الحارس الشخصي لغولدا مائير يستذكر الساعات الأولى لحرب تشرين

ديان عرض على غولدا «الخيار النووي»، فرّدت: «هذا ما ينقصني»!

يوسي ميلمان.jpeg
حجم الخط

بقلم: يوسي ميلمان


"فقط هذا ما كان ينقصني"، هكذا ردت رئيسة الحكومة في حينه، غولدا مائير، على اقتراح وزير الدفاع، موشيه ديان، باستخدام الخيار النووي في اليوم التالي لحرب "يوم الغفران". من سمع هذا الرد يصدر عنها هو آدم شنير، وهو اسم مجهول بالنسبة لمعظم الجمهور. في حينه كان هو الحارس الشخصي لرئيسة الحكومة، الذي تصادقت معه ومع الوقت أصبح أمين أسرارها.
جرى هذا الحوار، كما قال شنير، في المبنى المكون من طابقين في مكتب رئيسة الحكومة في الكرياه (مقر وزارة الدفاع) في تل أبيب. كان الوقت ظهيرة 7 تشرين الأول 1973، الساعات التي كان فيها شعور بأن إسرائيل تقف على عتبة هزيمة في الحرب. "جلستُ على كرسي في ممر في الطابق الثاني، الذي قاد إلى غرفة غولدا"، يسترجع شنير الوضع. "على الكرسي أمامي جلس شلهيفت فريار (مدير عام لجنة الطاقة النووية). أحضر ديان فريار. لا أعرف ماذا بالضبط اقترح أو قال ديان في الغرفة لأنني لم أسمع".
بين الحاضرين في الغرفة كانت غولدا مائير وسكرتيرها العسكري، العميد إسرائيل ليئور، ونائبها يغئال ألون، وموشيه ديان والوزير إسرائيل غليلي. حتى الآن لا أحد من المشاركين في هذا النقاش أخبر عما قيل. كانت هناك شهادات من مصادر ثانوية، وأهمها شهادة أرنان (سيني) عزرياهو، المساعد واليد اليمنى لغليلي. في مقابلة أجريت معه في العام 2008 قبل فترة قصيرة من موته تحدث عزرياهو عن النقاش الذي اقترح فيه ديان أنه "من الجدير أن يكون هناك استعراض أيضاً للخيار النووي". من غير الواضح ما الذي كان يقصده ديان. هل قصد نشر السلاح النووي الذي كان بحوزة إسرائيل، حسب منشورات أجنبية حتى عشية حرب "الأيام الستة"، أم التهديد باستخدام السلاح النووي أو تنفيذ تجربة نووية. ومن أبلغ الجمهور في العام 2013 عن شهادة عزرياهو هو الباحث النووي الدكتور أفنر كوهين. ولكن عزرياهو لم يشارك في النقاش حسب قوله، بل تم إبلاغه به بعد الجلسة من قبل غليلي.
لم يكن شنير أيضاً موجوداً في الغرفة، لكنه كان خارجها. بعد ذلك تحدث عما سمعه للباحث في حرب "يوم الغفران"، موشيه شفاردي. شهادة مسجلة. في محادثة مع "هآرتس"، حضرها أيضاً شفاردي، أكد شنير ما قيل في التسجيلات. على سبيل المثال عندما سئل هل كان هناك وضع نوقش فيه طلب استعراض نووي، كما تم الادعاء، أجاب: "كان هناك وضع كهذا. يمكنني القول: إنني كنت في وضع تم التحدث فيه عن أمور كهذه، وأتذكر ذلك حتى الآن".
عندما طُلب منه وصف هذا الوضع قال: "تلك كانت محادثة رواق. جلس شلهيفت فريار قبالتي. كانت هناك غرفة جلسات الحكومة التي توجد قبل غرفة رئيس الحكومة، وأمام هذا الباب يوجد بهو صغير ومخرج للشرفة. في حينه كنت أجلس وجلس شلهيفت قبالتي وتحدثنا معاً. أتذكر أن غولدا قالت: لا. هي أجابت بالسلب، وأنا سمعت ذلك جيداً. جلست هكذا مع شلهيفت بضع ساعات. هذا كان فعلياً قرب الباب. عندما كان الباب مفتوحاً كان يمكن سماع - إذا كنت تريد أو لا تريد - كل ما يحدث داخل الغرفة. وكان الباب مفتوحاً طوال الوقت؛ لأنهم كانوا يدخنون في الغرفة".
هل تتذكر بدقة الأقوال التي قالتها غولدا؟ شنير: "قالت غولدا: هذا ما كان ينقصني.. هذا كان بشكل قاطع".

