نحن نعاني من الاحتلال بكل ممارساته، ومن الانقسام بكل سيئاته، ومن عالم عربي ودولي لا يفهم سوى لغة المصالح والقوة بكل أشكالها، وهذه حقائق لا خلاف حولها، وهنا يبرز السؤال الأهم: ماذا علينا ان نفعل في أوضاع كهذه وكيف نواجه ما يواجهنا من مصاعب وتعقيدات؟ ولا يبدو الجواب سهلاً، ولكن هناك نقطة هامة للغاية في هذا السياق، وهي ان أقوى أسلحتنا المتوفرة والممكنة هي تعزيز جبهتنا الداخلية بحيث نقف صفاً واحداً متماسكاً ويعلو فوق الخلافات الحزبية والضيقة سواء بالضفة أو غزة.
والواقع المؤلم اننا لا نرى شكلاً من المطلوب وتبدو الخلافات الضيقة هي الاقوى والاكثر انتشارا وتأثيراً، كما نرى ان الخلافات السياسية تؤدي الى نزاع وتوتر بشكل أو بآخر وتؤثر في الرأي العام بصورة شاملة، كما حدث بالأمس في جنين مع عائلة الزبيدي والخلاف غير الواضح وغير المبرر مهما تكن الأسباب، مع أجهزة السلطة في هذا الوقت بالذات ومع هذه العائلة التي تعاني من اعتقالات وأسر لأبنائها من قوات الاحتلال. وكانت قد حدثت مشكلة أكبر قبل فترة قصيرة في مدينة الخليل ادت الى استشهاد شاب بأيدي قوات الامن الفلسطينية، ويقال ان المتورطين في هذه القضية يحاكمون رسمياً، ولكن لا أحد يرى النتائج المطلوبة ويظل الكلام مجرد كلام.
إن تعزيز الجبهة الداخلية يتطلب أولاً وقبل كل شيء تقبل الرأي الآخر وتعزيز حقوق كل الاطراف في التعبير عن رأيها وممارسة ما تراه مناسباً أو هو الحل الأفضل.
يجب أن تتغير العقلية الفردية أو الانفرادية بالقرار والموقف، النظرة الاحادية للأشياء واعتقاد كل طرف انه على حق وان الآخر مخطىء، وتغيير هذه العقلية ليس أمراً سهلاً ولكنه ممكن بالتأكيد، وعلى كل القادة والمسؤولين ان يتحملوا المسؤولية في هذا السياق وان يكونوا قدوة للعمل الموحد والمشترك، ولكن التغيير الحقيقي يبدأ من المدارس والتعليم أساساً، وهذا يتطلب مراحل طويلة وعلى القادة أن يكونوا القدوة لكل هذا، لا كما نرى حالياً حيث تبدو القيادات غارقة بالفردية والانفراد بالسلطة والقرار، وأبرز الأمثلة على ذلك هو هذا الانقسام الذي لا مبرر له سوى رغبة كل طرف في أن يكون صاحب القرار الأول والأخير، وصاحب السلطة الذي لا ينافسه فيها أحد، ولولا ذلك لكانت كل الاطراف قد دعت الى انتخابات رئاسية وتشريعية وقبلت بالنتائج مهما تكن حتى لو غابت قيادات وجاءت قيادات جديدة مختلفة.
ونحن منذ أن بدأت حركة النضال الفلسطيني المعاصر لم نعرف سوى قائدين اثنين، هما ياسر عرفات الذي ظل قائداً حتى الوفاة، رغم ما واجهه من مرض وعناء شخصي، وحالياً نرى الرئيس أبو مازن قائداً الى ما لا نهاية كما يبدو، رغم تقدم سنه وسنوات حكمه الطويلة، لأننا لا نمارس المنطق الديمقراطي الحقيقي ولا يؤمن القادة بأن للشعب كلمة يجب أن يقولها ويلتزم بها القادة.
إن تعزيز الجبهة الداخلية وهو السلاح الاقوى لدينا لا يكون إلا بانتخابات حرة ونزيهة بصورة كاملة تشمل القيادة ومجلس الشعب، وبدون ذلك سنظل ندور بالحلقة المفرغة من البيانات والخطب السياسية التي ماتت ولم يعد أحد يستمع اليها أو يهتم بها ..!!