اسبوع بدأ بمؤشرات واشارات من جهة قطاع غزة حول تصعيد مقترب، انتهى صحيح حتى الان بتعطيل اللغم المركزي، في حل وسط يتمثل في أن ينهي المعتقل الاداري هشام ابو هواش المتماثل مع الجهاد الاسلامي اضرابه عن الطعام مقابل تعهد اسرائيلي الا يتجدد اعتقاله وان يتحرر في نهاية شهر شباط.
المسألة المفتوحة المتبقية من السلوك الاسرائيلي المعقد في هذا الموضوع أفلا تزع عمليا بهذه الطريقة والحل المتحقق الالغام التالية، والفهم لدى منظمات الارهاب في القطاع بانه يمكن تحقيق انجازات محلية من خلال ممارسة القوة، التهديد والضغط. في جهاز الامن قدروا في الايام الاخيرة بان تهديدات الجهاد الاسلامي بالتصعيد في قطاع غزة حقيقية ومن شأنها أن تهدد الاستقرار الامني النسبي في الجنوب. بتأخير كبير فهموا في جهاز الامن بان ابو هواش، من خلال اضرابه عن الطعام، ينجح في الحاق وجع رأس كبير لاسرائيل. في المكان الذين فشل فيه سجناء اداريون كثيرون، نجح نشيط هامشي نسبيا في مراتبية الارهاب في الجهاد الاسلامي في أن يرفع نفسه الى مكانة رمز. مشكلة صغيرة سرعان ما اصبحت كبيرة لعل حلها يؤجل التصعيد لكنه يدفع الى الامام انجازا كبيرا في الوعي لمنظمات الارهاب.
من خلف الكواليس كان المصريون هم الذين عملوا على حل المسألة كما جند مسؤولو السلطة الفلسطينية في الجهود بحيث يسهل على اسرائيل تبرير الحل في ضوء حقيقة ان السلطة هي التي عملت عليه. معطى من المتوقع للسلطة نفسها ان تستعمله ايضا تجاه سكانها. عمليا، كما اسلفنا الصورة تختلف وبقدر كبير عملت حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية انطلاقا من هامش مصالح مشتركة حيث انه مريح للطرفين عرض السلطة كمن قادت الخطوة.
يمكن اجراء بحث جدي ومعمق في مسألة هل عملت اسرائيل على نحو صحيح إذ وجدت في نهاية الامر الطريق لاغلاق القضية دون التدهور الى تصعيد امني، حيث أنه في قيادة جهاز الامن وفي القيادة السياسية توجد جملة متنوعة من المواقف في هذا الموضوع وحجج مع وضد.
في نهاية المطاف كان الموقف الذي اتخذ واقره رئيس الوزراء نفتالي بينيت هو أنه في ظل وضعية تتمثل بتقليص الاضرار في الحدث الذي على اي حال تدفع فيه اسرائيل ثمن الخسارة، يفضل اختيار طريق الحل الوسط. بينيت، كمعارض من اليمين لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو كان سينتقد نقدا شديدا قرارا مشابها لسلفه، مثلما درج في قرارات اخرى اعتبرها استسلاما للارهاب. اما الان فكرئيس للوزراء، مثلما حصل لكثيرين قبله يتعلم كم هي الصورة مركبة عندما تكون انت الذي تتحمل المسؤولية العامة.
على شيء واحد يخيل انه لا جدال – دولة اسرائيل علقت في أزمة ليست هي من ادار فيها الوتيرة. ما بدأ كوجع رأس محتمل، في اضراب آخر عن الطعام لمعتقل اداري آخر انتهى بمشكلة استراتيجية لدولة اسرائيل ورفع مستوى نشيط ارهابي صغير الى مكانة رمز وطني لمنظمات الارهاب الفلسطينية في غزة وفي الضفة. للسلوك الاسرائيلي دور في ذلك ايضا.
تأخر جهاز الامن هذه المرة في رفع العلم على ما يتطور هذه المرة فيه هنا الى شيء آخر. فاذا ما تقرر في نهاية المطاف انهاء القضية بحل وسط وبقرار لعدم تمديد فترة الاعتقال الاداري رغم الخطر المنسوب لابو هواش، يطرح السؤال أولم يكن ممكنا انهاء القضية في وقت مبكر اكثر في اثناء الـ 141 يوما لاضرابه. في وضع كهذا قد تكون الازمة الاخيرة من خلفنا، لكن من غير المستبعد ان تكون تستدعي منذ الان الازمات التالية التي تقف على العتبة.
محظور أن تشوشنا الصور من المستشفى ومن حالة ابو هواش الصحية. فهو ليس مقاتل حرية بريء، بل معروف على مدى سنوات طويلة كنشيط ارهاب من الجهاد الاسلامي. في العام 2006 ادين بمخالفات امنية وحكم السجن لـ 56 شهرا. بعد أن تحرر عاد للانشغال بالارهاب ولكن في جهاز الامن لم ينجحوا في ترجمة المعلومات الاستخبارية المتجمعة على دوره في الارهاب الى لوائح اتهام. في نهاية 2020 اعتقل للمرة الثالثة في اعقاب معلومات عن مشاركته في اعمال تخريبية هامة والتخطيط لعمليات ضد اسرائيل.
في النظام الديمقراطي يكون استخدام اداة الاعتقال الاداري مركبا ومعقدا جدا، ولكن الى جانب المشاكل الكثيرة، فانه اداة هامة في واقعنا الامني. وكمثال يمكن ان نأتي بالمخرب سامر العربيد، احد قتلة رينا شنراب في نبع داني قبل اكثر من سنتين. العربيد الذي كان نشيطا في منظمة الارهاب في الجبهة الشعبية، اعتقل اداريا على اساس معلومات اشارت الى نواياه لتنفيذ عمليات. تحرر، عاد الى نشاط الارهاب ووقف على رأس شبكة نفذت العملية القاسية.
عندما لا ينجح جهاز الامن في ترجمة المعلومات الاستخبارية الى لوائح اتهام، والاعتقال الاداري يتواصل لفترة طويلة مثلما في حالة ابو هواش، فبمسؤولية الجهاز ان يجري ميزان رقابة من الربح والخسارة وان تكون له سياقات اتخاذ قرارات مرتبة في موضوع كان دوما متفجرا. محظور عليه أن ينتظر اللحظة التي لا يدار فيها حدث موضعي على نحو سليم فيجر اسرائيل الى ازمة استراتيجية. حاليا يخلق الانجاز الفلسطيني دافعية لدى منظمات الارهاب في القطاع لابتزاز اسرائيل في مسائل اخرى، ولا بد ستظهر هذه قريبا.