العلاقة الخاصة
ولد شنير في العام 1942 في حيفا باسم آدم شفايتسر. درس في الثانوية المهنية "بيسمت". وبعد إنهاء دراسته تجند في الكوماندو البحري. في خدمة الاحتياط وصل إلى رتبة نقيب. عندما تسرح من الجيش حلم بأن يكون مهندس سفن، لكنه اكتفى بدراسة هندسة الآلات في "التخنيون". ولكنه لم يترك البحر. في حرب "الأيام الستة" حارب في القطاع البحري لسورية. "كنت على متن سفينة حماية قرب ميناء اللاذقية. ولكننا لم ندخل إلى الميناء". بعد الحرب قام بفتح شركات كثيرة، منها مطعم وشركة لتأجير السيارات وموقف للسيارات.
ذات مرة التقى مع جدعون عزرا، الذي كان مركز شاب في القسم العربي في اللواء الشمالي لـ "الشاباك". وبعد ذلك أصبح نائب رئيس "الشاباك" وعضواً في الكنيست من حزب "الليكود" ووزيراً. لم يكن عزرا غريباً عليه، فقد كانت بينهما معرفة سابقة. "سأله عزرا عن أعماله وقال: ألا تشعر بالملل؟، أجابه: نعم هذا ممل. فقال له: تعال معي، لدي اقتراح مهم. يوجد هناك شيء يسمى ش.ب. حصلت على استدعاء للمقابلة في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب. كان رئيس اللجنة أبراهام أحيطوف الذي أصبح بعد ذلك رئيس "الشاباك". مرت سنة، ودون إنذار مسبق وصل إليه تبليغ ليأتي إلى ميدان الساعة في يافا، ومن هناك سيأخذه شخص ما. "انتظرت وأنا أحمل حقيبة مدة ثلاث ساعات. عندها جاء شخص وقال لي: أنت باريلا؟ وذهبت معه". تم أخذه إلى مقر "الشاباك"، غير البعيد عن ميدان الساعة. ومن هناك تم إرساله إلى أبو كبير. وهناك في مكان كان يسمى "المعسكر" (موقع كان لـ "الشاباك" فيه مخازن وغرف تحقيق) أجرى جزءاً من التدريبات. هناك تم ضمه لقسم حماية الشخصيات الذي كان جزءاً من قسم عمليات "الشاباك" (فقط في نهاية الستينيات أُنشئت وحدة منفصلة لحماية الشخصيات). في البداية تم وضعه كرجل حماية عادي لرئيس الحكومة، ليفي أشكول. وبعد موته في العام 1969 بدأ في تأمين من حل مكانه، غولدا مائير. بعد ذلك أصبح قائد طاقم حمايتها.
"كانت بيننا علاقة خاصة"، قال. "تدبرنا العمل معاً، كانت بيننا كيمياء وكنا قريبين جداً. كان هذا أيضاً على خلفية حقيقة أن غولدا كانت امرأة كبيرة في السن وتعاني إعاقة جسدية ووحيدة. أولادها كانوا بعيدين أو منشغلين جداً. واعتبرت سكرتيرتها، لو كدار، وأنا نوعاً من العائلة المقربة. عند غولدا كان للصداقة قيمة عليا، وإذا كنت صديقها فهذا يعني صداقة دون حدود". وحسب قوله: "هذا لا يتناقض مع حقيقة أنها كانت ذات مطالب كثيرة/ وفرضت عليه مهمات لم تكن لها علاقة بوظيفته (مثل اذهب واتصل مع الوزير الفلاني وقم بنقل رسالة للوزير الفلاني). كانت معتادة على أننا نعرف كل شيء. أصبحنا نعرف التفاصيل الحميمية جداً عمّن نقوم بحمايته. ولكنهم يعلموننا أننا مثل الذبابة على الحائط، صامتون. هذا هو كل شيء". وهو أيضاً يتذكر روح دعابتها. "ذات مرة سألتني: قل لي، هل تعرف السياقة؟".
القرب الخاص لشنير من غولدا وجد تعبيره عشية حرب "يوم الغفران". "كانت قلقة جداً"، تذكر اليوم السابق للحرب. في ذلك المساء نقلها إلى بيتها في شارع بارون هيرش 8 في "رمات أفيف"، الذي عاشت فيه منذ 1959، ومن هناك واصل إلى فندق "رمات أفيف" القريب. "بقي الاتصال معي عبر الهاتف من غرفتي في الفندق إضافة إلى نظام الاتصال الخاص بنا".
