جبهة غزة: الإدمان الإسرائيلي على "وهم الهدوء"

دان-شيفتن.jpg
حجم الخط

بقلم: دان شيفتن

 

 




"حماس" معنية بهدوء مؤقت في قطاع غزة؛ حتى تزيد قوتها استعداداً للمواجهة التالية. وبالتوازي، فإنها تحدث "إرهابا" في الضفة وفي القدس؛ كي ترفع مستوى مكانتها كمسؤولة عن الفلسطينيين في الضفة وفي إسرائيل، وتبني شبكة عسكرية في لبنان كي تخلق ساحات مواجهة إضافية، ربما بمشاركة "حزب الله". إسرائيل تخدمها في المستوى الاستراتيجي؛ بسبب إدمانها على المستوى العملي على "الهدوء" الخادع في حدود القطاع.
في الظروف الناشئة بعد المس العملي بمقدراتها العسكرية في حملة "حارس الأسوار" بعد استكمال العائق البري الذي يقيد قدراتها وبعد أن تبين بأن عزلة "الإخوان المسلمين" في العالم العربي تعطي إسرائيل حرية عمل إقليمية، توجد لإسرائيل فرصة مريحة لقمع تعاظم قوة "حماس" وتصفية زعمائها. ولما لم يكن هناك احتمال في الامتناع على مدى الزمن عن المواجهة، فمن المفضل المخاطرة بمواجهة مع "حماس" ضعيفة نسبياً في التوقيت المريح لإسرائيل، على انضمام المنظمة حين تكون معززة لمواجهة مع إيران و"حزب الله" في موعد وفي ظروف يصعب فيها على إسرائيل أن تخصص المقدرات اللازمة لضربها.
من المهم أيضا الإثبات بأن مشاركة الحركة الإسلامية في الائتلاف لا تمنح "الإرهاب" الفلسطيني الحصانة.
غزة هي الدولة الوحيدة في العالم العربي، بحكم الأمر الواقع، التي يحكمها بإجماع واسع "البرابرة اللاساميون" من "الإخوان"، المدمنون على قتل اليهود انطلاقا من عدم الاكتراث بمصير أطفالهم هم أنفسهم.
لإسرائيل وشركائها العرب (ولا سيما مصر والأردن) مصلحة استراتيجية في إظهار فشل النموذج الكريه والخطير هذا لأجل ردع عرب آخرين عن تبنيه. أما تعزيزه "المدني" فهو سياسة ضارة وقصيرة النظر. بخلاف جهات معادية أخرى – السلطة الفلسطينية وحتى سورية – توجد لإسرائيل مع "حماس" "لعبة محصلتها صفر": ما هو خير لـ"حماس" شر لإسرائيل لأنه خير لـ"الإخوان" في غزة.
الوهم الغريب هو "التسوية بعيدة المدى"، والتي (تهذي أحيانا عن جزيرة اصطناعية وميناء) يذكر بالفرضية الفاشلة لشمعون بيريس في التسعينيات بأن خروج إسرائيل من القطاع سيجعله "سنغافورة". كل ما هو مطلوب لتحققه كان تغيير الغزيين بالسنغافوريين النشطاء والبنائين.
من يأمل بتحقيق "تسوية" كهذه من خلال إعادة التأهيل المدني، دون المنع بالقوة لتعاظم القوى، يشجع عدوانهم ويضعف موقف المساومة الإسرائيلي.
مع أن "حماس" تصعد أعمالها في الضفة، في القدس، وفي أوساط "عرب إسرائيل" وفي لبنان فإن إسرائيل تجعل هذه السياسة مجدية. فهي تسمح لها بأن توازن توجيه مليارات الدولارات التي تلقتها للتعاظم العسكري من خلال مساعدة مدنية بالمال القطري، وتصاريح العمل لـ10 آلاف عامل في إسرائيل، وتسهيلات غير مسبوقة في الاستيراد وفي التصدير وفي إدخال البنى التحتية التحصينية، وحرب و"إرهاب" في شكل "مواد ثنائية الاستخدام" وتشجيع المصريين على تسجيل القيود في معبر رفح.
إضافة إلى هذا، تعزز إسرائيل موقف المساومة لدى "حماس" بالتعهد الجماهيري، الضار من ناحية استراتيجية والمرفوض من ناحية أخلاقية "لإعادة الأبناء".
في غزة توجد جثتان واثنان بائسا المصير انتقلا إليها. صفقة تجلبهم إلى إسرائيل ستؤدي إلى قتل جنود ومدنيين كثيرين بسبب تحرير "إرهابيين"، وتشجيع "الإرهاب"، مثلما حصل في الصفقة السائبة التي جلبت شاليت وقتل محرروها العشرات إن لم يكن المئات من الإسرائيليين ولا يزالون يقتلون.
إن الكلفة التي لا تطاق للإدمان على وهم "الهدوء" تتفجر في وجه إسرائيل المرة تلو الأخرى: في عربدة البدو التي تشوش حياة المواطنين في الجنوب؛ وفي تعطل الشرطة أمام الخاوة العربية في الشمال؛ وفي الخوف المبرر من استئناف الاضطرابات في المدن المختلطة؛ وفي سيطرة "الإرهابيين" في السجون حيال ضعف مصلحة السجون؛ وفي التسامح تجاه إرهاب "فتيان التلال"؛ في الامتناع عن قمع العنف الداخلي (وليس فقط الجريمة) في المجتمع العربي؛ وبالتسليم بالعنف الجماهيري المنظم في المجتمع الحريدي، وبالعقاب السخيف الذي يفرضه قضاة "رحماء"، ما يشجع الجريمة في المجتمع الإسرائيلي بالعموم.
إن زعامة خائفة تمتنع عن مواجهة العنف مسؤولة عمليا عن انتشاره حتى النقطة التي تلزم فيها وسائل أكثر حدة بلا قياس من تلك التي تمتنع عنها لقمع شراراته الأولى.

عن "إسرائيل اليوم"