حثالة البشر !

0A4A0983-323E-4040-98A0-60987A26316C-e1608481804606.jpeg
حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي

 

 


من يقوم بإلقاء القبض على فتى فلسطيني وينكل به لساعات ويضربه ويركله ويربطه بغطاء محرك السيارة، وفي النهاية يعلقه على شجرة ويحرق قدميه بولاعة، هو دون البشر.
وإلا ماذا تعتبرونه غير ذلك؟ من يطرد تحت تهديد السلاح أصحاب الأراضي، التي سلبها، ويدمر شواهد قبورهم، ويسحق محاصيلهم، ويخرب سياراتهم، ويحرق حقولهم هو دون البشر. وإلا ماذا يكون؟ من يهاجم رعاة مسنين بالعصي والحجارة هو دون البشر. من يقتلع آلاف أشجار الزيتون كل سنة هو دون البشر.
هل النازيون استخدموا هذا التعبير؟ هم أيضا سموا الشيء باسمه، سموا البندورة بندورة. وحتى الآن من المسموح استخدام كلمة بندورة. دون البشر هو تعبير لاذع، لكنه معتاد. فقط قبل أسبوع استخدمه يوسي فيرتر لوصف البيبيين الذين مسموح قول كل شيء عنهم، بالمناسبة.
لكن صرخات المستوطنين ومساعديهم عند سماع تعبير يئير غولان يوجد لها أيضاً نص ضمني متعمد يجب عدم تجاهله.
إذا كان تعبير "دون البشر" هو تعبير نازي، وجه ضد اليهود أثناء الكارثة، فإنه عندما نوجه هذا التعبير ضد المستوطنين يتحولون، مرة واحدة، إلى ضحايا بالقوة لكارثة أخرى.
وإذا كانوا ضحايا فإنه مسموح لهم بالطبع أن يفعلوا كل شيء، التنكيل والسلب والإحراق.
مرة أخرى، من يخلقون الضحايا أصبحوا ضحايا، هذه المرة لأن نائب الوزيرة قال عنهم شيئا غير جميل.
مرحلة أخرى في تشنج شخصيتهم: في السابق كانوا الطلائعيين والآن هم الضحايا. إنه لأمر مؤثر مدى حساسيتهم مما يقال عنهم.
من المؤثر أيضا بدرجة لا تقل عن ذلك ابتعاد معسكر الوسط – اليسار عن تصريحات غولان مثلما يبتعدون عن النار. من غير الجيد التحدث بهذه الطريقة، يا يئير.
المعسكر الذي صمت على أعمال الشغب التي قام بها الغزاة من حومش عاد إلى الحياة فقط إزاء أحد أصدقائه الذي غضب كما كان يجب على المعسكر بأكمله أن يغضب وأن يسميهم كما كان يجب تسميتهم من قبل الجميع.
المعلمة المتدينة من حزب العمل، عضو الكنيست افرات رايتن، طلبت من غولان الاعتذار. "لا يوجد مكان لهذه الأقوال"، قالت المعلمة. لماذا لا يوجد مكان؟ بالتحديد يوجد ويوجد.
قال وزير الثقافة، وهو أمر لا يصدق، بأن "الغزاة من حومش هم مواطنون إسرائيليون يفكرون بطريقة مختلفة"، مثلما إسحق افرجل، "المواطن الإسرائيلي، يفكر بطريقة مختلفة". وزير الدفاع قال إن الأمر يتعلق بـ"أشخاص لهم قيم ويحبون البلاد والدولة".
الآن مستوطنو حومش هم قيميون، أو على الأقل مواطنون يفكرون بصورة مختلفة.
من يحتاج اليمين عندما يكون هناك وسط – يسار مثل هذا؟ المستوطنون يمكنهم الاعتماد على هذا اليسار أكثر من اعتمادهم على اليمين، حيث لن يلحق بهم أي سوء في أي يوم، ودائما سيقوم بتبييض أفعالهم.
أيضا الثقافة السياسية التي تجذرت في إسرائيل، والتي فيها الخطاب الوحيد هو خطاب الفضائح، فضيحة تلو فضيحة، تستمر كل واحدة مثل عمر الفراشة، يوما أو يومين، وتنحسر مثلما بدأت إلى أن تأتي أخرى لتملأ مكانها.
الفضائح تتركز بشكل عام على شخص معين قال شيئا معينا. وللدقة، شخص معين غير مهم قال شيئا معينا غير مهم، وهي مخصصة ليس فقط لإذكاء الغرائز، بل أيضا لصرف الأنظار.
عندما تهيج إسرائيل في أعقاب كلمات قالها نائب الوزيرة فإنها تختفي عن الانشغال بالأساس.
غولان قال "دون البشر"، وبعد لحظة أصبحت حومش محل إجماع. بدلا من التحدث عن جرائم سكانها يتحدثون عن غولان. الحديث عن جرائمهم هو خطاب مقسم، أما إدانة غولان فهي خطاب موحد. وماذا نريد أكثر من خطاب موحد يزيد التماسك ويطمس كل شيء؟
المحصلة النهائية محبطة. وصف هائج لكنه واقعي للمستوطنين هو جريمة، نتيجة لها ستندلع عاصفة عامة. جرائمهم اليومية في المقابل هي على أكثر تقدير تمثل الإسرائيليين الذين يفكرون قليلا بصورة مختلفة. من الآن يجب عليكم القول: حومش الآن ودائما، ومثلها أفيتار. بالإجمال، هي مستوطنات لإسرائيليين يفكرون قليلا بصورة مختلفة، وربما أيضا ليس كذلك.

عن "هآرتس"