ما بعد المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية

مهند عبد الحميد.jpg
حجم الخط

بقلم: مهند عبد الحميد

الانتخابات ضرورة لا غنى عنها لتجاوز الحالة الصعبة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، وفي حالة وجود مفاهيم وأساليب غير ديمقراطية للانتخابات، يمكن التغلب عليها في مرات قادمة، لاسيما أن التجربة تعلم الناس وتدفعهم إلى البحث عن الأشخاص والقوى الذين يطورون بلداتهم ويحلون أزماتها، وهذا يجعل من الانتخابات مجالاً للتنافس على الإيجاب بعيداً عن معادلة من هو الأقل سوءا في مواجهة الأكثر سوءا.
هذا ما قاله فريد طعم الله الناطق الإعلامي باسم لجنة الانتخابات المركزية.
وأضاف لي أثناء دردشة حول تجربة المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية: «لو حافظنا على دورية الانتخابات منذ العام 2006 لنجحنا في تصويب الأخطاء ولما احتبست الديمقراطية كل هذا الوقت».
اتفق مع الزميل طعم الله على أهمية المضي بالانتخابات بكل أنواعها، فالديمقراطية هي الحل. ذلك أن أي مقارنة بين المساوئ المترتبة على غياب الديمقراطية، وبين المساوئ أثناء الانتخابات وما بعدها وأثناء ممارسة الديمقراطية، ستكون الكفة الراجحة لمساوئ غياب وتعطيل الديمقراطية، الفرق شاسع وبما لا يقاس.
غياب الديمقراطية يعني التفرد والفساد بكل أنواعه، وشروخاً في الثقة، وتفكك المجتمع واستبدال المؤسسة المدنية – المجالس المنتخبة - بالعائلة والعشيرة والوجهاء، وقطع الطريق على التطور والتجديد والبناء، ويعني انتشار الكراهية وتهديد السلم الأهلي، ويعني فتح الأبواب أمام المزيد من تدخل سلطات الاحتلال وتدخلات خارجية أخرى.
صحيح أن انتخابات المرحلة الأولى كشفت عن مثالب ونقاط ضعف عديدة، بعضها خطير  كدور العائلات الذي طغى في العديد من المواقع وعكس نفسه على نتائج الانتخابات، سواء في ما يتعلق بقوائم المستقلين التي فازت بنسبة 71% تقريبا، وحتى القوائم الحزبية التي فازت بنسبة 29%، هذه وتلك لم تسلم من البصمات التي تركتها العائلات والعشائر.
وبينت الانتخابات مستوى من تعدد الولاءات الذي يسمح بالانحياز الإيجابي لكفاءات وقوى تغيير جدية إذا ما توفرت، إن عدم توفر غلبة حزب حاكم يفرض سلطته بكل الوسائل، يعد أمراً إيجابياً.
كذلك عدم وجود غلبة لحزب معارض يعطل العملية الانتخابية يعد إيجابياً.
وجود قوائم مستقلة كان الوجه الأبرز في المشهد، الذي يوحي بمشاركة واسعة من خارج التنظيمات وهو أمر إيجابي. لكن ظاهرة الخلط بين التنظيمات والعشائر والمستقلين كانت في المحصلة الأخيرة لا تخلو من بصمة العشائر والعائلات، وهذا يطرح مرة أخرى دور التنظيم السياسي والمؤسسة المدنية.
الخلط واحتلال العائلات والحمائل والعشائر حضوراً قوياً في الانتخابات وفي العلاقات الاجتماعية يفسر إخفاق القوى المنظمة - الأحزاب السياسية - في الاستجابة لمشاكل الناس وإيجاد الحلول لها، وهو ما يدفعهم للبحث عن بديل اجتماعي.
هذا التحول خطير ويشكل انعطافاً للوراء كونه يرتبط بسيطرة السلطة الأبوية ومنظومة قيمها المحافظة والمتعصبة ما قبل المجتمع المدني.
