خواطر بداية 2022

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

بقلم: ريما كتانة نزال

أمل وخذلان وأحزان: وينسحب العام آخذاً معه خيبات وخسارات وأحزاناً وخذلاناً. اختبرنا فيها تجارب وضعتنا في سراديب أجبرت بعضنا على التقوقع أو الانكفاء، بحثاً عن فهم أعمق للتحولات والمعادلات. وقبل أن تصفق السنة بابها في وجوهنا، أخذتنا في رحلة داخلية مع الذات للتعرف على حالنا وإعادة تعريف ذواتنا. والحوار الداخلي مع الذات أصعب من حوار الآخر، لأنه يدخل لا محالة في محاولات مواجهة تيار الكراهية وحواجز التعصّب وزحف الظلام، تجاوره محاولات الحفاظ على اللوْن وحمايته من التماهي والاغتراب.
سقوط الأوهام: نقف اليوم على عتبة محطة جديدة ومعطى جديد، التجربة الفلسطينية السابقة جرّدت الوعي من كل ما علق به من شوائب وأوهام، منها الرهان على النظام العربي الذي أصبح معيقاً بانعكاساته على العامل الفلسطيني، لا رهان سوى على الذات في زمن الانجراف العربي، والرهان على قدرة من باستطاعته الاستفادة من الدروس الصعبة التي عبرت إلى حال سبيلها، وبقيت غصّة عالقة.
لنعترف: عملنا واجتهدنا وأصبنا مرّات، وعملنا واجتهدنا وأخطأنا مرّات أكثر. عاندنا وقويت إرادتنا في حين، وفي أحيان أخرى تصلبت شراييننا وضعفت إرادتنا ومبادراتنا. حاولنا تغيير قواعد اللعبة ومسار عقارب الساعة، وغيرنا أشرعة الإبحار، ولم نحتمل.
بعض خططنا ما صبّ في مجرى مراكمة النضال الجمعي، ومنه ما أحدث قطعاً في العلاقة الطبيعية مع الشعب، واستخلصنا في التقييم أن الخطابات الفارغة والمتناقضة عجزت عن شدّ أوتارنا لمواجهة المحتل، وتركتنا في التيه.
في الصورة المقابلة، تفوقنا على الاحتلال بإظهار انحطاطه القيمي والأخلاقي. رسمنا صورتين متقابلتين متعارضتين. وضعنا صورتنا أمام العالم في مقابل صورة الاحتلال العنصري، نحن أمام السجون والمعسكرات في طقوس طويلة الأمد نستنشق غازهم وعوادمهم السامة، ونستقبل زخات الرصاص بجميع تنوعاته الجهنمية المصنعة لدى قوى المال والاستعمار. تفوقنا في استقطاب المجتمع الدولي نحو ملعب الحق والإنسان.  
لنعترف: نعم، لنعترف بأن عناوين انقسامنا وخلافاتنا على حالها، وبأننا منقسمون لفظياً على الشكل، بينما الانقسام الحقيقي في التمسك بالانقسام كمصلحة لرعاته. لقد بات الموضوع مكشوفاً تماماً وهو الأمر الذي يحيط الشعب بالقلق والخوف من نحو تأبيده، بتوجه واعٍ.
الأسرى: لا بد من الحوار واستخلاص دروس وعبر المقاومة المثمرة بعيداً عن الارتجال والعفوية. ومواصلة دعم مطالب الحركة الأسيرة التي تساهم أكثر من غيرها في استنهاض الحركة الجماهيرية، وهي المؤهلة فعلاً للاضطلاع بذات الدور التي لعبته على الدوام في تحريك المجتمع. علينا أن نرسم أشكال ومعالم انتفاضة قد تكون وشيكة تبقي وتيرة الشارع متوازنة من جهة، والاستمرار برفع شأن الفوارق القيمية بيننا وبينهم، لنجعلها الأداة التي تفضح وحشية الاحتلال وحصاره بجرائمه المشبَّعة بالعنصرية. ليس أكبرها قوانينه العنصرية، ولن يكون أصغرها صورة طفل في دائرة هدف بندقية مجنونة.
في التفاصيل: حَرَّكنا الأمل، نعم تحرك الرجاء على تحقيق المطالب المؤجلة في الإصلاح والتغيير. أمل التغيير واستعادة القطع الضائعة من النظام السياسي، فاحتشدت الشجاعة وقوى التغيير المؤمنة بأهدافها بعيداً عن الخوف والمصالح. حمل الميدان أمل التغيير في استعادة الوحدة الوطنية وإصلاح الأداء القيادي وسيادة القانون. اجتمعت قوى التغيير في محاولة لضبط البوصلة نحو اتجاه واحد، لكن حركة قوى المصالح الثابتة كانت أسرع في تحقيق السيْطرة على المشهد الذي كاد أن يصطبغ بإرادة المجتمع وألوانه.
لا بأس، فخلال رحلة التصويب والإصلاح قد يخذلك البعض، والمسار الثوري لا يسير في طريق مستقيم، فالتوقف عند لحظة الخسارة زيادة في المعاناة أو اليأس.
التكوين الفلسطيني: لا يزال يثبت فرادته، استعاد الفلسطيني صورته وحراكه على الشارع الملتهب، واستعاد احتلال المشهد المخطوف منه، هذا العام اختلط الأمل بالخوف والحذر مما هو قادم ومجهول. الإنسان الفلسطيني المحاط بالمتاعب من جميع الجوانب، من هنا الاحتلال.. ومن هناك الانقسام والتشظي.. يتحرك في ثنائية المخاطر ويثبت بطاقة استثنائية على تسجيل الأرقام القياسية، واختلاق طبعة مجددة من السردية الفلسطينية، ولا تزال القشة التي قصمت ظهر البعير قادرة على تسجيل انتصارات أنيقة ترفع من الأرصدة الأخلاقية. واستطاع التكوين المتوارث من تدوير المفاتيح في أقفال أبواب الشارع. فلا شيء يحرك ذلك المفتاح إلا نحن.
المفاجآت مستمرة: ما زال الشارع الفلسطيني قادراً على توضيب المفاجآت، وهو الشارع الذي طفح كيله منذ سنوات. يُظْهر عدم اكتراثه فترة من الزمن، وعلى حين غرّة يضع بروده جانباً ويواصل صناعة النماذج الباذخة.
انتهى العام باستعادة تثبيت الصورة على مشهد مُقاوم ضد عنصرية إسرائيلية موصوفة، أذكته نار الأسرى الذي تحاسب أمعاءهم الخاوية المجتمع الدولي على تقصيره ومماطلته وتواطؤه مع الاحتلال.