نـتـنـيـاهــو يـؤمــن بـحــل "الـدولـتـيــن الـيهـوديـتـيـن" !

a9535eeacc4b5a55fba6496c51ed309a
حجم الخط
هل ألغى أم لم يلغِ صيغة «الدولتين للشعبين» من خطاب بار ايلان؟ هل «يتحفظ» أم فقط يفكر في أنه «في الواقع» الحالي لم تعد الصيغة ذات صلة؟ باختصار، كذب أم لم يكذب، حين فرض على شفتيه الإعلان عما لا يؤمن به؟ كذب في حينه أم كذب الآن، مثلما درج المحامون على ازعاج الشهود؟ غير ان الخلاف ليس على البيضة، التي لم تفقص فقط، بل لا توجد حتى دجاجة لتبيضها. إذ «في الواقع»، كما يعرفه بنيامين نتنياهو، لم يعد مكان لصيغة «دولتين للشعبين»، وأساساً لانه لا يوجد شريك فلسطيني، ولا يوجد شريك لان محمود عباس ارتبط بـ «حماس»، وتجرّأ على الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية.
وماذا كان من قبل، قبل المصالحة بين «حماس» و»فتح»، وقبل انضمام فلسطين الى المحكمة؟ ست سنوات مرت منذ الاعلان الذي «هز الأركان» وكل سنة انتهت بلا شيء. إذ في الواقع الحقيقي يوجد منذ الان اكثر بكثير من دولتين. يوجد دولتان يهوديتان، الأولى في «المناطق» والأخرى داخل الخط الأخضر الباهت، وتوجد دولتان فلسطينيتان، الأولى معترف بها جزئيا من الأسرة الدولية، والأخرى لا تزال منقسمة بين غزة والضفة. وبين الدولتين اليهوديتين يدور صراع ايديولوجي طويل السنين على الشرعية، فيما يدور الصراع بين الفلسطينيتين على السيطرة. وعلى نحو يتعارض مع الخلاف اليهودي، فان الشرخ الفلسطيني يوجد بالتوازي مع فهم مبدئي متفق عليه، في أن غزة والضفة هما دولة واحدة. ليس فقط لان هكذا كتب في اتفاق اوسلو، بل لأنه في هاتين المنطقتين يسكن شعب واحد، ذو لغة وثقافة واحدة، تاريخ مشترك، وتطلع مشابه للاستقلال.
وبالمقابل، لم تندمج الدولتان اليهوديتان بعد في كيان واحد. سور دقيق، قومي، ديني وثقافي، لا يزال صامداً في مواجهة الراجمات الثقيلة التي تطلق عليه. دولة المستوطنات تسير حسب قانون، رسمي وغير رسمي، خاص بها. وهي تفرض ثقافتها القومية على والدتها التي في الخط الاخضر، «أراضي الدولة» التي خلف الخط الاخضر لا تعود إلا لها، ميزانياتها تقضم بعشوائية ميزانيات الدولة الأم، ولغتها السياسية مسيحانية بلا مساومة.
وإذا كانت دولة المستوطنين استجدت في الماضي الشرعية من الدولة التي ولدتها، «للاستيطان في القلوب» والاقناع بان «»يشع» هي هنا»، في كفار سابا وفي تل أبيب فبعد قرابة خمسة عقود باتت دولة الخط الاخضر هي التي تسعى للحصول على الشرعية من دولة المستوطنين. هوية مواطني دولة اسرائيل (الشرعية والمعروفة) آخذة في البناء حول مسألة هل سيوافقون على أن تضم دولة المستوطنين اليها اسرائيل وتلقي عليها بقوانينها. هذه لم تعد مسألة حدود ومناطق، كتل معترف بها او غير معترف بها، بل اختبار الهوية التي ينبغي ان تجتازه سواء الصهيونية أو اليهودية، اذا كانتا تريدان ان تكونا ذات صلة «بواقع» نتنياهو. كما أن هذا اختبار المواطنة الصحيحة، بمعنى هل الاسرائيليون اليهود هم مواطنو دولة حسب تعريفها الدولي، ام مواطنو رؤيا، تصاغ في عوفرا وفي الخليل.
هنا يكمن هراء المناكفة حول صيغة «الدولتين». وذلك لان الخلاف على التاريخ ثانوي لمسألة الهوية، والذي من أجل الاجابة عليه ينبغي الاجابة على سؤال الى اي من الشعبين اليهوديين ينتمي المواطن اليهودي الاسرائيلي: للقسم الذي «فقد يهوديته» والذي ميزة يهوديته هي الاستعداد للتنازلات، أم الى «القسم الأصيل» الذي يعد الهذيان المسيحاني لديه هو الواقع.
هذا هو النجاح الاكبر لدولة المستوطنات، والذي جعل «صيغة الدولتين» ورقة اختبار للهوية اليهودية، هذا هو السؤال الذي يطالب مواطنو اسرائيل بالاجابة عليه عند مجيئهم للتصويت. إذ ليس الحل السياسي هو الذي يقف في مركز الانتخابات هذه المرة، بل سواء عقل الهوية المدنية وتعزيز السور الذي يفصل بين الدولتين اليهوديتين.

عن «هآرتس»