أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهو مؤسسة دستورية مغربية، بتقنين أنشطة الباعة المتجولين في المملكة. جاءت هذه التوصية ضمن رأي استشاري أعدته المؤسسة حول هذه الفئة من التجار الذين يعملون خارج الاقتصاد المهيكل.
واعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن "من شروط انتقال الباعة المتجولين إلى القطاع المنظم ومن شروط تحرير الطاقات من أجل اقتصاد نشيط ومنتج، وجود بيئة قانونية متكاملة تؤطر أنشطة التجارة الجائلة".
وثيقة المجلس أوردت أيضا أن "الحاجة ماسة كي تستكمل المنظومة التشريعية الوطنية ترسانتها بإقرار الوضع القانوني للباعة المتجولين بكافة فئاتهم والتنصيص على الشروط والالتزامات التي تفرضها ممارسة التجارة الجائلة، وتحديد وتبسيط المساطر وتوضيح الصلاحيات فيما يتعلق باستغلال الفضاء العمومي، وإقرار الجزاءات في حالة مخالفة القانون".
فئات متضررة
إذا كانت الدولة تعاني نزيفا بسبب الاقتصاد غير المهيكل، فإن فئة عريضة من العمال والتجار والحرفيين تئن في صمت بسبب اشتغالها في "الظل" بدون حماية وبأدنى الحقوق.
في هذا الصدد، قال المحلل السياسي الدكتور خالد فتحي: "إن القطاع غير المهيكل بصفة عامة وكل من يتنسبون إليه من عمال وتجار وحرفيين بصفة خاصة، هو مشكلة مزمنة لها علاقة بضعف الاقتصاد وضعف الحكامة، وهؤلاء في رأيي فئة مهضومة الحقوق وتعاني الكثير، وهي ليست مسؤولة عن وضعها غير النظامي".
فتحي أوضح في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "ظروف الجائحة أظهرت أن هناك حاجة ملحة لإنصافهم، هؤلاء الباعة والحرفيين والعمال البسطاء، كان مطلوبا منهم الصمود خلال الحجر الصحي بموارد بسيطة، رغم أن ذلك شبه مستحيل. ومع ذلك نجحت الدولة في دعم القطاع غير المهيكل لإنجاح الحجر".
واسترسل قائلا: "الجائحة وكيفية التعامل معها، شكلت نقطة وعي مجتمعية بإمكانية وضع حل نهائي للظواهر المرتبطة بالاقتصاد غير المهيكل. الآن سيتم دمجهم في الحماية الاجتماعية وفي التأمين الإجباري على المرض. وهذا واحد من مظاهر تحويل أزمة كورونا إلى فرصة للتغيير، لم يفوتها المغرب، وبالتالي فإن هذه الخطوة ستمكن من هيكلتهم وتنظيمهم وإدخالهم للدورة الاقتصادية".
خالد فتحي اعترف أن دمجهم في الاقتصاد "يشكل تحديا كبيرا جدا لا تنفع فيه النوايا الطيبة فقط، بل يلزم وضع سيناريوهات ناجعة وإنتاج الثروة على المستوى الوطني حتى تكون هذه الإجراءات ذات مدلول وذات أثر ملموس".
واستطرد المحلل: "المقاربة القانونية والضريبية لا تكفي لحل هذا المشكل الشائك، بل ينبغي القطع مع الأسباب التي تفرخ الظاهرة وأهمها البطالة وانسداد الأفق والفراغ والهجرة القروية، وهذا مرتبط برؤية استراتيجية للاقتصاد".
"نزيف" بسبب الاقتصاد غير المهيكل
لا شك أن اشتغال عدد من الفاعلين في الظل وخارج النظام الضريبي يفوت على الدولة مداخيل هامة.
دراسة حول "قياس وتطور الاقتصاد غير المهيكل بالمغرب"، نُشرت نتائجها على البوابة الإلكترونية للبنك المركزي المغربي، أفادت بأن الاقتصاد غير المهيكل في المغرب انخفض إلى مستوى أقل من 30 في المئة من الناتج الداخلي الخام خلال الفترة ما بين 2009 و2018، لكن بالرغم من التراجع الملحوظ، فإنه لا زال يمثل ثقبا في جيب الاقتصاد المغربي.
