منذ نحو عشر سنوات أهتم بمنظمة "لنكسر الصمت". هذا ليس هوساً، بل إحساس شخصي بالإهانة. فعندما شكلها بعض خريجي الناحل (لواء الشبيبة المقاتلة) ممن خدموا في الخليل، نشأت لديّ معضلة شخصية. ظاهرا "شبابنا الطيبون" سعوا الى تحسين أساسنا الاخلاقي، وانا كنت مؤيدا.
وعندما شرحوا بانهم مع طهارة السلاح، هززت رأسي موافقا. وعندما تحدثوا عن تحسين وجه المجتمع الاسرائيلي فهمتهم ووجدت أوجه شبه رغم أنهم صوتوا بشكل مختلف عني في الانتخابات. وعندها كل شيء انقلب رأسا على عقب. فقد تحولت "لنكسر الصمت" من منظمة اسرائيلية الى منظمة تعمل ضد اسرائيل التي اؤمن بها. وقد بدأ هذا بشهادات مغفلة نشرت خارج البلاد دون اسم، عنوان، وجواب من الجيش الاسرائيلي. بعد ذلك جاءت معارض الصور والشراكات الغريبة مع منظمات مناهضة بوضوح لاسرائيل، واخيرا مقابلات صحافية احادية البعد حوالي العالم عن جرائم حرب يزعم أن الجيش الاسرائيلي يرتكبها كأمر اعتيادي. ليس كل ما قالوه كان كذبا، وليس كل حدث كان ملفقاً – هناك احداث شاذة في الجيش الاسرائيلي واخطاء عملياتية تكلف حياة أبرياء. هكذا هو الحال في حرب طويلة ضد "الارهاب". وكانت المشكلة في الصورة التي رسموها لانفسهم وللعالم. حين يقف أفنر جفرياهو، احد كبار المسؤولين في "لنكسر الصمت" أمام لجنة فرعية من الامم المتحدة ويتحدث عن انه رأى بأم عينه كيف يقتل الجيش الاسرائيلي مواطنين ابرياء كأمر اعتيادي وجنود الجيش الاسرائيلي يسرقون، فإني أشعر شخصيا بالإهانة. وهذه ليست شهادة جفرياهو عن نفسه، بل هذه شهادته عليّ. على ست سنوات من حياتي في الجيش النظامي، وعلى سنوات اخرى كثيرة منذئذ في خدمة الاحتياط. هذه هي شهادته على الطريقة التي يزعم انه يربى عليها عموم الجنود في الجيش الاسرائيلي. هذا زعما هو الواقع الذي ليس فيه لدى الجيش الاسرائيلي طهارة سلاح، قيم اخلاقية، وفيه أمر غير قانوني على نحو ظاهر. هذه زعما هي بنية قادة الكتائب، الالوية والفرق، الذين هم كلهم حسب الصورة التي ترسمها "لنكسر الصمت" قوميون متطرفون، فاشيون ومنقطعون عن القيم التي أعرفها. ومن شهادة شخصية هذه هي الصورة الاكثر تشويها التي يمكن للمرء أن يتصورها. ليس بسبب المداولات الطويلة التي تسبق كل حملة في غزة عن "الضرر الهامشي الذي تسببه قنبلة، ليس بسبب القرارات التي تتخذ المرة تلو الاخرى لمنع قتل الابرياء، والجهد الهائل الذي يبذل من اجل التمييز بين غير المشاركين أو العناية الانسانية التي تمنح للفلسطينيين المرة تلو الاخرى. بل بسبب الناس – الاسرائيليين، الجنود – الإنسانيين الذين يوصفون في الصورة التي شكلها نشطاء "لنكسر الصمت". الديمقراطية مبنية على التوازنات والكوابح: حرية الفرد مقابل الاحتياجات الامنية. حقوق الانسان مقابل حق الدولة في الدفاع عن نفسها. القومية السليمة مقابل الديمقراطية. وخلافا للناس غير المتوازنين فان الدول غير المتوازنة لا تنجح في البقاء. شيء سيئ يحدث لها. "لنكسر الصمت" لا تنشر شهادات مغفلة عن حالات فردية بل شهادات كاذبة عن جيش غير متوازن، عن دولة غير متوازنة، عن اناس طيبين أصبحوا وحوشا. ليس في هذه الصورة محكمة عليا او نيابة عامة عسكرية. ليس هناك اصدقاء افياهو يعقوب الذي قتل كونه وصل جسديا الى باب مختبر متفجرات في نابلس بدلا من تفجيره من الخارج لأنه كان في الطوابق العليا مدنيون. ليس هناك عشرات الالغاءات للعمليات التي رأيتها بأم عيني لأنه كان هناك الى جانب الاهدف أطفال. توجد فقط دولة غير متوازنة. وفي شأن مشاركة الرئيس ريفلين في مؤتمر "هآرتس"، الذي شارك فيه رجال المنظمة، هنا ايضا الهجوم غير متوازن: مثل الرئيس، أنا ايضا ضد المقاطعات من أي نوع كانت. التقيت صائب عريقات في الماضي بتكليف من رئيس الوزراء، وهو أحد كبار المشهرين باسرائيل. التقيت فلسطينيين مناهضين لاسرائيل في جدالات علنية كما التقيت رجال "لنكسر الصمت". لا اقاطع، بل اخوض حرب ابادة ايديولوجية. ليس لرجال "لنكسر الصمت" أي مشكلة في العمل بشكل حر في دولة اسرائيل، رغم أنهم يكذبون. ولكن ينبغي أن يواجهوا مشكلة دعم مالي من الدولة ومشكلة لقاء مع جنود الجيش الاسرائيلي وتلاميذ الثانوية. بخلاف ما يدعونه فان اسرائيل هي دولة متوازنة. من المسموح أن يسمع فيها كل صوت، مهما كان فظا، ولكن لا سبب يجعلنا لا نقاتل ضده. خلافا لادعاءات اليسار، فان هذا ليس مسا بالديمقراطية بل دليل على حصانة الديمقراطية. عن "يديعوت" - See more at: http://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=104198e5y272734437Y104198e5#sthash.1jHsEVUh.dpuf