الحالة السياسية الفلسطينية الراهنة وسبل الخروج منها

عبير ثابت.jpg
حجم الخط

بقلم د. عبير ثابت

 

 

 لم تمر القضية الفلسطينية منذ نكبة 1948 بوضع أسوء من الوضع القائم اليوم. فعلى الصعيد الداخلي يبدو الفلسطينيون في أسوء حالتهم بعد أن فشلوا في إدارة خلافاتهم السياسية  وتحولت تلك الخلافات إلى صراع داخلى وانتهى المشهد في حينه قبل عقد ونصف إلى انقسام  سياسي بين شطري وطن هو بالأساس مقسم جغرافيا بفعل قوة الاحتلال الاسرائيلى.   

والأسوء استمرار هذا الواقع الانقسامي طوال هذه السنوات واستعصاءه على الحل؛ رغم كل المحاولات التي بذلها القاصي والداني بغرض إنهائه. ولقد أضاف الانقسام الفلسطيني بكل تبعاته وتراكماته السياسية والاقتصادية مزيد من التعقيد لوضع وواقع القضية الفلسطينية اللذان لم يكونا بالأساس  في وضع  جيد، وهو ما أدى إلي  خسائر فادحة لنا كفلسطينيين؛ وأعاق أى تقدم في مسيرتنا النضالية نحو نيل حقوقنا المشروعة.  

كذلك وبعد كل هذه السنوات وجدنا أن الانقسام الفلسطيني أوقع هزة كبيرة في ثقة قطاع كبير من الشعب الفلسطيني في التنظيمات الفلسطينية وقياداتها؛ وهو ما كان له هزات ارتدادية بديهية على الثقة في نجاعة تلك التنظيمات على مواصلة مسيرة التحرر؛ وليس أدل على ذلك من ظاهرة العمليات الفدائية الفردية التي تحولت خلال العقد ونصف الأخير إلى أحد أهم أشكال النضال المسلح الثوري الفدائي الفردي والمستقل؛ والذي يتسم بالديمومة في ظل غياب أو انشغال التنظيمات بتكتيكاتها وحساباتها السياسية ومناكفاتها الانقسامية عن خوض مسيرة نضال  ذات طابع استمراري على الأرض ترتبط  بوجود الاحتلال وتهدف إلى تحويله إلى احتلال باهظ الثمن على إسرائيل، وقد  تحول النضال الفلسطيني إلي موجات تصعيد سواء عن طريق التصعيد العسكري أو التظاهرات الجماهيرية بناءا على رد الفعل المرتبطة بأحداث بعينها وبحسابات سياسية وتكتيكية  في أحسن الأحوال سرعان ما تخبوا جذوتها دون تحقيق أى أهداف سياسية ذات معنى، وذلك في ظل انعدام أى صورة من صور النضال الاستراتيجي والذي بمقدوره ترجمة التضحيات إلى مكاسب سياسية. 

لذا ليس مستغربا بالمطلق ما وصلت له وضع القضية الفلسطينية، فبعد عقد ونصف من الزمن من التضحيات الضائعة؛ قد فقد فيه آلاف الفلسطينيين حياتهم  وأصيب خلاله عشرات الآلاف بجراح وشطبت خلاله عشرات العائلات من السجل المدني ودمرت خلاله أحياء بأكملها  وتحول خلاله ما يقارب نصف الفلسطينيين إلي ما تحت خط الفقر؛ وبعد كل هذا تطرح إسرائيل علينا سلام اقتصادي يوفر لها مئات الآلاف من الأيدى العاملة الفلسطينية؛ والتي سيرتبط  قوت يومها وحياتها ببقاء الوضع الراهن على ما هو عليه أي بقاء الاحتلال؛ وهو ما يعني عمليا وبالحد الأدنى تحييد هذه القوى العاملة عن ميكانزمات الصراع مع إسرائيل بالإضافة إلي ما سيوفره هذا السلام من مزيد من الوقت لقضم وتهويد ما تبقى  من الأرض الفلسطينية ومزيد من تطبيع وجودها عربيا وإقليميا. 

إن ما وصلت له الأوضاع الفلسطينية من تردى هو بفعل الطبقة السياسية الفلسطينية التي استفردت واحتكرت القرار السياسي الفلسطيني بعيدا عن الإرادة الشعبية، فلقد هشم أولئك السياسيون كثيرا من الصورة الناصعة لنضال أعدل قضايا الإنسانية وألقوا بتضحيات عظيمة أدراج الرياح وداسوا في طريق مسيرة انقسامهم على مستقبل جيل بأكمله وحولوا حلم تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني إلى كابوس. 

ومع انسداد الأفق في تغير الواقع الفلسطيني في ظل ما هو قائم  اليوم على أرض الواقع يبقى الأمل ضعيفا إن لم يكن منعدما في إحداث التغيير، ولكن في حين أنه ثمة أوضاع قدرية يحتاج تغيرها إلى معجزات ربانية؛ فإنه في عالم السياسة ثمة أوضاع كذلك يحتاج التغيير فيها أحيانا إلي معجزات سياسية، وثقتنا راسخة بأن تلك المعجزات تصنعها الشعوب وليس على شعبنا ببعيد صنع معجزته السياسية وإستعادة دوره في قضيتنا الفلسطينية.