من الصعب فهم انقضاض اليمين، في الحكومة وخارجها، على وزير الأمن الداخلي، عومر بار – ليف، الذي قال لنائبة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند: إن إسرائيل تنظر بخطورة لعنف المستوطنين في الضفة. ما هو مكانهم في هذه الأقوال؟ هل سكان المستوطنات غير العنيفين لا ينظرون بخطورة لعنف رجال "تدفيع الثمن" والزعران اليهود، الذي يكون في بعض الأحياء أيضاً تجاه جنود الجيش الإسرائيلي؟ لم يقل الوزير بار – ليف: إن جميع المستوطنين أو معظمهم عنيفون، بل قصد في أقواله أشخاصاً يوجدون في المستوطنات يعرفون من هم. هذا النموذج للانقضاض على من ينتقد جهات عنيفة ومتطرفة من أوساط المستوطنين غير جديد. عندما تحدث نائب رئيس الأركان السابق، يائير غولان، عن "عمليات تثير القشعريرة" فقد قصد، ضمن أمور أخرى، العملية التخريبية في دوما، التي قتل فيها عميرام بن إليئيل الزوجين وابنهم، ابن السنة ونصف السنة، عبر إلقاء الزجاجات الحارقة داخل بيتهم. منذ ذلك الحين تحول عضو الكنيست غولان إلى أحد الأشخاص المكروهين في أوساط اليمين، وكل ذلك لأنه وضع مرآة عكست هذه الجهات الخطيرة والعنيفة.
أيضاً رئيس الدولة السابق، رؤوفين ريفلين، تعرض لانتقاد شديد عندما تجرأ على القول: "أبناء شعبي اختاروا الإرهاب وفقدوا صورة الإنسان"، بعد العملية التخريبية في دوما. "طريقهم ليست طريقي". وبدلاً من الوقوف إلى جانبه في تصريحه هذا اختارت جهات من اليمين مهاجمته ووصفته بأنه يساري.
يقول المنطق: إن من يريد أن يبني ويطور مشروع الاستيطان سيكون هو أول من يدين وينتقد هذه الجهات العنيفة. من يريد أن يستوطن القلوب يجب عليه لفظهم من داخله، وأن يعمل ضدهم ويطالب بمعاقبتهم. عندما يهب عضو الكنيست، بتسلئيل سموتريتش، ووزيرة الداخلية أيليت شاكيد، ووزير الأديان نتان كهانا، كرجل واحد ضد تصريح بار – ليف، هم يقومون ببث رسالة استخفاف بعنف المستوطنين. بدلاً من أن يقوموا بالتمييز المطلوب بين الأغلبية الاستيطانية غير العنيفة وبين الأقلية التي تمارس في تلال "السامرة" كل ما يخطر ببالها، هم يدخلون الجميع في المربع ذاته. هذا بمثابة هدف ذاتي، وهو يثير الاستغراب: هل يعقل أنهم لا يتحفظون حقاً على هذا العنف؟ هل هم يستخفون به ويعتبرونه جزءاً من قواعد اللعب في المناطق التي عانت من العمليات والطعن على الحواجز والقتلى والمصابين في الجانب اليهودي؟ نوع من توازن الرعب الذي فيه ذات مرة يدفع المستوطنون الثمن وفي مرة أخرى يقومون بتدفيع الثمن؟ هل هذه رؤيتهم؟ هذا خطير بشكل خاص. هم فعلياً يقبلون واقع "يهودا" و"السامرة" كمنطقة سائبة فيها كل واحد يمكنه أن يأخذ القانون بيده. يوجد في "المناطق" جيش كبير وقوي يسيطر عليها. هو يمتلك هناك آلاف الجنود وقطع السلاح والمخابرات، وليس بحاجة إلى مساعدة المشاغبين، الذين فقط يزيدون التوتر ويخلقون المزيد من ساحات الاحتكاك والأخطار الأمنية.
العنف من جانب المستوطنين لا يمس فقط العرب، بل يمس أيضاً دافعية وتعاطف جزء من جنود الجيش الإسرائيلي تجاه هذه الجهات، وربما أيضاً تجاه مشروع الاستيطان كله. "جيش الشعب" يرسل إلى "يهودا" و"السامرة" جنوده وضباطه للدفاع عن المستوطنين والحفاظ على النظام العام هناك.
عندما يغمض سياسيون من اليمين عيونهم أو يتجاهلون عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين وأملاكهم وضد جنود الجيش الإسرائيلي، فإنهم يضعفون جنود الجيش الإسرائيلي، ويضعفون قدرة إسرائيل على الدفاع عن مشروع الاستيطان وتبريره ومكافحة المقاطعة المفروضة عليه. الغمز للقاعدة (بقدر ما يوجد لـ"يمينا" كهذا) لا يمكن أن يأتي على حساب مقولة واضحة للسياسيين، بالتأكيد على أن مثل أولئك الذين يجلسون في الحكومة لا يوافقون بأي شكل من الأشكال على عنف المستوطنين وأنهم لا ينوون الدفاع عنه. الوزيرة شاكيد والوزير كهانا يفعلان العكس بالضبط.
عن "هآرتس"