
نحتاج تعليقك على خطة رئيس وزراء إسرائيل، نفتالي بيينت الجديدة؟
رددتُ: لم أتابع الخطة بعد، قال: ما رأيك أن أسرد عليك ملخصها، ثم تُعلِّق أنتَ؟!
رددتُ: كيفَ تقبل وأنت صحافيٌ في وسيلة إعلام بارزة أن أفعل ذلك؟! لأنني حين أُلبي طلبك سأعلق على فهمك أنت للخطة، وليس على الخطة، أعتذر عن تلبية طلبك، فأنا لا أقبل أن أكون مجموعةً من السطور المكتوبة في تقريرك (المنسوب) للصحافة!
ازدهرت هذه الأيام مهنة صحافة الاتصالات الهاتفية، في معظم الصحف الورقية والإلكترونية، هذه الحالة الشائعة هي مهنة الصحافيين العاملين من غرف نومهم، أو من مكاتبهم، ممن يتحولون من صحافيين يطاردون الأخبار إلى جامعي أخبارٍ وآراء مُقعدِين، يستمعون للتعليقات بآذانهم، ولا يُشاهدون انفعالات القائلين، ثم يقومون بإعادة صياغتها بأسلوبهم الخاص.
لا أحد يُنكر أنَّ الاتصالات الهاتفية ضرورةٌ إعلامية في كثيرٍ من الأحيان، ولا سيما حين يتعذر اللقاء الشخصي، كما أن اللقاءاتِ الصحافيةَ عبر الهواتف موضوعٌ مُقرَّرٌ في كتب الصحافة الأكاديمية لإثراء الحقائق، لكنه، اليوم، هو الأكثر انتشارا، بسبب كثرة وسائل الاتصال وسهولتها، لذا فإن التنافس على السرعة في نقل الخبر أصبح مُقدَّما على الدقِّة والمصداقية!
أصبحت صحافة الهواتف هي الطبق الشعبي الشائع بخاصة، بين الصحافيين غير الأكْفاء، فظهرت سلبياتُها واضحةً!
من أبرز المظاهر السلبية عند صحافيي سماعات الهواتف أنهم يقومون بإعادة صياغة الأقوال بأسلوبهم الخاص، وفق الموضوع المطروح، هنا تقع أخطاءٌ عديدة، وقد تكون في كثير من الأحيان جسيمة.
هناك طائفةٌ من هؤلاء يرتكبون أفدح الأخطاء، حين يُضيفون إلى أقوال ضيوفهم جملاً لم يقولوها، لغرض الإثارة، وجذب أعداد كبيرة إلى مواقعهم الصحافية، ووسائل إعلامهم، هؤلاء يرتكبون جريمة صحافية، مع سبق الإصرار والترصد!
هناك أيضا فئةٌ أخرى تَكثُر في مجال صحافة الأحزاب السياسية، حين يقومون بعملية تقريب الأقوال إلى وجهات نظر الأحزاب التي يعملون فيها، بغض النظر عن السياق الذي قيلت فيه، وقد تكون تلك الأقوال لا تمتُّ بصلة إلى مضمون الحديث، وهذه جريمة صحافية أخرى!
تكثرُ الأخطاءُ عندما يكون الصحافيُ غيرَ مثقفٍ، لم يُطور نفسه ثقافيا، حين يعجزُ عن فهم مدلول جوهر المقابلة عبر الهاتف، يهرب من هذا النقص، فيلجأ إلى التحوير والتزييف!
تنتشر حالات التزييف أيضا عند الصحافيين (الموظفين) في القطاعات الحكومية والحزبية السلطوية، هؤلاء يخشَون على وظائفهم وعلاواتهم التشجيعية، فيلجؤون إلى التحريف لإرضاء مسؤوليهم، وإظهار الدعم لأحزابهم، بغض النظر عن جوهر التعليق والمصداقية!
تعمد طائفةٌ أخرى من الصحافيين إلى ارتكاب جريمة صحافية أخرى، حينما يقتطعون الجمل والمفردات من سياقها، وينشرون الأقوال مجتزأةً من سياقها العام، هذا النمط يكثر في صحافة المراسلات التلفزيونية والفضائية، حتى بصوت وصورة الضيف، لأن المُراسِل الصحافي يسجِّلُ المقابلة كاملة، بالصوت والصورة ثم يُرسلها إلى محطته الفضائية، وعندما تصل إلى المسؤول الأول، الرقيب في المحطة الفضائية، فإنَّ هذا الرقيب يعمد إلى اقتطاع ما يشاء منها، بما يخدم سياسته بحجة ضيق الوقت، فيتحوَّل الضيف المحللُ، أو المعلق، إلى ضحية هذه الممارسة، ويشعر أنه قد خُدع وأُسيء إليه، ما يدفعُه إلى أن يصب جام غضبَه على المراسل الذي أجرى المقابلة الأولى في مادتها (الخام) فيتَّهمه بعملية الاقتطاع والاجتزاء!