بعد أسبوعين سيرفع رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، يوحنان بلاسنر، التقرير السنوي الذي يعنى بثقة الجمهور بمؤسسات الحكم، لرئيس الدولة، إسحق هرتسوغ.
ومن المتوقع أن يعكس التقرير مشكلة ثقة متفاقمة بعموم السلطات، لكنّ معطى واحداً يجب أن يقلق أكثر منها جميعا: أزمة ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي تتعمق.
في تقرير السنة الماضية (الذي عكس معطيات 2020) انخفضت ثقة الجمهور بالجيش من 90 في المئة إلى 81 في المئة؛ انخفاضاً بمعدل 10 في المئة. وهذا انخفاض حاد لم يُشهد مثيل له في الماضي حتى في فترات الأزمة، وادعوا في الجيش أن هذا حدث موضعي، وانحراف إحصائي لا يدل على شيء.
لكن المعطيات التي ستنشر في بداية الشهر القادم وتعكس معطيات 2021 تدل على أزمة أعمق بكثير. فحسب آخر المعطيات، فإن ثقة الجمهور في الجيش لم تتحسن في السنة الماضية، بمعنى أن هذه مشكلة جذرية. مع أنه في الفحص المرحلي الذي أجراه المعهد سُجل ارتفاع معين في ثقة الجمهور بالجيش، لكنه يعود إلى عواطف الجمهور في أعقاب حملة "حارس الأسوار".
وعلى أي حال تبين أنه قصير الأمد؛ ففي آخر استطلاع أجري في الشهر الماضي سجل انخفاض متجدد في المعطيات.
تآكل مقلق
صحيح أن الجيش لا يزال يحظى بثقة أعلى من كل مؤسسة سلطوية أخرى، ولكن هذه حكمة صغيرة: يخدم فيه بناتنا وأبناؤنا، الذين يحموننا. والتآكل في الثقة الجماهيرية يجب أن يقلق جداً؛ لأنه يشهد على أن هذا ليس موضوعا عابرا بل شيء جوهري يحدث في الجيش. بعض أسباب ذلك قد تكون خارجية (جراء الانخفاض في ثقة الجمهور في عموم الديمقراطيات في العالم وحتى كثرة حملات الانتخابات وغياب ميزانية للدولة على مدى أكثر من سنتين، وبالطبع أزمة "كورونا")، لكن القسم الأهم فيها يعود إلى الجيش الإسرائيلي نفسه: فالجيش يصعب عليه معالجة سلسلة من الأزمات التي تغيب عن ناظر الجمهور. بعضها يحظى بالإبراز في الشبكات الاجتماعية، ولكنه يحظى بمعالجة فاشلة من جانب الجيش.
بدءاً بمشاكل الغذاء في كل قواعد الجيش تقريبا، عبر المشاكل المتكررة من وإلى القواعد، وانتهاء بمشاكل الأجر. ومع أنه من المتوقع قريبا ارتفاع أجر الجنود الإلزاميين بـ 50 في المئة، ولكن كيفما نظرنا إلى ذلك فإن قيادة الجيش اهتمت قبل كل شيء بنفسها وبتقاعدها وفقط بعد ذلك بالجنود.
مع أن النائب السابق، إيتان كابل، تجاوز سن الستين، إلا أنه يواصل خدمة الاحتياط في المظليين، وهو يوجد الآن في مهمة عملياتية في غوش عصيون، وروى، أول من أمس، بأن رفاقه في السرية ذهلوا من الظروف السائدة: مستوى الطعام، السكن، والحمامات. وأجمل الأمر بالقول: "ليس معقولا أن يكون هذا هو الوضع في العام 2021".
تروي قيادة الجيش لنفسها قصصا بأن كل شيء على ما يرام. وأن هذه أخطاء هامشية لا تشهد على القاعدة.
هذا على أي حال هو الوضع من زاوية نظر الجنرالات: فعندما يصلون إلى القاعدة يكون كل شيء يلمع، وينتظرهم طابور وغرفة طعام مرتبة على مستوى فندق خمس نجوم. ولكن متى قام أحد الجنرالات بعمل بسيط يتمثل بإزالة النجوم عن كتفيه والدخول إلى طابور الطعام أو إلى الحمامات مع رجال الاحتياط دون أن يعرفوا من هو؟
آخر من تصرف هكذا كان أودي أدام، لكن منذئذ انقضى أكثر من عقد ونصف العقد، والقطيعة بين الضباط الكبار والجنود آخذة في الاتساع فقط.
ثمن الصمت
على مدى أربع ساعات سمعت شعارات عن كم هو الوضع سيئ قبل عهد كوخافي وكم هو الوضع جيد اليوم. وكانت الناطقة المركزية في ندوة عقدها الجيش لقادة الألوية رئيسة دائرة العلوم السلوكية العقيد هداس منكا، التي كانت مهمتها المركزية هي بناء ثقة الجمهور بالجيش. فكيف تنسجم أقوالها في الندوة مع معطيات المعهد الإسرائيلي للديمقراطية. لدى كوخافي الحلول.
اعترافاً بنجاح منكا، قرر كوخافي منحها مؤخراً رتبة عميد في خطوة شاذة وموضع خلاف، وليس لها فقط بل ولمقرب آخر منه، هو الناطق العسكري السابق، هدي زيلبرمان، الذي مهمته المركزية كانت بناء ثقة الجمهور بالجيش، ورفع في الرتبة، وعين ملحق الجيش في واشنطن.
عقدت هذه الندوة تحت شعار "الاستراتيجي المنتصر". هذا شعار جميل لا يوجد وراءه الكثير. فالجيش الإسرائيلي لم ينتصر في أي مواجهة منذ سنوات عديدة، والجمهور لا يشتري جهود كبار مسؤوليه للادعاء بأن "حارس الأسوار" كانت نجاحا مدويا.
كما أنه يصعب عليه أن يفهم كيف أن رئيس الأركان - الذي يجد وقتا ليكتب كتابا في أثناء ولايته – مشغول لدرجة أنه لا يعرب عن موقف قيمي في أي موضوع ممكن تقريبا: فهذا الأسبوع فقط اعتدى المستوطنون قرب حومش على جنود غولاني وصمت رئيس الأركان. وحافظ على صمته أيضا عندما أساء النائب سموتريتش للناطق العسكري ووصفه بـ "الكذاب".
عندما لم يتردد رئيس الاركان السابق، غادي آيزنكوت، في قضية اليئور أزاريا، عصفت الدولة، لكن ثقة الجمهور بالجيش بقيت عالية. أما الآن فالوضع مختلف ويحتاج إلى إصلاح؛ بدلاً من الادعاء بأن كل شيء على ما يرام، وأن المشكلة هي فقط إعلامية، نوصي رئيس الأركان وقيادة الجيش بأن يرتبطوا بالواقع ويستمعوا إلى الجنود وإلى الجمهور. إذا كانوا يقولون إنه توجد مشكلة فقد حان الوقت لمعالجتها فوراً.
عن "إسرائيل اليوم