سيادة الرئيس أبو مازن: ما أسرع عقارب الزمن في الجزائر!!

حجم الخط

بقلم حسن عياش

 

 يصعب أن يصف إنسان مكانا طيبا كالجزائر، يضم ترابها أحسن البشر قاطبة، كل شخص في هذه الدولة يحكي تاريخ فلسطين..، وفي فضائها يأخذ النشيد الوطني الفلسطيني مجده. حمل قادته على كاهلهم قضية فلسطين...يصعب علي وصف روعة هذه الدولة التي كانت عاصمتها أول إعلان الاستقلال الفلسطيني.

وصفها الرحالة الألماني(فيلهلم شيمبر) بعد عام من الاحتلال،: ''لقد بحثتُ قصداً عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير إني لن أعثر عليها''.

وفي ذكرياته عن الجزائر وصف الضابط "كليمانس لامبينغ" الألماني سنة 1844 سكان القليعة (ولاية تيبازة)"بالعرب الأصلاء، ولم يجد ألطف ولا أكثر إنسانية منهم"..

والفلسطينيون يشعرون بالأمل في بلد المليون ونصف شهيد، فيه يستذكرون إرادة الثوار، ومعالم الانتصار لصبر استمر 132 عاماً. وأما انا فشعور غريب سينتابني، وأنا أسير في خنادق ومغارات قسنطينة (عش النسر) عاصمة الشرق الجزائري وجسورها المعلقة.

وكم هي غبطتي وسعادتي في فندق بانوراميك حيث نزلت، يجذبني مشهد القناطر وجسور الصخر، يستحيل أن يوجد مثله في العالم

ولكأني فجأة أقف مع ثوارها على أبوابها السبعة نطرد المحتل ونحمى المدينة، سأحاول السير على خطى ثوارها، هنا في وادي الرمال مشى الثائر عبدالقادر الجزائري في وجه المستعمر الفرنسي، وفي بطن الجبل المحفور تخندق رمز الثوار التقي النقي المجاهد البشير الابراهيمي، حامل هم فلسطين، وهو في عز الحاجة والظروف القاسية لكنه الجزائري فخياره الوطني معروف، جمع والثوار التبرعات لشعب فلسطين، وأوفدوا حوالي 100 مجاهدا إليها
وفي أوج الكفاح لم ينس ألم فلسطين تجلى في قوله "يا فلسطين، إنّ لك في قلب كل جزائري من قضيتك جروحاً دامية، وعلى لسان كل جزائري في حقك كلمات مترددة هي: فلسطين قطعة من وطني الإسلامي الكبير قبل أن تكون قطعة من وطني العربي الصغير". وقال "أيظن الظانون أن الجزائر بعَراقتها في الإسلام والعروبة تنسى فلسطين لا والله".

هي الجزائر، بلا ريب، وهنا في "مقهى النجمة" سأعبر "السدة" مكان اللقاءات السرية للشيخ عبد الحميد بن باديس المصلح الثوري، والعالم المفسر، والمعلم المربي بعيدا عن عيون المستعمر ذلك الشيخ الذي حمل على كتفيه قضية فلسطين والقدس، ومن جامعها الأخضر حذر من خذلانها فقال: "القدس أخت مكة والمدينة، من خانها خانهما، ولا عذر له مطلقاً".

وفي مسجدي سيدي الكتاني والأخضر سأتذكر انتفاضة قسنطينة ضد الحقد الذي يبيته اليهود للمسلمين، ولكأني أمام أعمال المستوطنين في فلسطين، سأتذكر مذبحته التي ارتكبها متطرفو اليهود بدعم من الاحتلال الفرنسي. وسأحدق النظر من جبل الوحوش حيث يلاحق المحتل مسعود بوجريو وزيغود يوسف رجالا لا يعرفون الهزيمة.

يا إلهي كم هو الجزائري محل فخر واعتزاز لنا، لم أنس تلك اللحظات التي أخذت دموعي تنهمر وتنهمر بوح بلا صوت. حتى قلت في ندوة علمية نحن في فلسطين بين مخالب الاحتلال، وأذكر نفسي وأذكركم ما قاله هواري بومدين أنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة فقاطعوني بالتصفيق.. مرددين نحن مع فلسطين إلى الأبد!!..