ذهب شنير للنوم، لكن هذا كان نوماً قصيراً. في الفجر استيقظ على صوت الهاتف. على الخط كان السكرتير العسكري العميد إسرائيل ليئور. "استيقظ، خذ غولدا وتعال فوراً إلى المكتب"، استعاد ما قيل له. "اتصلت مع أعضاء طاقم الحماية الذين كانوا في بيوتهم وذهبت على الفور إلى غولدا. أتذكر أن الوقت كان لا يزال ظلاماً. أدخلتها إلى السيارة وذهبت إلى مقر وزارة الدفاع. وإلى حين وصل كل أعضاء الطاقم وسكرتيرتها، أهوفا ناحوم، كنا في مكتبها في مقر وزارة الدفاع ثلاثة فقط، ليئور وغولدا وأنا".
قبل ذلك أيقظ ليئور رئيسة الحكومة والمقدم يهوشع رفيف، السكرتير العسكري لديان. في الشهادة في لجنة أغرانات قالت مائير: إن ليئور اتصل معها في الرابعة فجراً. بعد ذلك قال ليئور للمراسل إيتان هبار: إن "غولدا رفعت الهاتف على الفور وكأنها كانت تنتظر النبأ السيئ. أصغت إلى تقريري بصمت".
توجد أهمية كبيرة للجدول الزمني. رئيس "الموساد"، تسفي زمير، الذي سافر بصورة خاصة إلى لندن التقى هناك في منتصف الليل في شقة خاصة مع عميل "الموساد" المصري، أشرف مروان. سمع زمير ومشغل مروان، رجل "الموساد" دوفي، من العميد بأنه "غداً عند غروب الشمس ستندلع حرب". اتصل زمير في الساعة الثانية والنصف فجراً بالهاتف العادي غير المشفر مع رئيس مكتبه، فيردي عيني، وأبلغه بالمعلومة. لسبب ما مرت ساعة إلى أن تم إبلاغ النبأ في الساعة 3:50 لغولدا وديان. يغئال ألون، الذي كان يوجد في كيبوتسه غينوسار، شهد بأنهم أيقظوه فقط في السادسة صباحاً وجاء بتأخير كبير. وأنه لم يتم إبلاغه بالأمر قط.
رغم سلسلة المكالمات، إلا أن ديان لم يتحدث مع غولدا إلى أن تم عقد جلسة الطوارئ في الثامنة صباحاً. بكلمات أخرى، منذ لحظة تلقي المعلومة عن حرب وشيكة، كانت رئيسة حكومة إسرائيل مقطوعة عن مركز اتخاذ القرارات مدة أربع ساعات تقريباً. خلال هذه الفترة كانت وحيدة في مكتبها مع سكرتيرها العسكري وسكرتيرتها ومع آدم شنير وطاقم الحماية. ربما أنه كان يمكن استغلال هذا الوقت لتسريع تجنيد الاحتياط وإعداد سلاح الجو لاحتمالية القيام بضربة استباقية. "في التسلسل الزمني لأحداث "يوم الغفران" نفسها كتب البروفيسور أوري بار يوسف في كتابه بعنوان "الكشاف الذي نام": "هناك فجوة غير مشروحة"، منذ لحظة تلقي المعلومة وحتى وصولها إلى المكتب".
يطرح موشيه شفاردي تفسيراً بأنه رغم المعلومة الذهبية التي جلبها زمير (تحذير مروان)، إلا أن ديان، مثل زعيرا، واصل الغرق في وهم أنه رغم كل شيء فإنه لن تندلع حرب. "كل ملحمة التأخير والإخفاء وعدم الاتصال وما شابه، بين غولدا وديان وألون، تزيد من الشعور بالظلم الذي لحق بدادو (رئيس الأركان دافيد إليعازر)"، قال شفاردي، الذي يدير موقعاً في "فيسبوك" باسم "حرب يوم الغفران، ذكريات وندب وآلام"، مع عيديت شاحوري. "اتهمت لجنة أغرانات دادو بأنه قام بتأخير تجنيد الاحتياط في ذاك اليوم بسبب أنه انتظر قرار رئيسة الحكومة"، يواصل. "المادة الجديدة التي توجد لديّ تشير إلى أن التأخير الكبير كان بالأساس بسبب ديان، الذي انتظر أربع ساعات، لم يقم بالاتصال مع غولدا".

