يديعوت : "تقليص الاحتلال".. خطوة مؤقتة في الطريق إلى الحلّ

حجم الخط

بقلم: يسرائيل شرنتسل*

 






في الفترة الأخيرة، ساد أوساط اليسار، أيضاً الصهيوني، استخفاف بهدف "تقليص الاحتلال". وكون هذا الهدف يتطابق مع موقف د. ميخا غولدمان، وهو مستوطن من كفار أدوميم ومن المقرّبين من رئيس الحكومة، نفتالي بينت، لم يساعده في أن يحظى بشعبية في هذه الأوساط. لكن كما كان صحيحاً الإصغاء إلى البروفيسور يشعياهو ليبوفيتش في سنة 1967 والانسحاب من "المناطق"، من الصحيح الإصغاء، في سنة 2021، إلى غولدمان ونظريته بشأن تقليص الاحتلال، التي ليست حكراً عليه فقط [غولدمان أصدر كتاباً بعنوان "فخ 1967"، عالج فيه الانقسام الإسرائيلي بين معسكر اليمين، الداعي إلى ضم "المناطق"، ومعسكر اليسار، الداعي إلى حل الدولتين، ويقترح حلاً، ليس يمينياً ولا يسارياً، بل هو حلّ يهودي وديمقراطي يعتمد على فكرة تقليص الاحتلال].
وفي الواقع، من المنطقي أن تكون هذه هي السياسة المعلنة للحكومة الحالية، لكن ما تقوم به هذه الحكومة حتى الآن يُظهر أنها بعيدة عن تحقيق هذا الشعار. من جهة، هناك خطوات من نوع تقديم تسهيلات اقتصادية معينة، واجتماع بني غانتس بأبو مازن، واهتمام وزير الدفاع ووزير الداخلية بعنف اليهود؛ لكن في المقابل هناك ارتفاع في هدم المنازل، وفي عدد القتلى بنيران الجيش، وفي حجم حوادث العنف من طرف المستوطنين، حيث يتعرض خلالها الفلسطينيون للاعتداءات ولا يحظون بالحماية المطلوبة من الجيش الإسرائيلي.
يتعين علينا النظر إلى الواقع بجدية، والقول بصراحة: لا يوجد في الجانب الإسرائيلي حكومة قادرة على بلورة اقتراح معقول لتسوية دائمة في المدى المنظور. حتى إن الأيديولوجيين من أقصى اليسار الصهيوني، من الصعب عليهم اتخاذ قرار بانسحاب أحادي الجانب حتى آخر جندي من الجيش الإسرائيلي، وبالتأكيد، إجلاء أكثر من 600 ألف مواطن إسرائيلي من هناك.
في الجانب الفلسطيني، الصورة مشابهة. يواصل أبو مازن، البالغ 85 عاماً، حكمه. ولا تزال "حماس" تشكل تهديداً لسلطته، كلامياً وعنفياً، وهي تصطدم بـ"فتح"، حتى في مخيمات اللاجئين في لبنان (تعبير آخر عن المأساة الفلسطينية التي لا تظهر نهايتها في الأفق). وما لا يقل أهمية هو عدم وجود "بن غوريون فلسطيني" قادر على اتخاذ وتنفيذ قرارات صعبة، في الأساس في مسألتي حق العودة والقدس.
بناءً على ذلك، يتعين على حكومة بينت - لبيد، وبمساعدة جهات مختصة، بلورة خطة شاملة ومنهجية تحدد مجالات تقليص الاحتلال. إن وضع هذا المصطلح قيد الاستخدام وجعْله هدفاً لكل الجهات التي تتواصل مع السكان الفلسطينيين، يمكن أن يخلق دينامية إيجابية. كما يجب مناقشته، بقدر الممكن، مع السلطة الفلسطينية، ومع خبراء فلسطينيين مستقلين.
من بين الخطوات التي يجب التفكير فيها: إعادة فحص الإجراءات في مجالات: التجارة، وحرية التنقل، وأماكن تواجد الحواجز، والطبابة في إسرائيل، والحجم الكبير للعمال الفلسطينيين في إسرائيل (بصورة منظمة عبر المعابر، وليس كما يجري اليوم، من خلال التسلل عبر الجدار، الأمر الذي يزيد في الخطر الأمني).
من المستحسن تشجيع الاستثمارات الأجنبية في "المناطق" بقدر الممكن، ولهذا الهدف يمكن استغلال التحسن في علاقات إسرائيل مع دول الخليج. ومن المهم، بصورة خاصة، السعي لتسوية ما يجري في أراضي المنطقة ج، والعمل على تقليص الحوادث بين الطرفين (وهو ما تعتبره أوساط البؤر المتشددة للمستوطنين هدفاً من الدرجة الأولى)، وهو ما يتيح المجال لاستئناف المفاوضات عندما تحدث، وذلك انطلاقاً من الإدراك أنه في أي تسوية مستقبلية، بما فيها خطة ترامب المؤيدة لإسرائيل بصورة كبيرة، هناك جزء كبير من هذه الأرض سيشكل احتياطاً لكيان فلسطيني، مهما كانت طبيعته. ومن المستحسن زيادة تراخيص البناء المعطاة للفلسطينيين هناك، وأن ندرك أن الإجراءات المطبَّقة في هذا المجال تقوم على التمييز ضدهم بصورة كبيرة.
المطلوب اتخاذ خطوات عملية في مواجهة المشاغبين من اليهود، وربما إعادة توزيع العمل بين "الشاباك" والجيش الإسرائيلي والشرطة في هذا المجال. كما يجب الاستعداد في نيسان لتزامُن شهر رمضان مع عيد الفصح، واستخلاص الدروس التي تقلل من خطر اندلاع عملية "حارس أسوار 2". من المفهوم أن كل بند من البنود المذكورة أعلاه يواجه عدداً من العوائق التي تعرقل تحقيقه، وهي كثيرة بالفعل، لكن هذا هو التوجه العام الذي يجب السعي له.
في المقابل، تدرك الإدارة الأميركية "اليسارية" عدم القدرة على تحريك مفاوضات شاملة، لذلك استأنفت، مؤخراً، الحوار الاقتصادي مع السلطة الفلسطينية. وأن يكون لديها انطباعات إيجابية حيال خطوات إسرائيل في الساحة، مفيدة هي أيضاً.
ينطبق هذا الكلام في الأساس على ما يجري في الضفة الغربية. السياسة إزاء غزة تستوجب نقاشاً منفصلاً، لكن يجب التشديد على أن الهدوء في الأشهر الأخيرة يمكن أن يتضح أنه مؤقت فقط. مع عدم وجود استعداد إسرائيلي لخوض مواجهة واسعة (ولا يوجد ما يؤشر إلى حدوث ذلك في وقت قريب) يجب البحث في توسيع التسوية إزاء "حماس" جذرياً، كونها الاحتمال الأقل سوءاً في واقع لا وجود فيه لقرارات سهلة وهينة.
إذا أمكننا القول إن الاحتلال تقلص بالفعل في نهاية ولاية هذه الحكومة، وإذا تحقق جزء من هذه الاقتراحات المذكورة أعلاه، فإن هذا سيكون إنجازاً يمكن أن يشكل أساساً لإحراز تقدُّم إضافي نحو حلّ أكثر جذريةً، ويبقى ضرورياً جداً.

عن "يديعوت"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مسؤول سابق رفيع المستوى في "الشاباك" وأستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة تل أبيب.