عذرا سيدي الرئيس أبو مازن كم أسهبت وكتبت فالكتابة تبوح وتسرد، وهي وسيلة تريحني أعبر فيها ما يجول في وجداني، ففي الجزائر تنفلت الأحاسيس والعواطف في تمجيد الوطن دون مبالغة.
سيدي الرئيس، قبل أن تودع الجزائر لا تنس أن تقبل نيابة عن شعبك ترابها الطاهر في زمن خذلنا فيه القريب، وبان زيف من كنا نعتقد إنهم قريبون إلينا إلى الأبد.

سيدي في العاصمة لامس مقام الشهيد، ولا تنس الصفقة العسكرية الأولى للثورة الفلسطينية وحركة فتح -زمن بن ببلا- وأقرأ الفاتحة في مقبرة "العالية" على روح الخالد هواري بومدين فاتح أبواب شرشال أمام ضباطنا وعسكرنا، ...... ولا تنسى بوتفليقة داعم القضية الفلسطينية بإصرار، داعي الزعيم ياسر عرفات، لإلقاء كلمة في الجمعية العامة في 1974، في خطوة تاريخية نحو الاعتراف العالمي بالقضية الفلسطينية. رغم المعارضة الشديدة، إلا أنه ابن الجزائر العربي الشهم أصر على ذلك. ولم يكن يملك خاتم سليمان، ورغم صعوبة الظروف لكن خيار الجزائري محسوم بمساعدة فلسطين معنويا وماليا وعسكريا.

والق السلام على ضريح الشاذلي بن جديد لنستذكر ونحن على أبواب الانطلاقة جهوده في دعوة الفلسطينيين لعقد مؤتمر للمجلس الوطني والإعلان عن قيام دولة فلسطين. واستقبال المقاتلين القادمين من لبنان واحتضانهم في معسكراتهم وبيوتهم مهاجرين وأنصار.

يا سيادة الرئيس هنيئا لكم وسام الرئيس عبد المجيد تبون، وسام "أصدقاء الثورة" اعترافا بنضالك الدؤوب عن فلسطين المحتلة، ولكم سيادة الرئيس تبون القلادة الكبرى لدولة فلسطين تقديرا لمكانتكم، وتثمينا لمواصلة الإرث الكبير لقادة الجزائر وشعبها في دعم الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته العادلة، وتعزيز العلاقات الأخوية.
وأخيرا، سيادة الرئيس أبو مازن قلت في الماضي وها أنت تكرر وتؤكد في حضرة سيادة الرئيس عبد المجيد تبون: "إن الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد، ظلت على الدوام فعلاً وقولاً مع فلسطين وشعبه، وإن الجزائر تبنت دوما قضيتنا في المحافل الدولية كافة، وتحملت مسؤوليتها كاملة حتى في الظروف الصعبة التي مرت بها لم تثنيها عن أداء واجباتها".

نعم الثوار يحنون إلى الثوار، والشهداء يحنون إلى الشهداء، وهي الجزائر تحن إلى فلسطين، البلد الذي لا يتغير مواقفه تجاه قضيتنا،

لنستحضر رموز الثورة الجزائرية الفدائيات الجميلات جميلة بوحيرد وجميلة بوعزة وجميلة بوباشا، مدارس في الكفاح والحرية والثبات. وهذه جميلة بوحيرد، أيقونة الثورة تجلّت بأبهى صور النضال والحرية، عندما كانوا يرددون في المدارس المحتلة في طابور الصباح فرنسا أمنا، كانت تصرخ: لا بل الجزائر أمنا. ولم تتراجع، رغم السجن والتعذيب والمعاناة.

وصفوة القول إن حب الجزائري يضرب به المثل لكل الشعوب الشقيقة والصديقة في التضافر الحقيقي بين الطيبين... فيا ربي احم الجزائر وأرض الجزائر وشعب الجزائر ..وحكومة الجزائر ..واحفظ الجزائر كل الجزائر.