وطني قلق
ما حدث بعد تلك الليلة، اجتياز قناة السويس من قبل الجيش المصري واحتلال مواقع خط بارليف، إضافة إلى احتلال جزء من هضبة الجولان من قبل الجيش السوري، قاد إلى تلك الجلسة الخاصة في مقر وزارة الدفاع في اليوم التالي للحرب. تحول النقاش في أعقاب الجلسة إلى أرضية خصبة لعدد كبير من أنصاف الحقائق والشائعات والأساطير، التي استندت إلى معلومات من دوائر ثانية أو ثالثة. على سبيل المثال، محررة "دافار" في حينه، حنه زيمر، قالت: إن ديان، الذي كان في مزاج متشائم، على شفا الاكتئاب، تحدث بكلمات مثل "خراب البيت الثالث".
واصل شنير نفسه مرافقة مائير في كل فترة الحرب، وأيضاً بعد أن استقالت. وحافظ على علاقة عميقة معها. بعد ذلك أصبح شنير رئيس طاقم الحماية لإسحق رابين. وفي العام 1980، بعد أن لم يتم تعيينه رئيساً لوحدة حماية الشخصيات المهمة، تمت إعارته لجهة أخرى في جهاز الأمن. استمرت "الإعارة" ثلاثين سنة إلى أن تقاعد. هناك أصبح رئيس قسم الأمن وقام بتدريب أجيال من الجنود في مهمة الحماية والمراقبة. هو لا ينظر إلى الماضي بغضب. "لو أنه كان يجب علي تكرار حياتي لكنت سأكررها. ولدت وطنياً وأستمر في كوني وطنياً. ولكني وطني قلق مما يحدث".
*ما الذي يقلقك بشكل خاص؟
- شنير: "العلاقات بين الناس في المجتمع الإسرائيلي والقطبية والعدوانية وعدم قدرة سلطة القانون على السيطرة. لستُ ساذجاً. عدم الاستقامة كان أيضاً في عهدي، ولكنه كان مختلفاً. هذا كان بالأساس عدم استقامة سياسية وليس شخصية. أشكول وغولدا وألون ورابين وبيغن، جميعهم لم يفكروا بأنفسهم، بل فكروا بمصالح الدولة. اسم واحد في تلك الفترة لم تتضمنه قائمته، وهو موشيه ديان.

 عن "هآرتس"