كتب غازي مرتجى
في جلستين متتاليتين للحكومة الفلسطينية ورد مقترح تشكيل المجلس الاعلى للاعلام وفي الجلسة الأخيرة وافقت الحكومة على اعتماد المجلس المقترح (دون اسماء) وفق قرار بقانون .
المُتابع للوضع الإعلامي العام في الوطن (غزة والضفة) يعلم يقيناً أن حالة التشرذم الحالية كانت أولى ضحاياها القنوات الاعلامية الرسمية , فتلفزيون فلسطين الذي يُضخ عليه مئات الآلاف من الدولارات ووكالة وفا اقتصر دورهم مؤخراً على نقل وقائع وجلسات ولقاءات تستطيع أي وكالة (مبتدئة) إخراج الأمر بشكل اكثر عصريةً وابداعا .
القرار الذي يقضي بتشكيل مجلس اعلى للاعلام وبمعرفتي الأولية بالأسماء المطروحة لتولي رئاسة المجلس تُعيد التجربة القديمة الجديدة (تجريب المجرّب) .
الأسماء المطروحة (حتى الآن) لن تنجح في مهمتها لأنها أسيرة لأبجديات الاعلام التاريخي والتقليدي الذي عفا الزمن عليه وأصبح مُستخدم هذا الأسلوب الاعلامي (القديم) في العالم (المتقدم) يُكرّم في متحف للعقليات القديمة وتُسجّى أبجدياته وتُقرأ عليها تعويذة "اسمعني يا زمان" .
رهن الاعلام الفلسطيني الفاشل أصلاً والمُستسلم بمجلس أعلى للإعلام لن يكون في طيّاته أي ممثل عن المؤسسات الاعلامية الناجحة (حتى لو كانت خاصة) أو الشخصيات الاعلامية المؤثرة في العالم (ولو عن طريق تغريدة على تويتر) واستخدام نظرية تجريب المُجرّب وهيكلة المُبعثر , لن تكون مفيدة بل ستكون نتائجها وخيمة .
لنكن أكثر صراحة , فالاعلام الفلسطيني الرسمي وحتى لو بالمفهوم الفصائلي الضيّق (اعلام فتح) لا يُمكنه توجيه الرأي العام تجاه أي قضية مُلحّة وأصبح الرأي العام رهناً للإعلام الاسرائيلي في المقام الأول و"الحزبي" في المقام الثاني ومؤخراً بات تشكيل منظومات اعلامية تتبع شخصيات متنفذة هو المقام المُسيطر على الاعلام بشتّى أنواعه .
لنزداد صراحة , لو قررت إحدى التوجهات الحزبية أو الشخصية تحويل الرأي العام تجاه قضية ما , هل سيتمكّن الاعلام الرسمي من مواجهة ذلك ؟ .. الإجابة حتى اللحظة وبعد تشكيل المجلس الاعلى للاعلام (بصيغته المطروحة حاليا) النفي المطلق (لا مُكعّب) ..
أحد القائمين على الإعلام يعتقد أن موقعاً الكترونياً يتبع لجمعية محلية هو الموقع الأقوى الكترونياً فقط لأن صورته مُعلقّة على هذا الموقع المذكور بشكل مستمر , وآخر من المطروحة أسماءهم ليكون في مجلس الإعلام الأعلى لا يعرف الفرق بين الفيسبوك والتويتر فما باله لو طلبنا منه ترويج الرواية الرسمية الفلسطينية على "انستغرام , واتس أب , بنترست , سناب شت" ..الخ , ثالثٌ لا يزال يعتقد أن الاعلام الرسمي يقتصر على متابعة تحركات الرئيس ورئيس الوزراء (دون وزرائه) والتقاط صورتين لهم والتصريح ببيان (جوفه فارغ) وبهذا يكون أدّى الدور المطلوب , رابعٌ يُصّر أن الاعلام الالكتروني بشتّى تفاصيله لـ"الأولاد" وأن الصحافة الورقية هي من توجّه الرأي العام , وخامس من أصحاب نظرية التأثير على الرأي العام من خلال المسلسلات والأفلام وإلهائه بمسلسلات توم وجيري والعمّة بطوط ! .. سادس وسابع وهلُمّ جرّ ..
الرسالة التي يجب أن تصل الرئيس أبو مازن أنّ الإعلام التقليدي انتهى إلى غير رجعة ولو أراد المستوى السياسي والرسمي تطوير الرواية الفلسطينية بدلاً من حشرها في زاوية "المُتهم" دوماً .. يجب عليها تطوير الذات الاعلامية وشخوص الحالة القائمة ومن غير الضروري ان يتحوّل المستوى الاعلامي الرسمي الى "بزّازة" ترضية لمحاور وجهات نافذة .
لا شكّ ان الرواية الرسمية الفلسطينية مصونة الآن بتصرف وخبرة وانتماء عدد قليل من الاعلاميين والصحفيين المتنفذين والمعروفين وبعض المؤسسات (الخاصة) التي لا تربطها بالسلطة أي رابط وتؤمن تماماً بأن الرواية الرسمية الفلسطينية هي الرواية التي يجب أن تصل ومن الضروري تعميمها وتدويلها في الرأي العام .. لو أردنا تقييم الاعلام الفلسطيني الرسمي سيكون 1 من 10 على أكثر تقدير ..
السيد الرئيس .. السيد رئيس الوزراء , السادة جهابذة الاعلام الفلسطيني الرسمي .... احذروا الوقوع في فخ "الترضية" وأحسنوا الاختيار فإنّ ذلك سبباً في تقوية الرواية الفلسطيني وتطويره وإقصاء الاعلام الحزبي .
السادة محاور القُوى المُتنفذة والتي فات عليها الزمن والتطوّر تعلّموا الفيسبوك وتويتر , الواتس آب والسناب شت وكونوا على أُهبة الاستعداد لأن إرضائكم عند "البعض" أهم من نشل الرواية الرسمية من مستنقع الإتهام ..