معاريف : يـهـود فـرنـسـا فـي حـرج

زلمان.jpeg
حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال



السباق للرئاسة الفرنسية والتي ستعقد في نيسان القادم تبدو تجريدية اكثر فأكثر. فان كانت المعطيات أظهرت منذ وقت غير بعيد منافسة في الجولة الثانية والحاسمة بين الرئيس ماكرون ومارين لوبان، رئيسة حزب اليمين القومي فان فالري بكراس، مرشحة الحزب الجمهوري الوسطي – اليميني، واريك زمور، مرشح فرد دون حزب، صحافي يهودي من مواليد الجزائر والذي يتجاوز لوبان من اليمين، سرق الأوراق. وصحيح حتى الآن، فإن بكراس هي صاحبة الاحتمالات الأفضل للفوز على الرئيس القائم. ولكن زمور ترك أثره على كل حملة الانتخابات.
رغم الفوارق بين مواقف المرشحين في المواضيع المختلفة، في موضوع واحد يوجد قاسم مشترك، وان لم يكن بنفس المستوى: الحاجة لفرض قيود على الهجرة الى فرنسا حفاظا على طابعها الفرنسي. من ناحية إسرائيل، بالمناسبة، لن يهم كثيراً من ينتخب، إذ ان الخط السياسي الفرنسي تجاه الشرق الأوسط تقرره بقدر كبيرة وزارة الخارجية الفرنسية وتقاليدها. ليس هكذا بالنسبة ليهود فرنسا، الذين خلق ترشيح زمور من ناحيتهم وضعاً خاصاً. فالمعتقد الفرنسي الرسمي وان كان هو "الحرية، المساواة والأخوة"، لم تكن اي من كلماته ولا سيما الأخيرتين تعكسان الواقع الحقيقي أبداً. فاللاسامية مثلاً كانت جزءاً من الثقافة والواقع، مشتركة للثورة الفرنسية ولعدوتها اللدود الكنيسة الكاثوليكية، وفي القرن الـ 19 والـ 20 ارتدت اشكالا سياسية واقتصادية رجعية، بلغت ذروتها في محاكمة درايفوس (التي اعطت هرتسل الدافع للفكرة الصهيونية). في الحرب العالمية الثانية اصبحت اللاسامية هي السياسة والممارسة الرسمية لحكومة فيشي التي تعاونت مع الالمان، وحتى في سقوف "فرنسا الحرة" برئاسة ديغول كان من كان حضور اليهود في حاشيته غريبا عليه.
ان ظهور المرشح اليهودي أريك زمور في الساحة السياسية يخلق الآن ليهود فرنسا مشكلة مزدوجة: أولاً، يهوديته تمنح بعداً وذخيرة للاسامية واللاإسرائيلية في اليسار المتطرف والمؤيد للفلسطينيين (رغم ان ليس لزمور اي صلة بالصهيونية او باسرائيل، والعكس هو الصحيح"، والتي وجدت تعبيرها مؤخراً في التنكيل للفيلسوف اليهودي الفرنسي ألن فينكل كراوت. من جهة أخرى فإن تطرف زمور بالذات يمس بالمعارضة الشرعية في مواقع واسعة من السياسة والرأي العام في فرنسا للحضور الإسلامي المنتشر في بلادهم وللنشاط الجهادي لقسم منه. وقول زمور ان المهاجرين الأفارقة، وبخاصة المسلمين والعرب، يغيرون طبيعة فرنسا، شعاراته مثل "هم يحتلون فرنسا" وما شابه، تستوعب جيدا في وعي طبقات واسعة من الجمهور الفرنسي. هو يقول لسامعيه ان مناطق كاملة في مدن فرنسا "احتلها" عرب وأجانب آخرون والدين الإسلامي يزرع في أوساطها بذور القتل والعنف. ومع ذلك، فان موقف اليهود متضارب: فهم واعون لحقيقة أن كراهية الأجانب ليست باتجاه واحد ويمكن أن توجه ضدهم أيضاً، ولكنهم واعون بقدر لا يقل لحقيقة أن الإسلام المتطرف وفروعه تعرض أمنهم للخطر مثلما حصل مثلا في عملية الإرهاب في متجر "هيبر – كشير" وفي سلسلة حوادث عنف ضد يهود ومؤسسات يهودية في أرجاء فرنسا. ومع ذلك، صعب عليهم ان يهضموا حقيقة أنه من اجل الاقتراب من الجمهور اليميني الرجعي يكون اليهودي مستعداً لأن يعيد كتابة التاريخ وان يبرر بأثر رجعي السياسة المؤيدة للنازية واللاسامية لحكومة فيشي برئاسة الجنرال بتان، والادعاء بان آنف الذكر حمى يهود فرنسا من النازيين ("ولكن ليس اليهود الذين لم تكن لهم مواطنة فرنسية") وتجاهل ان المسؤولين في الجانب الفرنسي كانوا أولئك الذين بادروا أحياناً لقرارات القمع بما في ذلك طرد أطفال اليهود الى معسكرات الموت.
مهما يكن من أمر، فان يهود فرنسا في حرج بالنسبة لترشيح زمور. الخط الذي ميز في الماضي جزءا من يهود فرنسا وزعمائهم، الاندماج باء بالفعل بفشل ذريع، كانت ذروته المأساوية في الحرب العالمية الثانية. أما زمور فيمثل اليوم اندماجاً يهودياً جديداً وساماً بقدر لا يقل عن سابقه.

عن "معاريف"