المشاركون في هذه الدراسة، أوضحوا أن الاقتصاد غير المهيكل عرف ثلاث فترات تطور متميزة: الأولى خلال الفترة ما بين 1988 - 1998، حيث استقر الاقتصاد غير المهيكل عند 40 في المئة تقريبا من الناتج الداخلي الخام، تليها الفترة الممتدة من 1999 إلى 2008 التي عرفت تراجع الاقتصاد غير المهيكل إلى 32 - 34 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وصولا إلى فترة 2009 - 2018 التي اتسمت باستمرار المنحى التنازلي، ولكن بوتيرة أكثر اعتدالا، ليصل إلى مستوى أقل بقليل من 30 في المئة من الناتج الداخلي الخام.
توسيع الوعاء الضريبي
في تعليقه على هذه الأرقام، قال الدكتور عبد الرحمن فضلاوي، الخبير في المجال الضريبي، إنه "من الضروري إجراء دراسة موضوعية شاملة، تشمل الجانب الاجتماعي والاقتصادي من أجل البحث عن نقاط تقاطع بين تضريب القطاع غير المهيكل والدولة الاجتماعية".
فضلاوي أكد، ضمن تصريح خص به ، أن هناك توجها يهدف إلى تضريب القطاع غير المهيكل، وذلك عن طريق تقييم ما يمكن استخلاصه منه لصالح خزينة الدولة، ويتمثل ذلك في ضبط الوعاء الجبائي المتواجد وتوسيعه".
الخبير في القانون العام والعلوم السياسية، أردف أن السلطات أطلقت في هذا الصدد مجموعة من المشاريع لدمج العاملين في القطاع غير المهيكل، عن طريق إطلاق بطاقة المقاول الذاتي على سبيل المثال.
تجدر الإشارة إلى أن التحفيزات الضريبية وانتعاش نشاط المهن الصغرى ساهموا في رفع عدد المقاولين الذاتيين بمستويات غير مسبوقة في المغرب، خلال سنة 2021.
الإحصائيات الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية، تشير إلى استقرار عدد الأشخاص الحاملين لبطائق المقاول الذاتي، إلى حدود شهر أكتوبر المنصرم، في حوالي 340 ألف مقاول ذاتي؛ بينما استقر عدد الطلبات المقدمة من طرف الأفراد الراغبين في الحصول على هذه البطاقة، منذ بداية العمل بهذا النظام في سنة 2015، في زهاء 445 ألف طلب.
خطة الحكومة
ترمي حكومة عزيز أخنوش إلى تقليص حجم الاقتصاد غير المهيكل عن طريق إصلاح النظام الجبائي، وذلك من خلال خلق اقتصاد يسع للجميع، تساهم فيه كل الفئات.
رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، قال مخاطبا نواب الأمة، في 11 أكتوبر الماضي: "إن كان صحيحا أن الوباء المرتبط بفيروس كوفيد-19 لم يكن وراء كل الإشكاليات، إلا أن انتقاله السريع كشف بجلاء عن النواقص الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها بلادنا. وعَرَّت الأزمة عن ضخامة الاقتصاد غير المهيكل وأوجه القصور في القطاعات الاجتماعية وضعف شبكات الأمان الاجتماعي".
على ضوء هذه المعطيات، ستعكف الحكومة على التعامل مع سلبيات الاقتصاد غير المهيكل الذي ظل يستفيد بطريقة غير مباشرة من التهرب الضريبي ويضيع مداخيل وفيرة على خزينة الدولة.
وسيمكن مبدأ الحياد والعدالة الضريبيين من تعزيز إمكانيات الدولة بنسبة تناهز 20 في المئة، مما سيتيح التوفر على قدرات لتمويل القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم وكذلك توفيق الدعم المباشر للفئات المعوزة.
ويشمل الإصلاح مراجعة ضريبة الدخل وتوسيع قاعدة ضرائب الدخل المهنية، من أجل دعم ذوي الدخل المنخفض والطبقات المتوسطة.
ويشكل هذا الباب أحد الملفات الهامة التي ستعالجها حكومة أخنوش مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية، للوصول إلى نظام ضريبي أكثر تماسكا وشفافية، لتحقيق التنمية وهدف الدولة الاجتماعية.
المصدر: سكاي نيوز عربية