ذكرياتي مع الطفولة

shutterstock_139166480-800x400
حجم الخط

بعد عناء البحث عن مادة للكتابة استقر ذهني على أن أكتب عن الذكريات. تلك المادة الخام الغنية بالمواقف والأحداث التي يمكن أن تلخص بعضها في سطور على فيس بوك أو تفرد لبعضها كتاباً كاملاً. تلك الحفرة التي تكاد لا تنتهي إلا بانتهاء حظك من الأنفاس.

أشخاص، أحداث، يمر بعضهم مرور عابر السبيل ويحفر بعضهم الآخر مكاناً لا يمحوه الدهر في ركن من أركانها. سأفتش في الأركان عن قصة إذن لأكتب عنها. يبدو أن الأركان مظلمة نوعاً ما ليس بالضرورة لفداحة ما تحويه ولكن ربما هذا مجرد ثقل التحميل الزائد.

ذكريات الطفولة ربما تكون الأفضل للكتابة، ذاكرة الأطفال غنية ربما لأنها محاولات التخزين الأولى من دون التقيد بنتائج مسبقة يرسمها العقل مع التقدم في العمر. ذاكرة حية مفعمة بالأمل وشغف التجارب الأولى. أول خطوات، أول أشخاص، أول ألم، أول مشاعر مختلطة لا تعريف لها في هذه المرحلة.

حاولت إرهاق ذاكرتي لأسترجع من ذكريات الطفولة مادة تستحق النشر فلم أجد. ربما طفولتي لا تحمل أحداثاً مثيرة أو أنها تحمل أكثر من اللازم. ذكريات أسر تتفكك بما يحويه ذلك من خوف، حزن، تعقيدات، وتغييرات أسرع من اللازم، ذكريات تحول أشخاصاً من صور لطيفة إلى صور أخرى يغلب عليها السواد.

أتذكر جيداً ذلك اليوم الذي انفصل فيه أبواي وكنت خائفة من الغد لأني أخشى البعد عن أمي وخاصة أننا كنا لا نحب أبي. لم تتركنا أمي ولم تتحقق مخاوفي، على الأقل آنذاك.

أتذكر أيضاً محاولاتي أنا وأختي للتصنت على أحاديث الكبار لنستشف منها شكل الغد. كم كانت أحاديثهم مزعجة ثقيلة على النفس تنذر بغد مؤسف. “عجيب ومظلم هو رؤية الكبار للغد” كان الصوت الدائم في عقلي وقتها. وبرغم كل الثقل المحمل في كلامهم إلا أن نظرتي للغد لم تتأثر في طفولتي.

كنت دائماً أتخيل أن كل ما علي هو أن أنام فينتهي كل هذا. أعلم جيداً الآن أن النوم لا يغير شيئاً.

يبدو أن الطفولة وإن كانت عامرة بالحكايات صعب جدا الكتابة عنها. قد تكون أسهل لو أحكي عنها من عين الطفلة لا الإنسانة الناضجة نوعاً ما، التي هي أنا الآن.

يشوه النضوج ذكريات الطفولة ويضفي عليها استنتاجات وتنظيرات تسلبها براءتها والشغف في تفاصيلها. والكتابة بعين الطفلة شبه مستحيلة، كيف أنحي سنين عمري وأسترجع نظرة بهذا القدم؟! يبدو أن الطفولة لن تساعدني على الخروج من حالة “مش عارفة أكتب” التي تراودني هذه الأيام.