في اللقاء الذي نظمه «حراك بنات البلد» مع الأسيرة المحررة خالدة جرار، نجحت «جرار» بوضعنا خلف القضبان، نقلتنا بوساطة «البوسطة، فلسعتنا جدرانها بحرارتها وبرودتها لتصل بنا إلى ما يُسمى «المِعبار»، المسند له توزيع الأسرى والأسيرات لأغراض تعذيبية محضة، إما إلى قاعة المحكمة أو إلى التحقيق أو ربما زيارة ما يطلق عليه العيادة الطبية.
انتهج الاحتلال من ضمن سياساته الثابتة كسْر أي إنجازات يحققها الشعب الفلسطيني في سياق نضاله الوطني الطويل، وتأتي عملية القمع الشامل للأسيرات خلف القضبان من أجل سحب المكاسب المتحققة بالنضال وخاصة الإنجاز المهم في منع مصلحة السجون من التدخل في الحياة الداخلية للأسيرات على صعيد مسؤولية الأقسام وتوزيعهم على الغرف والتواصل إلا من خلال ممثلات الأسيرات.
ومن أجل إعادة الأمور إلى سابق عهدها قبل تحقيق الإنجاز وتثبيته، تم اجتياح سجن «الدامون» والاعتداء على الأسيرات بوحشية بالضرب والسحْل وصولاً إلى عزْل ممثلات الأسيرات ووضعهن بالسجن الانفرادي الذي قاومته الأسيرات بالصمود، وفي السجن قيادات نسوية فريدة تدير الاشتباك باقتدار وصلابة.
ونتيجة اقتحام سجن الدامون المتكرر الذي نفذته القوات الخاصة المدججة بالسلاح والتابعة لمصلحة السجون تم تعريض حياة الأسيرات للخطر الشديد، بإصابة العشرات منهن بجروح مختلفة في سبيل تكريس التراجع عن المكاسب التي حققتها الأسيرات في الهبّة الأخيرة العام 2019 الرافضة لتوصيات لجنة «أردان» وتجسيداتها في السجن وخاصة المتعلقة بنصب الكاميرات في ساحة السجن.
لا يمكن عزل سحب مكتسبات الأسيرات عن السياسات الإسرائيلية الشاملة ضد الشعب بأسره، بل هو امتداد للسياسة الأمنية المتبعة والمستمرة، ويمكن مقاربة العودة إلى مستوطنة «حومش» المخلاة منذ العام 2005 نتيجة لنضال أهالي برقة كمثال على سحب الإنجاز الوطني المتحقق، لتحقيق غايات منهجية بالسيطرة على إرادة الشعب بأسره وإعطاء الانطباع بأن طريق النضال غير نافذ إلى تحقيق الانتصار.
إنها السياسة الإسرائيلية التي تحاول زرع الوعي بأن لا شيء يحقق الإنجازات سوى العطايا التي يمنحها الاحتلال.
وفي هذا المجال تمتد رسالة الطغيان إلى إلغاء أثر الإنجازات المتحققة خلال العام 2021 التي بعثت الأمل مجدداً، الأمل المُحارَب من قبل الاحتلال الإسرائيلي كما تُحارب أي تفصيل وطني فلسطيني مُقاوم. فالسياسات الإسرائيلية تَلحظ مرافقة الهزيمة المعنوية والنفسية للوقائع التي تُمارسها وترسمها على الأرض.
وعيون المراصد الإسرائيلية مفتوحة على مصاريعها على الشعب ومزاجه وعلى مراقبة «باروميتر» معنوياته صعوداً وهبوطاً، وتضع في اعتباراتها مطاردة الأمل كما تطارد المقاومين والمناضلين، هادفة بالأساس إلى إشاعة وتعميم الإحباط الجمعي والفردي، للإجهاز على المشروع الوطني الجاري هزيمته على قدم وساق حالياً.
فلا يغيب عن ذهن الاحتلال الأثر الذي أحدثته الانتصارات النسبية المتحققة في هذا العام، الأثر الذي أحدثته عملية نفق الحرية وتتويج الإضرابات عن الطعام التي بادر لها بعض الأسرى بالانتصار، ديمومة نضال أهالي الشيخ جراح وسلوان ودفاعهم عن بيوتهم، بؤر المقاومة في ميادين الدفاع عن الأرض وضد الاستيطان، نموذج بيتا وكفر قدوم وبيت دجن وعزون والخضر وبرقة وغيرها، وكذلك أثر الانتصار المتحقق في قطاع غزة عن عملية «سيف القدس» ومفاعيلها على توحد الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.
هذه الأشكال النموذجية الباعثة على الاستنهاض والأمل مستهدفة بجميع الوسائل والأساليب الاحتلالية.
وصلت رسالة مصلحة السجون إلى جميع الأسرى، الذي سارعوا إلى الانتفاض ضدها من خلال إطلاقهم شعار «الأسيرات خط أحمر».
رفض الأسرى الخطوة الممنهجة ضد الأسيرات ومحاولات الاستفراد بهن باعتبارهن الخاصرة الرخوة ونقطة الضعف، فالمعركة واحدة بهدفها كسر إرادة الأسيرات كأقلية عددية.
معركة الأسرى معركة الكل الفلسطيني، فقد باتت السجون المصدر الرئيس للنضال الفلسطيني وبات مطلوباً أن يكون الصدى أعلى مما هو قائم بالتفاعل، حيث باتت بيانات الاستنكار لا تكفي.
الرسالة الموجهة الأولى بفهمها ومواجهتها من قبل الشعب في المعتقل الكبير، لا يجوز الاستفراد بالأسرى والأسيرات. بل المطلوب أن تواجه بالمقاومة الشاملة من خلال فتح المزيد من بؤر المقاومة الشعبية، واستعادة المناخات التي برزت خلال معركة غزة في أيار الماضي، جنباً إلى جنب مع ضرورات سياساتية باتت لا يحتمل استمرارها، المتعلقة باستعادة الوحدة الوطنية تسبقها مراجعة وتقييم سياسة القيادة الفلسطينية بمختلف الاتجاهات والتوجهات وقدرتها على تحقيق الحرية والاستقلال.
استهداف سفينة تابعة لشركة شحن دنماركية في البحر الأحمر
31 ديسمبر 2023