هآرتس – قد تكون اسرائيل بحاجة للسعي الى “زيادة صخب النزاع”

حجم الخط

بقلم شاؤول ارئيلي –

مفهوم “تقليص النزاع” الذي استخدمه رئيس الحكومة نفتالي بينيت يعمق الفجوة بين خطاب حكومة اسرائيل وبين سياستها الفعلية. بينيت يذكر اكثر فأكثر بالايام الاولى لرئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، الذي عرف كيف يوفر للادارة الامريكية مظهر خارجي من الاستعداد للمفاوضات وحل النزاع، لكن فعليا فعل العكس، مثلما اعترف لاحقا. نحن نأمل أن لا يتم اغراء بينيت ليعلن عن “ضم تدريجي ليهودا والسامرة”. 

الفشل في تطبيق هذا المفهوم يكمن في عدم تعريف النزاع كنزاع قومي بين شعبين، والتعامل معه بمفاهيم العنف والضائقة الاقتصادية. النزاع هو على حق تقرير المصير لكل شعب من الشعبين في وطنه، ارض اسرائيل وفلسطين، طبقا لقرارات المجتمع الدولي وليس حسب حجم الناتج القومي الاجمالي الفلسطيني أو طبقا لعدد الفلسطينيين الذين يعملون في اسرائيل. حل النزاع هو ثنائي: إما أن اسرائيل، استمرارا للاعتراف الدولي الذي يرتكز على قرارات الامم المتحدة 242 و338، تعترف بحق الشعب الفلسطيني كما اعترفت م.ت.ف بحقها في اعتراف متبادل، وتمكن من اقامة دولة فلسطينية مستقلة، أو لا. هذا الحق ليس مقاس بنطال يمكن تقليصه وتوسيعه حسب نزوات الخياط.

حتى اذا قبلنا بالتفسير الخاطيء بخصوص “النزاع”، أنا اريد طرح عدة تساؤلات، هل شق طرق التفافية لمستوطنات معزولة في قلب السكان الفلسطينيين يقلل الاحتكاك بين المجموعتين السكانيتين؟ هل الهدم الكثيف لبيوت الفلسطينيين في مناطق ج، التي بنيت على اراضي بملكيتهم (لكن بدون مصادقة الادارة المدنية) يساهم في تقليل العنف؟.

هل البناء المخطط لحي عطروت في قلب القرى الفلسطينية في شمال القدس سيقلل الاحتكاك؟ هل البناء في جفعات همتوس وفي جبل ابو غنيم سيساهم في الهدوء الامني؟ هل البناء المخطط له في منطقة “إي 1” (مبسيرت ادوميم) لن يزيد الانشوطة الخانقة التي تربطها اسرائيل حول شرقي القدس، وتفصل بين شمال وجنوب الضفة؟ هل البناء المخطط له في “إي 2” (جفعات عيتام) لن يخنق بيت لحم من الجنوب ويزيد الاحتكاك بين افرات والقرى الفلسطينية المجاورة وبيت لحم؟ هل عمليات الشراء والاعمال التي تتم في سلوان، والاخلاء في منطقة شمعون الصديق، ستساهم في المصالحة بين الشعبين؟ هل الدفع قدما بآلاف الوحدات السكنية الجديدة التي معظمها في المستوطنات المعزولة، سيساهم في الاستقرار؟.

ايضا هل تعيين وزير مخصص للاستيطان سيحسن الحوار مع السلطة الفلسطينية؟ هل الدفع قدما بقانون “الاستيطان الشاب” الذي يتطرق لعدد من الـ 135 بؤرة استيطانية غير قانونية، التي جزء منها على اراضي بملكية فلسطينية وجزء منها تعهدت الدولة باخلائه امام الامريكيين وامام المحكمة العليا، لكنها لم تفعل ذلك، يقلص النزاع؟ هل مواصلة بناء الـ 70 مزرعة، التي جزء منها مقام على اراضي بملكية فلسطينية، والتي جزء من الرعاة فيها ينزلقون بشكل متعمد الى اراضي رعي وزراعة الفلسطينيين، ستقلص الاحتكاك؟.

