كيف نواجه العمليات «العفوية» في إسرائيل وخارجها؟

20151103204915
حجم الخط

  تحليل سابق للعمليات العفوية والتحقيق مع عدد من منفذي العمليات الذين تم القبض عليهم وضعا تصورين أساسيين من الممكن أن يساعدا في بلورة رؤية جديدة. التصور الاول، هو الشخصية الاساسية للمنفذ، والتصور الثاني، هو تصرفات المنفذ قبل العملية وقريبا منها. التحدي الاستخباري الرئيسي هو خلق منهجية مناسبة للكشف عن المنفذين العفويين في وقت مبكر على قاعدة تكنولوجية موجودة وتمت ملائمتها. على هذه المنهجية يجب الاستناد الى عدة عناصر: توصيف شخصية المنفذ المحتمل، وانتمائه لمجموعة خطرة محددة، تصنيف مجموعة الخطر وفقاً للانتماء المجتمعي والفكري، فحص الأعمال الحديثة في العالم المادي والفضاء الالكتروني. هيئات الاستخبارات والأمن في العالم يمكنها ان تواجه هذا التحدي الهش بملائمة القدرات التكنولوجية والعملياتية الموجودة وايضا مقاومة الارهاب العفوي. ولكن المعايير القضائية والاخلاقية من المتوقع ان تضع عراقيل امام امكانية تنفيذها.
السمة البارزة للعديد من العمليات، التي تم تنفيذها مؤخراً في البلاد وفي العالم من قبل مجموعات اسلامية، هو انها عمليات مستقلة، عفوية، وغير مخطط لها، من قبل المنفذين. واحيانا يطلق على هؤلاء المنفذين «الذئاب المعزولة». فعلى عكس اسلوب النشاطات المعروفة للعمليات الانتحارية، فإن المنفذ العفوي يعمل بدون دعم لوجستي، استخباري او عملياتي، وكذلك بدون توجيه من خلية او جهاز منظم. لهذا السبب فإن الظاهرة تضع تحديا فعليا امام الاجهزة الامنية في الدول، التي تم فيها تسجيل ارتفاع في معدلات العمليات العفوية. خاصة في اسرائيل وفي الغرب بشكل عام.
نظرية الاحباط المسبق التي طورتها اسرائيل على ايدي جهاز الامن العام، والتي ركزت على العمليات الانتحارية، تستوجب مقدرة استخبارية شاملة، استندت على الافتراض بأن معظم العمليات تتم بتوجيه من قبل موجهين وبمساعدتهما. في غالب الحالات وجدت سلسلة عملياتية ولوجستية داعمة، خلقت الشروط للتنفيذ لدى المنفذ. بسبب هذه الشروط: التزود الاستخباري بخصوص الهدف، ربط العبوة الناسفة او الوسائل القتالية الاخرى المطلوبة من اجل التنفيذ. تدريب المنفذ، نقله الى محيط الهدف، تأمين المساعدة لعائلته من اجل إقناعه بأنه سيكون هناك من يعتني بها بعد قيامه بمهمته. الجهاز العملياتي واللوجستي هذا يزود الاجهزة الامنية بإمكانية جمع المعلومات الاستخبارية المسبقة، وتقدير صورة التهديد، ولاحقا العمل لاحباط العملية عبر الوسائل التنفيذية. الى جانب وسائل الاحباط الاخرى مثل جدار الفصل، ساهمت منظومة الاحباط هذه كثيرا في تقليص العمليات الانتحارية التي وقعت في السنوات الاخيرة.
وفي مقابل ذلك فإن احد السمات الرئيسية للعمليات العفوية، مثال عمليات الدهس التي وقعت في الاشهر الاخيرة في القدس وفي غوش عتصيون، او الهجوم على المقهى في سيدني، في استراليا، في كانون الاول 2014 وكذلك الاعتداء على افراد الشرطة بالسكاكين في نيويورك، في تشرين الاول من العام ذاته، كان غياب التوجيه الخارجي والبنية التنظيمية التحتية للاتصالات. 
منفذو العمليات عملوا انطلاقا من الدافع الذاتي- على ما يبدو لإان ذلك مستوحى من عمليات خلايا منظمة، ولكن ليس بتوجيه من هذه الخلايا او عبر علاقة مباشرة معها. التعامل مع مثل هذا التحدي من العمليات يستوجب ملائمة نظرية الاحباط لتحديد تشكيل وسائل استخبارية وعملياتية محدثة. التحليل المسبق في العمليات العفوية والتحقيق مع عدد من المنفذين الذين القي القبض عليهم اشارت الى وجود سمتين اساسيتين تمكن من بلورة نظرية محدثة. السمة الاولى - هو شخصية المنفذ الرئيسية. ويدور الحديث عن التضامن العميق للمنفذين مع أسس الفكر الاسلامي. هذا المزاج يجد تعبيره، في العديد من الاعمال، وفي الحوار الدائر في شبكات التواصل الاجتماعي بين المنفذين ومحيطهم وروابطهم الاجتماعية، التحقيق مع هذه الروابط يشير الى انه من الممكن تشخيص موجة التطرف الجهادي في اوساط المنفذين، لغرض المتابعة الاستخبارية.
