لسرلئيل اليوم : «نعي» الديمقراطية المشبوه في إسرائيل

دان شيفتن.jpg
حجم الخط

بقلم: دان شيفتن

 

 



شريط بنيامين نتنياهو الأخير يؤكد مرة أخرى ما كان يفترض بنا أن نعرفه: نبوءات الغضب الهستيرية عن "نهاية الديمقراطية" في إسرائيل وإن كانت سخيفة في مضمونها، الا انها تُستخدم بنجاعة تلاعبية في كل المعسكرات لأجل تجديد حماسة الأغبياء السياسيين كأداة للاستيلاء على الحكم. فالموقف الاستخفافي إياه جدير أيضا بشجب عاصف لـ "الحيل والأحابيل" والوعود المتواضعة بـ "السياسة النقية". الاتهامات غير المسنودة والوعود الفارغة من هذا النوع هي أداة عمل أساس في العملية الديمقراطية.
إن صرخات النجدة بشأن نهاية الديمقراطية تستخدم منذ قيام الدولة ممن ليسوا في الحكم – من بيغن، عبر بيريس وحتى نتنياهو – وممن يعمل بتكليف منه أو يستغل من ناحيته دون ان يعرف. قال نتنياهو إن الديمقراطية في الكنيست توجد "تحت التهديد" بسبب قوانين "تصفي الحريات الأساس في الديمقراطية". وعلى حد قوله، فان هذه الهوة "تدفن وتشطب" فيها الحقوق الأساس للديمقراطية، بشكل يؤثر على الديمقراطيات الأخرى؛ وهذه مدعوة لان تطلق صوتها "قبل فوات الأوان". انطلقت في السنوات الأخيرة صراخات تتنبأ بالآخرة عن خراب الديمقراطية على لسان معارضي نتنياهو. خرج عشرات آلاف "التنابل السياسيين الاستعماليين"، المثقفين وطاهري الدوافع، الى الشوارع والى الجسور مع أعلام سوداء، لم يفهموا معناها "كي ينقذوا الدولة من ضياع طريقها". وتحدثوا عن الفاشية وهذروا بأن "أردوغان بات هنا". وعادوا كلهم بعد ذلك إلى بيوتهم بإحساس من الرضى عن أنفسهم كمنقذي حرية الإنسان.
ودرءًا لسوء الفهم: المظاهرات السياسية هي أداة ديمقراطية فرعية وهامة؛ التدخل الجماهيري الواسع في المعركة لتغيير الحكم مرغوب فيه ويشهد على صحة وحصانة الديمقراطية. اما ما هو سخيف فهو الادعاء بخراب الديمقراطية، دفنها وتصفيتها، في ذروة حدث يشهد على ادائها السليم. ان الحق في الديماغوجيا، الهستيريا والتفاهة منصوص عليه عميقا في النظام الديمقراطي. هذا الهراء ناجع ومفهوم في حالتين وغريب في الثالثة. هو مفهوم في اوساط السياسيين الساعين الى تغيير الحكم وفي اوساط مساعديهم ومؤيديهم الاستعماليين؛ وهو مجدٍ كتلاعب في اوساط عديمي الفهم السياسي ممن يغريهم حدث ما لاغراض الاشفاء؛ وهو غريب في اوساط من توجد له الادوات التحليلية لان يفهم الديمقراطية الاسرائيلية ويختار ان يستسلم لنبوءات عديمة الاساس عن خرابها.
هكذا يجدر التعاطي ايضا مع ادعاء "الحيل والاحابيل". الحيلة والاحبولة المطلقتان هما تضليل "السياسة النقبة" التي لا تحتاجهما. فالامتناع التام عن المناورات السياسية هو وصفة للانتحار السياسي. الامر ممكن، وحتى عندها بقدر محدود، فقط في ظروف لم تعد موجودة في ديمقراطيات العصر الجديد: اغلبية متينة وحاسمة في الانتخابات. في ظروف السباق المتلاصق يحسم الصراع بواسطة الاستخدام شبه غير المحدود لكل حيلة واحبولة.
كل وسيلة على الطاولة، ومن كل الجهات: كل شريك، بما في ذلك بن غبير وعباس، كل بندوق، كل قانون حيوي، بما في ذلك قانون المواطنة، ومثلها تضخيم الحكومة بوزراء وبنواب وزراء، اموال ائتلافية مشوهة وفاسدة، قوانين شخصية وكل تذاك قانوني واداري. وبطلة الاحابيل هي المنظومة القضائية – النيابة العامة ومحكمة العدل العليا. السياسيون يسلمون بسيطرتها في تصميم السياسة بسبب ازالتها للعوائق من امام سعيهم الى الحكم، من درعي في عهد حكومة اوسلو وحتى نتنياهو مؤخرا. كل هذا ليس جميلا، ولكن هذه هي الديمقراطية: خليط من قواعد اللعب العادلة مع حيل، احابيل وصفقات مشبوهة على حساب المصلحة العامة، وكل ذلك في مرقة سميكة من الازدواجية الاخلاقية وتدوير العيون.
واليكم الانباء الطيبة: الديمقراطية الاسرائيلية متينة اكثر من اي وقت مضى؛ المجتمع يتصدى بنجاح لتحديات كثيرة وعنيدة، رغم أن الكنيست والحكومة لا تؤديان دورهما جيدا. الجمهور الاسرائيلي يعيش بحرية تامة، تتحداها الفوضى، ليس من الجانب الفاشي. ليس لـ "اردوغان" سيطرة في التيار المركزي للجمهور. المجتمع الامريكي ممزق وعنيف اكثر بكثير. المجتمع الاوروبي يتصدى بشكل اقل جودة للتحديات الصحية والاقتصادية، دون اضطرابات امنية. ولا يزال- مسموح التباكي. الحق في الهستيريا محمي ومتوفر للجميع.     

عن "إسرائيل اليوم"