هل عنف جزء من المستوطنين، الذي وصل الى ارقام قياسية جديدة في السنتين الاخيرتين، يساهم في التهدئة على الارض؟ هل بينيت اعلن لمنفذي الارهاب اليهودي أنه ينوي القضاء على تحقيق هدفهم وهو زيادة الاحتكاك والعنف من اجل احداث مواجهة واسعة النطاق التي في نهايتها، كما يحلمون، يقوم الجيش بطرد الفلسطينيين الى الاردن (“نكبة ثانية”)؟. إن غياب الجهد والاستعداد لمواجهة المشكلة الحقيقية يؤدي الى اتخاذ خطوات غير منطقية. احدى “التسهيلات” التي اتخذتها الحكومة في اطار سياسة “تقليص النزاع” تشبه الاهمال الامني والصحي. الجدار الامني، الذي استثمر فيه 20 مليار شيكل، تحول الى غربال. كل يوم يجتاز الخط الاخضر الى اسرائيل بدون أي ازعاج اكثر من 100 ألف عامل فلسطيني ليس لديهم تصاريح. هذا الانتقال مريح وسريع الى درجة أن العمال الذين لديهم تصاريح يفضلون المرور في الثغرات التي توجد في الجدار، دون فحص امني ودون البطاقة الخضراء، بدلا من الانتظار في الطابور على المعابر المنظمة، التي استثمرت اسرائيل المليارات في بنائها، وحتى أنها انشأت سلطة للمعابر البرية في وزارة الدفاع لتشغيلها.

حتى لو كان صحيح ادعاء جهات في الحكومة وفي جهاز الامن بأن توفير مصادر الرزق للفلسطينيين سيساهم في الحفاظ على الهدوء الامني فلماذا لا يتم تنفيذ ذلك من خلال رقابة امنية وصحية؟ الحقيقة هي أن اسرائيل تفضل أن يواصل الفلسطينيين كونهم قوة العمل الرخيصة لديها – لأنه ضمن امور اخرى من بين المشكلات الاخرى التي يتسببون بها هي ابعاد العمال العرب من مواطني اسرائيل – بدلا من السماح لهم بتطوير وفلاحة اراضيهم الخاصة التي تشكل ليس اقل من 52 في المئة من المناطق ج، لأنه حسب “خطة التهدئة” لبينيت من العام 2012، يجب على اسرائيل ضمها.

مفهوم “تقليص النزاع” ينضم الى قائمة طويلة من المفاهيم الفارغة والمغسولة للحكومة، ويستبدل مفهوم “ادارة النزاع”. من غير المفاجيء أن من وضعه هو ميخا غودمان، الذي اعترف بأنه يعاني من “كسل اخلاقي” ويعتقد أن “الطريقة الوحيدة للحفاظ على العدالة هي التنازل عن القليل من العدل”. يمكن الافتراض أن من ملت عيونه طوال عقد من رؤية جيرانه الذين يوجدون تحت بيته في قرية الخان الاحمر، يخطيء ايضا في الاهمال الاخلاقي لأنه لا يعرف كيف تطبق اسرائيل فعليا نموذج “تقليص النزاع”. في الحي اليهودي في الخليل مثلا، اسرائيل “قلصت” الاحتكاك عن طريق تحويل مركز مدينة الخليل الى مدينة اشباح مغلقة، تم فيها اغلاق مئات المحلات الفلسطينية، وعشرات الآلاف منهم اضطروا الى الانتقال الى منطقة تقع تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية، وذلك من اجل السماح لحفنة مستوطنين، يتصرفون بشكل عنيف مع الفلسطينيين ومع الجنود الاسرائيليين، بالعيش كأسياد البلاد. 

غودمان يتجاهل أن اسرائيل لا تنفذ في الخليل التزاماتها، مثل اعادة فتح سوق الجملة الفلسطيني، ضمن امور اخرى، بسبب أن بينيت، الذي كان وزير الدفاع، دفع قدما ببناء برج من الطوابق فوق سطح السوق لصالح المستوطنين في حي أبونا ابراهيم. أو ربما أن غودمان بالتحديد يعرف معنى نموذج “تقليص النزاع” و”تعايش مشترك”، ويعتبره الطريقة المناسبة لتطبيق حلمه، الذي بحسبه “بعد عقد اسرائيل ستسيطر على الفلسطينيين بدرجة اقل مما هي الآن”. 

إن كلمتي “تقليص النزاع”، التي تظهر دقيقة، ليست سوى مفهوم فارغ ومغسول ويؤدي الى تطلع بينيت (وغودمان) لارقام قياسية من الانفصال عما يحدث على الارض، عن القضاء الدولي وعن القرارات الدولية وعن القانون الاسرائيلي وعن المعايير الاخلاقية. ربما يجدر بالحكومة التقدم خطوة اخرى والاعلان بأن اسرائيل ستنتقل من “تقليص النزاع” الى “تصخيب النزاع”. هذا ايضا يبدو اكثر اسعادا وهو ايضا يتساوق جيدا مع المواقف الاساسية ومع عالم التشبيهات لرئيس الحكومة، الذي يعتقد أن المشكلة مع الفلسطينيين غير قابلة للحل، وأنه من الافضل العيش مع “شوكة في المؤخرة” من اخراجها، والمخاطرة بالاعاقة – التي يفترض هو وغودمان بأنها ستحدث في أي حالة من حالات حل النزاع واقامة دولة فلسطينية بجانب اسرائيل.