من حق جنود «لنكسر الصمت» أن يبيّنوا الآثار القاسية للاحتلال

جنود لنكسر الصمت
حجم الخط

 أنتم لا تعرفون حقا ما يجري هناك، فمن المريح كبت حقيقة ان أبناءنا يلبسون البزة ويصبحون كابوس الأبناء الاخرين. أنتم لا تعرفون حقا ما يجري هناك، حين يتجند تلميذ ثانوية وبعد وقت قصير من ذلك يجد نفسه يقف في منتصف غرفة نوم أبوين آخرين في ظلمة الليل. انتم لا تعرفون حقا ما يجري هناك، حين تقف مرشدة في الخليل وتخشى من أن تقول بصوت عال «هذه السلسلة محظور عليك ان تأخذها لانها تعود لاحد ما».

انتم لا تعرفون حقا ماذا تعني الخدمة في «المناطق». وأنا ايضا لا أعرف. فخدمتي العسكرية كانت احدى تجاربي التي كونت حياتي، وشكلت بالنسبة لي السبيل المهني الذي اخترت، علّمتني ما هي نقاط ضعفي ونقاط قوتي، صممت الشكل الذي انظر فيه الى المجتمع الاسرائيلي، وأكدت لي حدود هويتي كمواطنة في الدولة. فترة الخدمة العسكرية هي أحد القواسم المشتركة الاوسع التي حددتها لنا الصهيونية الجديدة، ورغم ذلك تمنع الديمقراطية الاسرائيلية الحق عن مئات الجنود والضباط من أن يرووا بصوت عال تجربتهم في الخدمة.

واللحظة التي يتلقى فيها المرشح للخدمة صفحة رسائل دقيقة تحدد له الاقانيم التي سيكتسبها في فترة كونه جنديا، وكذا طيف المشاعر التي ستثور فيه بعد أن يرى صديقه الافضل يوجه اللكمات للعرب، تبدو أقرب من أي وقت مضى. الحرب، تماما مثل الحكم العسكري داخل الاحياء الفلسطينية، هي حدث ممتد زمنا، مؤثر ومصمم لوعي كل من يشارك فيه، جنودا ومدنيين، كبارا واطفالا، قادة ومقاتلين. ولا بركة في المحاولة الفاشلة للتأثير على الشكل الذي يرى فيه الجنود الاحداث التي يشاركون فيها. ان الرواية التعسفية، التي ترى في الجندي خلاصة الحكم – حتى بعد وقت طويل من تحرره من الجيش – هي خطر واضح على مستقبل المجتمع الاسرائيلي.

فللجندي وجوه عديدة: فهو يأتي بألوان ومعتقدات متنوعة وأشكال واسعة من انماط وقيم الحياة، ولا معنى للتنكر لحقيقة أنه مثلما تختلف وجوه الجنود، هكذا ايضا تختلف آراءهم. على مدى التاريخ اليهودي، بما فيه التوراتي، ادعى الشعب اليهودي الحفاظ على القيم الاخلاقية لمقاتليه وعدم عرضهم كالات قتل. وعليه، فغريب أن الجنود الذين يصرون على حقهم اليهودي في الحفاظ على خط قيمي اثناء خدمتهم العسكرية أو بعدها يتهمون بتحقيرها، ومقلق أن يكون كبار المسؤولين في الحكم، المسؤولين عن سلامة المجتمع، يثيرون عليهم الجمهور على أمل تحقيق قوة سياسية تبقيهم في مواقعهم في الحكم. في الاسابيع الاخيرة أصبحت جماعة «لنكسر الصمت» – وهم جنود في الجيش الاسرائيلي – كيس الضربات للجمهور المتحمس، بتشجيع حثيث من منتخبي الجمهور وصحافيين يسعون الى الدكتاتورية الوطنية ويشهرون باليساري الخائن.

كيف حصل ان وزير الدفاع، رئيس أركان، رجل الاستيطان العامل، خرج بلسانه ليؤدي مهمة اخراج «لنكسر الصمت» من المعسكر؟ هل يحتمل أن تكون الكلاب التي تنبح على القافلة تشبه في نظره قطيع الأسود الجائعة؟ لا يدور الحديث هنا عن مسألة أمنية بل عن مسائل اخلاقية تصطدم بواقع صعب يعيشه الجندي في مواجهة المواطن. فما يتعلمه التلاميذ في المدارس لا يكفي ليعكس تجربة الحياة. وكل انسان يرد بشكل مختلف على الدراما المجنونة للحياة، وكل جندي يتصرف بشكل مختلف عندما يقف امامه طفل فلسطيني يحمل حجرا.

من حق الجنود الشجعان الذين ينتمون لجماعة «لنكسر الصمت» الاشارة الى النتائج القاسية للاحتلال، ومن واجب الجمهور الاسرائيلي أن يوجه لهم الشكر على خدمتهم كحماة للحمى.

عن «يديعوت»