والسمة الثانية – هو تصرف المنفذين قبل العملية وقرب موعد تنفيذها، احيانا يكون الحديث عن ساعات قليلة فقط – انها طبيعة العملية العفوية. التحقيق حول عمليات من هذا النوع اظهرت انه في المدى القصير قام المنفذين بتصرف ما في شبكات التواصل الاجتماعي، وعملوا ترتيبات أخيرة، وانفصلوا عن عائلاتهم واصدقائهم. سابقا، كان من الممكن تفسير هذه النشاطات كاستعداد للعملية وللامكانية المنطقية بانهم لن يعودوا للحياة بعد التنفيذ. تصرفات كهذه من قبل اشخاص، يستجيبون للشخصية الإسلامية المتطرفة، من الممكن ان تكون مؤشرا وشاهدا الى النية بالقيام بالعملية، ولذا يجب ان يتم الاحباط خلال فترة زمنية قصيرة على قاعدة الدمج بين سمتي التصرف هذه، بل من الممكن بناء لمحة عن شخصية المنفذ المحتمل ولوضع حد للخطر الذي يشكله. تنفيذ هذه الرؤية يستوجب الدمج بين قدرتين رئيسيتين. الاولى هي القدرة التكنولوجية، التي تمكن من تتبع وراء المعطيات بصورة مكثفة واعطاء بيانات خلال وقت قصير، بالاضافة إلى قدرة عملياتية للقيام باعتقال وقائي او اعمال احباط اخرى، وذلك وفق جدول زمني آني وسريع.
التأكيد على القدرة التكنولوجية اللازمة ليس جديدا. احباط عمليات مالية عبر الانترنت، على سبيل المثال، يستوجب شركات تجارية تمتلك (BIG DATA) لايجاد طرق للتقليل من الظاهرة. مثلا، فإن مراقبة  بطاقات الائتمان يستلزم وسائل جمع بيانات وتحليلات خلال جزء من الثانية، عبر استخدام وسائل متطورة، واحتساب نشاطات بطاقات الائتمان الغريبة التي تتطلب تدخلا او وقفا لعمليات تحويل مشبوهة. تكنولوجيا من هذا النوع تستخدم حاليا لاغراض امنية بهدف جمع المعلومات الاستخبارية. تسريبات ادوارد سنودن جعلت من الممكن تصور عظمة وسعة امكانية جمع المعلومات من الانترنت من قبل الولايات المتحدة، ووسائل الاتصال الاخرى. اساس الجهد الذي يستخدم في اكتشاف النوايا لتنفيذ العمليات العفوية ومن اجل احباطها يكون عبر تحليل استخباري للعمليات المرتبطة بالانترنت في وقت الحقيقة.
ثمة قضية اخرى ذات علاقة، هي الجوانب الاخلاقية والقانونية لمنظومة الاحباط الموصى بها. بدون شك، فإن الهيئات الاستخبارية والامنية في العالم الغربي بإمكانها مواجهة التحدي المتعلق بالدمج بين الملائمة بين القدرة التكنولوجية والعمليات الموجودة في النضال ضد الارهاب العفوي. ولكن المؤشر القانوني والاخلاقي لتنفيذها من المتوقع ان يشكل عائقا امام حقيقة ايجادها. بناء شخصية الخطر الذي يشكله المنفذ المفترض وتنفيذ اعتقال احترازي على هذا الاساس، تثير – بطبيعة الحال – معارضة، ويمكن تأويل التفتيش كسيطرة «للاخ الاكبر» بين المواطنين، وانتهاك الخصوصيات سيكون من الصعب ابتلاعه. ومن جهة اخرى، فإن التغلب على المنفذين المحتملين يستوجب مواجهة غير اعتيادية، حتى ولو نجم عنها الحاق الضرر بالخصوصيات. علاوة على ذلك فإن المواجهة العامة مع المشكلة لا يمكن ان تكون جهد دولة واحدة فقط – مهما كانت متطورة وصاحبة موارد. المطلوب جهد مشترك من قبل المنظمات الامنية في الدول، للمواجهة الجماعية للتحديات المشابهة. اسرائيل كدولة ذات قدرة تنفيذية واستخبارية متطورة وقدرة تكنولوجية مؤثرة، بإمكانها ان تكون شريكاً، ومن الممكن ان تقود اجراء لتطوير نظرية إحباط دولية مناسبة. 
 عن «مباط عليا»