لا شك بأن هذا التحول بدأ منذ فترة طويلة، وتحقق تدريجياً عبر استجابة التنظيمات السياسية، وكان تعبيراً عن عجزها في تطوير البنية الفكرية التنظيمية وضعف اهتمامها بقوى التغيير الفعلية – الشبيبة - وبالانفتاح على الحداثة والتنمية.
عندما نتحدث عن أن نسبة 71% من المستقلين فازوا في المجالس المحلية فهذا سرعان ما يتحول إلى لغز، كما أن غياب البرامج والمشاريع من المشهد الانتخابي والاستعاضة عنها  بخطاب مليء بالوعود، يفسر الجانب المرتجل الذي ينسجم مع الأسلوب العشائري ويتناقض مع مجتمع يواكب الانقلابات التقنية الهائلة.
وتراجع مكانة وحضور النساء في الترشيح والانتخاب أظهر ضعف المشاركة والدعاية النسوية، ولولا الكوتا النسائية المعتمدة لكان موقع النساء أشد سوءا، حقيقة الأمر أن الكوتا النسوية لم تعبر عن وعي مجتمعي بأهمية مشاركة نصفه في الهيئات المحلية وفي صناعة الحلول في سياق إزالة الظلم والتمييز الممارس ضد النساء، ولا يبالغ المتابع إذا ما اعتقد بأن الكوتا لا تزال دون تحقيق الحد الأدنى من الوظيفة التي وضعت من أجلها.  
من جهة أخرى كشفت الانتخابات عن حضور شبابي في المجالس المحلية الجديدة وفي نسب الترشح.
وهذا يعد تقدماً إذا ما ارتبط بوجود كفاءات شبابية تتسلح بقيم حقوق الإنسان والديمقراطية وبالأساليب الحديثة والخطاب الجديد، على غرار كفاءات هبة القدس التي أحدثت فرقاً في المواجهة مع سلطات الاحتلال.
ثمة حاجة لتقوية المجتمع الذي يتعرض لإحباط حقه في تقرير مصيره، ولإعادة بناء السيطرة الاستعمارية عليه، ولا يمكن تقويته بمعزل عن تجديد بنية المؤسسات وتطوير ديناميات التطور الداخلي.
الديمقراطية ليست وصفة سحرية لحل كل المشاكل، لكنها من أهم أدوات المشاركة والتغيير والتطوير والصمود، وتعزيز الوحدة الداخلية والتحالفات مع الأصدقاء والأشقاء العرب.
حسناً فعلت حكومة د. شتية باتخاذ قرار إجراء الانتخابات المحلية وتطبيق المرحلة الأولى منها، وحسناً كانت استجابة التنظيمات في إطار منظمة التحرير، ولم يكن مفهوماً مقاطعة حركة حماس للانتخابات وتعطيل إجرائها في قطاع غزة الآن كما في مرات سابقة، ودون حتى إجراء الانتخابات بشكل مستقل أو موازٍ للانتخابات التي تجري وجرت في الضفة.  السؤال الذي يطرح نفسه هل ستكون الانتخابات المحلية مقدمة لانتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني أم ستكون بديلاً عنها؟
من يقرر أحد الاحتمالين أكثرية المجتمع داخل فلسطين والشعب في مختلف الأماكن، الموقف الذي يتشكل بالحوار وشرح الأهمية والإقناع والاقتناع.
ما يجدر ذكره هنا أن قرار تأجيل أو تعطيل الانتخابات على خلفية الرفض الإسرائيلي لإجرائها في مدينة القدس لم يكن مقنعاً للأكثرية، وكان يمكن ممارسة ضغط شعبي من أجل العودة للانتخابات وتذليل عقبة القدس، لكن رد الفعل الشديد فاقم الأزمة وبدد الثقة وكانت الخسائر أكبر.  
الآن وبعد نجاح المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية، يفترض تجاوز الاختلالات المنوه إليها أولاً وعدم تكرارها في المرحلة الثانية، والأهم يفترض وضع ميثاق ديمقراطي يحدد أسس ومعايير ونواظم الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، وبشكل خاص مقومات التشارك في اتخاذ القرار من داخل الشرعية والتداول السلمي للسيطرة على المنظمة والسلطة دائماً وعلى طول الخط وليس لمرة واحدة.